منتديات الدعوة السلفية في الجزائر
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، عزيزي الزائر يشرفنا أن تكون عضو بيننا في " منتدى الدعوة السلفية في الجزائر "

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

منتديات الدعوة السلفية في الجزائر
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، عزيزي الزائر يشرفنا أن تكون عضو بيننا في " منتدى الدعوة السلفية في الجزائر "
منتديات الدعوة السلفية في الجزائر
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

التّوحيد و أنواعه

اذهب الى الأسفل

التّوحيد و أنواعه Empty التّوحيد و أنواعه

مُساهمة من طرف عبير الإسلام السبت يونيو 18, 2016 3:49 pm





التّوحيد و أنواعه 1284916500


التّوحيد و أنواعه Hqdefault


التّوحيد و أنواعه


الحمد لله ربّ العالمين، والعاقبة للمتقين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله وخليله وأمينه على وحيه، وصفوته من خلقه، نبينا وإمامنا وسيدنا محمد بن عبد الله، وعلى آله وأصحابه ومن سلك سبيله، واهتدى بهداه إلى يوم الدين.
أما بعد:

فإني أشكر الله عز وجل على ما منَّ به من هذا اللقاء، بإخوة في الله، وبأبناء أعزاء أسأله سبحانه أن يجعله لقاءً مباركًا، وأن يصلح قلوبنا وأعمالنا جميعًا، وأن يمنحنا الفقه في الدين والثبات عليه، وأن يصلح أحوال المسلمين جميعًا في كل مكان، وأن يولي عليهم خيارهم، ويصلح قادتهم، وأن يكثر فيهم دعاة الهدى إنه جواد كريم.

ثم أشكر القائمين على هذه الجامعة: جامعة أم القرى، وعلى هذا المركز الصيفي، وعلى رأسهم الأخ الكريم صاحب الفضيلة الدكتور: راشد بن راجح مدير الجامعة على دعوتهم لي لهذا اللقاء، وأسأله سبحانه بأسمائه الحسنى، وصفاته العلى أن يوفقنا جميعًا لما فيه صلاحنا وسعادتنا في العاجل والآجل.

أيها الإخوة في الله، أيها المستمعون الكرام: سمعنا جميعًا ما قرأه علينا الطالب من سورة الحشر، سمعنا آيات كريمات فيها عبرة وذكرى، يقول الله جل وعلا: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ) إلى آخر السورة. ومن المعلوم أنّ كتاب الله عز وجل من أوّله إلى آخره، فيه الذكرى وفيه الدعوة إلى كل خير، وفيه التذكير بأسباب النجاة والسعادة، وفيه العِظَة والترغيب والترهيب.
فجدير بالمسلمين جميعًا أن يعتنوا بتدبره وتعقله، وأن يكثروا من تلاوته؛ لمعرفة ما أمر الله به وما نهى عنه، حتى يعلم المؤمن ما أمر الله به فيمتثله، ويبتعد عما نهى الله عنه.

فكتاب الله فيه الهدى والنور وفيه الدلالة على كل خير والتحذير من كل شر، وفيه الدعوة إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال، والتحذير من سيئ الأخلاق، وسيئ الأعمال، يقول سبحانه: ( إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ) أي: إلى الطريقة والسبيل التي هي أهدى السبل وأقومها وأصلحها، وقال سبحانه: ( قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ )، وقال تعالى: ( كِتَابٌ أَنْـزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الأَلْبَابِ )، وقال تعالى: ( وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ ). فكتاب الله فيه الهدى والنور، وفيه العظة والذكرى.

فوصيّتي لنفسي وللجميع ومن يسمع كلمتي أو تبلغه: العناية بهذا الكتاب العظيم ، فهو أشرف كتاب، وأعظم كتاب، هو خاتم الكتب المنزلة من السماء، ومن تدبره وتعقله بقصد طلب الهداية، ومعرفة الحق، وفقه الله وهداه.
وأهم ما اشتمل عليه هذا الكتاب العظيم : بيان حق الله على عباده، وبيان ضد ذلك. هذا أعظم موضوع اشتمل عليه القرآن، وهو بيان حقه سبحانه على عباده من توحيده، وإخلاص العبادة له، وإفراده بالعبادة، وبيان ضد ذلك من الشِّرْك الأكبر، والذنب الذي لا يغفر، وأنواع الكفر والضلال.

ولو لم يكن في تدبر هذا الكتاب العظيم إلاّ العلم بهذا الواجب العظيم، وتدبّر ما ذكره الله في ذلك، لكان ذلك خيرًا عظيمًا، وفضلاً كبيرًا، فكيف وفيه الدلالة على كل خير، والترهيب من كل شر، كما تقدم.

ثم بعد ذلك العناية بالسنة ، فإنها الأصل الثاني، والوحي الثاني، وفيها التفسير لكتاب الله والدلالة على ما قد يخفى من كلامه سبحانه، فهي الموضحة لكتاب الله، كما قال الله عز وجل: ( وَأَنْـزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُـزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ )، ويقول سبحانه: ( وَمَا أَنْـزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ )، فهو أنزل لدعوة الناس إلى الخير، وتعليمهم سبيل النجاة، وتحذيرهم من سبل الهلاك، وأمر الله نبيه عليه الصلاة والسلام أن يبيّن للناس ما أنزل إليهم، وأن يشرح لهم ما اشتبه عليهم. فلم يزل عليه الصلاة والسلام من حين بعثه الله إلى أن توفاه سبحانه يدعو الناس إلى ما دلّ عليه كتاب الله، ويشرح لهم ما دلّ عليه، ويحذرهم مما نهى عنه، وكانت المدة من حين بعثه الله إلى أن توفاه ثلاثًا وعشرين سنة، كلها دعوة وبيان وترهيب وترغيب، إلى أن نقل إلى الرفيق الأعلى عليه الصلاة والسلام.

ومحاضرتي هذه الليلة في أعظم موضوع، وأهم موضوع، وهو: موضوع العقيدة، موضوع:

التّوحيد وضده.

فالتّوحيد هو الأمر الذي بعث الله من أجله الرسل، وأنزل من أجله الكتب، وخلق من أجله الثّقلين ، وبقية الأحكام تابعة لذلك. يقول سبحانه: ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ ). المعنى: ليخصّوه سبحانه بالعبادة، ويفردوه جل وعلا بها، ولم يخلقوا عبثًا ولا سُدًى، ولا ليأكلوا ويشربوا، ولا ليعمروا القصور ونحوها، ولا لشق الأنهار، وغرس الأشجار، ولا لغير هذا من مهمات الدنيا، ولكنهم خلقوا ليعبدوا ربهم، وليعظموه، وليتمسكوا بأوامره، وينتهوا عن نواهيه، ويقفوا عند حدوده، وليوجهوا العباد إليه، ويرشدوهم إلى حقّه.

وخلق لهم ما خلق من النعم ليستعينوا بها على طاعته، قال تعالى: ( هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا )، وقال سبحانه: ( وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ ). والله جل وعلا أنزل الأمطار، وأجرى الأنهار، ويسر للعباد من أنواع الرزق وأنواع النعم ما يعينهم على طاعته، وما يكون زادًا لهم إلى نهاية آجالهم، إقامة للحجة، وقطعًا للمعذرة، وقال تعالى: ( وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ )، وقال سبحانه: ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ )، وقال سبحانه: ( وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ )، وقال جل وعلا: ( وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ )، وقال سبحانه في سورة الفاتحة: ( إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ) .

إلى غير ذلك من الآيات الدالات على أنّه سبحانه خلق الخلق ليعبدوه وحده، وأمرهم بذلك، وأرسل الرسل لهذا الأمر ليدعوا إليه، وليوضحوه للناس.

فوجب على أهل العلم: خلفاء الرُّسُل: أن يبيّنوا للناس هذا الأمر العظيم، وأن يكون أعظم المطلوب، وأن تكون العناية به أعظم عناية؛ لأنّه متى أسلم صار ما بعده تابعًا له، ومتى لم يوجد التّوحيد لم ينفع المكلف ما حصّل من أعمال وأقوال، قال الله تعالى: ( وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) وقال تعالى: ( وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا )، وقال سبحانه: ( وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) في آيات كثيرات.

ويؤيد هذا المعنى أنه عليه الصلاة والسلام مكث بمكة عشر سنين، يدعو الناس إلى توحيد الله، قبل أن تفرض عليه الصلاة وغيرها، كلها دعوة إلى توحيد الله وترك الشرك وخلع الأوثان، وبيان أن الواجب على جميع الثقلين: أن يعبدوا الله وحده، ويدعوا ما عليه آباؤهم وأسلافهم من الشِّرْك.

ولهذا سأل هرقل ملك الروم أبا سفيان بن حرب في أيام الهدنة، وكان أبو سفيان في وفد من قريش في تجارة بفلسطين ، وصادف مجيء هرقل إلى القدس ، فقيل له عنهم، فأمر بإحضارهم لسؤالهم عمّا يعلمون عن هذا النبي الذي بلغه خبره، وكان ذلك في وقت الهدنة، وعلى رأسهم أبو سفيان بن حرب ، فسألهم عنه، وعن قوله: إنّه نبي؟!.

فأمر بأبي سفيان ، فأجلسه أمامه، وأجلسوا أصحابه خلفه، وقال لترجمانه: قل لهم: إنّي سائله فإن كذب فليكذّبوه.

فسأل عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن أشياء كثيرة معروفة في البخاري وغيره، ومما سأل عنه أن سألهم: عمّا يدعوهم إليه؟. فقالوا: يدعونا إلى أن نعبد الله وحده، وأن نترك ما عليه آباؤنا، ويأمرنا بالصلاة والصدق والصلة والعفاف.

فقال لهم: إن كان كما قلتم ليملكنّ موضع قدمي هاتين فكان الأمر كما قال،

فملَّك الله المسلمين الشام ، وأزاح عنها الروم، ونصر الله نبيّه وأيّد حزبه.

والمقصود أنّ هذا الأصل هو الأمر العظيم.. ولمّا تساهل فيه الناس - إلاّ من رحم الله - وقعوا في الشرك الأكبر، وهم يدَّعون الإسلام وينكرون على من رماهم بخلافه، وهم على الشرك بسبب جهلهم بهذا الأصل العظيم، فقد اتخذوا كثيرًا من الأموات آلهة من دون الله يعبدونهم، ويطوفون بقبورهم، ويستغيثون بهم، ويسألونهم شفاء المرضى، وقضاء الحاجات، والنصر على الأعداء، ويقولون: هذا ليس بشرك وإنما هو تعظيم للصالحين، وتوسل بهم إلى الله، ويقولون أيضًا: بأن الإنسان لا يدعو الله مباشرة إنما يدعو الله بواسطة الأولياء، وهم كالوزراء بالنسبة إلى الرب، كما أن الوزراء بالنسبة للملوك هم الواسطة، فشبهوا الله بخلقه، وعبدوا خلقه من دونه. نسأل الله العافية.

فكل هذا من أسباب الجهل، وقلة البصيرة بهذا الأصل العظيم، فعبّاد البدوي ، وعبّاد الشيخ: عبد القادر ، وعُبّاد الحسين ، وعبّاد غيرهم من الناس، أصابهم البلاء من هذا السبيل، جهلوا حقيقة التوحيد، وجهلوا دعوة الرسل، والتبست عليهم الأمور، فوقعوا في الشِّرْك واستحسنوه، وجعلوه دينًا وقربة، وأنكروا على من أنكر عليهم، وقَلَّ أن تجد في غالب الأمصار العالم البصير بهذا الأصل العظيم، بل تجد من يشار إليه بالأصابع، ويُقال: إنّه العالم، وهو مع ذلك ممّن يعظّم القبور التعظيم الذي لم يشرعه الله، ويدعو أهلها، ويستغيث بهم وينذر لهم ونحو ذلك. أمّا علماء الحق، علماء السُنّة، علماء التّوحيد فهم قليل في كل مكان.

فالواجب على الطلبة في هذه الجامعة، وعلى جميع الطلاب في جميع الجامعات الإسلامية: أن يعتنوا بهذا الأصل، وأن يُحْكِمُوه غاية الإحكام، حتى يكونوا دعاة للهدى، ومبشرين بالحق، وحتى يكونوا مبصِّرين للناس بحقيقة دينهم الذي بعث الله به نبيه محمدًا عليه الصلاة والسلام، وبعث به الرسل جميعًا.

وهذه الكلمة التي أقولها لكم الآن تتعلق بأنواع التوحيد وأنواع الشرك. والتوحيد : مصدر وحّد يوحد توحيدًا، يعني: وحّد الله أي اعتقده واحدًا لا شريك له في ربوبيته، ولا في أسمائه وصفاته، ولا في ألوهيته وعبادته، سبحانه وتعالى. فهو واحد جل وعلا وإن لم يوحده الناس، وإنما سمي إفراد الله بالعبادة توحيدًا؛ لأن العبد باعتقاده ذلك قد وحّد الله عز وجل، واعتقده واحدًا فعامله على ضوء ذلك بإخلاص العبادة له سبحانه ودعوته وحده، والإيمان بأنه مدبر الأمور وخالق الخلق، وأنه صاحب الأسماء الحسنى، والصفات الكاملة، وأنه يستحق العبادة دون كل ما سواه .


وعند التفصيل تكون أنواع التوحيد ثلاثة:


توحيد الربوبية ، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات ،

1- فـتوحيد الربوبية: أقرّ به المشركون ولم ينكروه، لكنّهم لم يدخلوا به في الإسلام؛ لأنّهم لم يخصوا الله بالعبادة، ولم يقرّوا بتوحيد الإلهية، بل أقروا بأن ربّهم هو الخالق الرازق، وأن الله هو ربّهم، ولكنهم لم يوحدوه بالعبادة، فقاتلهم النبي صلى الله عليه وسلم حتى يخلصوا العبادة لله وحده.



فـتوحيد الربوبية، معناه: الإقرار بأفعال الرب، وتدبيره للعالم، وتصرفه فيه، هذا يسمى: توحيد الربوبية، وهو الاعتراف بأنه الخلاّق الرزاق مدبر الأمور ومصرفها، يعطي ويمنع، ويخفض ويرفع، ويعز ويذلّ، ويحيي ويميت، وهو على كل شيء قدير.

وهذا في الجملة أقرّ به المشركون، كما قال سبحانه: " وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ "

وقال سبحانه:" وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ " وقال تعالى: " قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمْ مَنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ "

فهم معترفون بهذه الأمور، لكنهم لم يستفيدوا من هذا الإقرار في توحيد الله بالعبادة، وإخلاصها له سبحانه وتعالى، بل اتخذوا معه وسائط، وزعموا أنها شفعاء وأنها تقربهم إلى الله زلفى، كما قال تعالى: " وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ " ، فقال سبحانه ردًا عليهم: " قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ " ، فهو سبحانه لا يعلم له شريكًا، لا في السماء ولا في الأرض، بل هو الواحد الأحد، سبحانه وتعالى، الفرد الصمد، المستحق للعبادة جل وعلا، وقال سبحانه وتعالى: " فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ (2) أَلاَ لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ " ثم قال سبحانه: " وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى " ، والمعنى: يقولون ما نعبدهم إلاّ ليقربونا إلى الله زلفى، يعني: ما عبدناهم؛ لأنهم يضرون وينفعون، أو لأنهم يخلقون ويرزقون، أو لأنهم يدبرون الأمور، ولكن عبدناهم؛ ليقربونا إلى الله زلفى، وليشفعوا لنا عنده، كما قالوا في الآية السابقة من سورة يونس: " هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ " .


وعُرِف بهذا أنّهم لم يعتقدوا أن آلهتهم تنفع وتضر، وتحيي وتميت، وترزق وتعطي وتمنع، وإنما عبدوهم ليشفعوا لهم وليقربوهم إلى الله زلفى، فاللات والعزى ومناة والمسيح ومريم والصالحون من العباد، كل هؤلاء ما عبدهم المشركون الأولون، لأنهم ينفعون ويضرون، بل عبدوهم لأنهم يرجون شفاعتهم، وأن يقربوهم إلى الله زلفى، فحكم الله عليهم بالشرك في قوله تعالى: " قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ " ، وقال في آية الزمر: " إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ " ،

فحكم عليهم بالكفر والكذب، حين قالوا: " ما نعبدهم إلاّ ليقربونا إلى الله زلفى، ". فبيّن أنهم كذبة في زعمهم أنهم يقربونهم إلى الله زلفى، كفرة بهذا العمل، وهو عبادتهم إياهم بالذبح والنذر والدعاء والاستغاثة ونحو ذلك.

وقد دعاهم صلى الله عليه وسلم عشر سنين يقول لهم: " يا قوم، قولوا: لا إله إلاّ الله تفلحوا " ، فأعرض عنه الأكثرون، ولم يهتد إلاّ الأقلون، ثم أجمع رأيهم على قتله، فأنجاه الله من شرهم ومن كيدهم، وهاجر إلى المدينة عليه الصلاة والسلام، فأقام بها شريعة الله ودعا فيها إلى الله، وتقبل الدعوة الأنصار رضي الله عنهم، وجاهدوا معه عليه الصلاة والسلام وجاهد معه المهاجرون من قريش ، ومن غيرهم حتى أظهر الله دينه، وأعلى كلمته، وأذل الكفر وأهله.

وهذا النوع الذي أقر به المشركون هو توحيد الربوبية: وهو توحيد الله بأفعاله من خلق ورزق وتدبير وإحياء وإماتة وغير ذلك من أفعاله سبحانه كما سبق.

وهو حجّة عليهم في إنكارهم توحيد الله بالعبادة، لأنه يستلزمه، ويدل عليه ويوجبه. فلهذا أقام الله الحجة عليهم بهذا الإقرار فقال: " فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ " ، وفي الآيات الأخرى أَفَلاَ تَعْقِلُونَ، أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ.


ومَن تدبّر هذا الأمر الذي أقرّوا به، استفاد لو عقل أن هذا المتّصف بهذه الصفات هو المستحق لأن يعبد، ما دام هو الخلاق وهو الرزاق وهو المحيي وهو المميت وهو المعطي وهو المانع وهو المدبر للأمور، وهو العالم بكل شيء والقادر على كل شيء، فكيف تصرف العبادة لغيره، بل كيف يرجى غيره، ويخاف غيره، لو عقل أولئك الكفار، ولكنهم لا يعقلون: " اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ " .

وقال في المنافقين: " صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ " ، وهكذا أشباههم كما قال سبحانه: " وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَ يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ " ،

هؤلاء هم الغافلون حقًّا وهم أشباه الأنعام، بل هم أضل منها، كما وصفهم الله بذلك في آيات بينات، وحجج نيرات، وبراهين ساطعات، ومع ذلك لم يفهموها ولم يعقلوها، واستمروا على كفرهم وضلالهم، حتى حاربوه صلى الله عليه وسلم يوم بدر، ويوم أحد، ويوم الخندق (يوم الأحزاب)، استمروا في كفرهم وضلالهم، ولم تنفع فيهم الآيات، ولم يستفيقوا من غفلتهم وإعراضهم، ولله الحكمة البالغة سبحانه وتعالى والحجة الدامغة.

ثم إنه سبحانه أظهر نبيّه، وأعزّ دينه، وقهر الأعداء، فغزاهم صلى الله عليه وسلم يوم الفتح، ونصره الله عليهم، وفتح بلادهم، ودخلوا في دين الله أفواجًا، وعند ذلك أظهر عليه الصلاة والسلام توحيد الإلهية، وقبله الناس، ودخلوا في الحق، ثم قامت ضده هوازن ، وأهل الطائف . فأظهره الله عليهم، وشتت شملهم، واستولى عليه الصلاة والسلام على نسائهم وذرياتهم وأموالهم، وجعل الله العاقبة والنصر لنبيه صلى الله عليه وسلم، ولعباده المؤمنين ، فالحمد لله على ذلك.


والنوع الثاني: توحيد الأسماء والصفات ، وهو أيضًا من جنس توحيد الربوبية، قد أقروا به وعرفوه. وتوحيد الربوبية يستلزمه لأنّ مَن كان هو الخلاق الرزاق والمالك لكل شيء، فهو المستحق لجميع الأسماء الحسنى والصفات العلى، وهو الكامل في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله، لا شريك له، ولا شبيه له، ولا تدركه الأبصار وهو السميع العليم، كما قال سبحانه: " لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ " ، وكما قال عز وجل: " قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4) " ،

وهم أي الكفار يعرفون ربهم بأسمائه وصفاته، وقد كابر بعضهم فأنكر اسم الرحمن، فأكذبهم الله بقوله سبحانه: " كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهَا أُمَمٌ لِتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لاَ إِلَهَ إِلا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ " .


النوع الثالث: هو توحيد الله بالعبادة وهو معنى لا إله إلاّ الله ، فإنّ معناها لا معبود حق إلاّ الله، فهي تنفي العبادة بجميع أنواعها عن غير الله، وتثبتها لله وحده سبحانه وتعالى.


وهذه الكلمة هي أصل الدين وأساسه كله، وهي الكلمة التي دعا إليها النبي صلى الله عليه وسلم قومه، ودعا إليها عمه أبا طالب فلم يسلم ومات على دين قومه.

وقد أوضح الله معناها في مواضع كثيرة من الكتاب الكريم، منها قوله سبحانه " وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَ إِلَهَ إِلا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ " ، وقوله جل وعلا: " وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ ، " ، وقوله تعالى: " إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ، " ، وقوله: " وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ " الآية، إلى غير ذلك من الآيات.

وكلها تفسر هذه الكلمة، وتوضح أن معناها: إبطال العبادة لغير الله، وإثبات العبادة بحق لله وحده جل وعلا، كما قال سبحانه في سورة الحج: " ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ ،" ، وقال في سورة لقمان: " ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ . ".


فالله سبحانه وتعالى هو الحق، وله دعوة الحق، وعبادته هي الحق دون كل ما سواه سبحانه وتعالى، فلا يستغاث إلاّ به، ولا ينذر إلاّ له، ولا يتوكل إلاّ عليه، ولا يطلب الشفاء إلاّ منه، ولا يطاف إلاّ ببيته العتيق، إلى غير هذا من أنواع العبادة، وهو الحق ودينه الحق سبحانه وتعالى، .

ومَن أتقن هذه الأنواع الثلاثة: أعني أنواع التّوحيد، وحفظها واستقام على معناها، علم أنّ الله هو الواحد حقًّا، وأنّه هو المستحق للعبادة دون جميع خلقه، ومَن ضيّع واحدًا منها أضاع الجميع فهي متلازمة، لا إسلام إلاّ بها جميعًا،

ومَن أنكر صفات الله وأسماءه، فلا دين له، ومَن زعم أنّ مع الله مصرِّفًا للكون يدبّر الأمور، فهو كافر مشرك في الربوبية بإجماع أهل العلم.

ومَن أقرّ بتوحيد الربوبية والأسماء والصفات، ولكن لم يعبد الله وحده، بل عبد معه سواه من المشايخ أو الأنبياء أو الملائكة أو الجن أو الكواكب أو الأصنام أو غير ذلك فقد أشرك بالله وكفر به سبحانه، ولا تنفعه بقية الأقسام لا توحيد الربوبية، ولا توحيد الأسماء والصفات، حتى يجمع بين الثلاثة،

فيقرّ بأنّ الله ربّه هو الخالق الرازق المالك لجميع الأمور، ويقر بما كفر به المشركون، وحتى يؤمن بأنه سبحانه له الأسماء الحسنى والصفات العلى، لا شبيه له، ولا شريك له، كما قال عز وجل: "قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4) "، وقال سبحانه: " فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ ، " ، وقال عز وجل: " لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ".



الثالث: وهو توحيد العبادة، هو معنى لا إله إلاّ الله، وهو الأساس العظيم لدعوة الرسل لأن النوعين الآخرين لم ينكرهما المشركون كما تقدم، وإنما أنكروا هذا النوع وهو توحيد العبادة، لما قال لهم: قولوا لا إله إلاّ الله، قالوا: " أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ ", وقالوا أيضًا: " أَإِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ " وقبلها قوله سبحانه: " إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ إِلَهَ إِلا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ (35) وَيَقُولُونَ أَإِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ "فكذبهم الله بقوله: " بَلْ جَاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ " .

وهذا النوع هو توحيد العبادة، وهو الذي أنكره المشركون الأوّلون ، وينكره المشركون اليوم، ولا يؤمنون به، بل عبدوا مع الله سواه، فعبدوا الأشجار والأحجار وعبدوا الأصنام، وعبدوا الأولياء والصالحين، واستغاثوا بهم، ونذروا لهم وذبحوا لهم، إلى غير هذا مما يفعله عبّاد القبور وعبّاد الأصنام والأحجار وأشباههم، وهم بذلك مشركون كفار، إذا ماتوا على ذلك لم يغفر لهم، كما قال سبحانه: " إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ " ، وقال سبحانه: " وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ " وقال سبحانه: ( إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ ).

فلا بد من تحقيق هذا النوع، وإفراد الله بالعبادة ونفي الإشراك به سبحانه وتعالى، والاستقامة على ذلك، والدّعوة إليه، والموالاة فيه، والمعاداة عليه، وبسبب الجهل بهذا النوع، وعدم البصيرة فيه يقع الناس في الشرك، ويحسبون أنهم مهتدون، كما قال عز وجل: ( إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ )، وقال في حق النصارى وأمثالهم: ( قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا )، فالكافر لجهله وانتكاس قلبه، يحسب أنّه محسن، وهو يعبد غير الله، ويدعو غير الله، ويستغيث بغير الله، ويتقرّب بالذبائح والنذور لغيره عز وجل، وما ذلك إلاّ لجهله وقلّة بصيرته، وقد أنزل الله فيهم عز وجل قوله سبحانه: ( أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلا كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلا ) ، وقوله عز وجل: ( وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَ يَفْقَهُونَ بِهَا ) الآية،

فالواجب على أهل العلم، وعلى طلاب العلم: أن يعنوا بهذا النوع أعظم عناية؛ لكثرة الجهل به، ووقوع أكثر الخلق في ضده.

أما النوعان الآخران: فهما بحمد الله من أوضح الأشياء وأبينها، لكن هذا النوع أعني: توحيد العبادة يشتبه على أكثر الناس بسبب الشبه الكثيرة التي يروجها أعداء الله، ويلبسون بها على كثير من الناس، والأمر فيها بحمد الله واضح لمن نوَّر الله بصيرته وهي شبه باطلة لا وجه لها.

فالحق واضح أبلج، وهو وجوب إخلاص العبادة لله وحده، دون كل ما سواه، كما قال عز وجل: ( فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ )، وقال سبحانه وتعالى: ( فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا )، وقال سبحانه: ( وَلاَ تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لاَ يَنْفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ )، ويقول سبحانه وتعالى: ( ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ (13) إِنْ تَدْعُوهُمْ لاَ يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلاَ يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ )، ويقول سبحانه: ( وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لاَ بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ ) ، في آيات كثيرات كلّها دالة على وجوب إخلاص العبادة لله وحده، وأنّ صرف العبادة لغير الله شرك وكفر، وهكذا لو اعتقد أن شخصًا أو جمادًا يصلح أن يعبد كفر وإن لم يعبده، فلو اعتقد أن هذا الصنم، أو هذا الشخص لجبرائيل أو النبي محمد صلى الله عليه وسلم، أو الشيخ: عبد القادر الجيلاني ، أو البدوي ، أو الحسين ، أو علي بن أبي طالب ، لو اعتقد أنّ واحدًا منهم أو غيرهم يصلح للعبادة، وأنّه لا بأس أن يُدْعَى من دون الله، ولا بأس أن يُستغاث به صار كافرًا، وإن لم يفعل شيئًا.

وهكذا لو اعتقد أنّهم يعلمون الغيب، أو يتصرّفون في الكون كان كافرًا بهذا الاعتقاد، عند جميع أهل العلم، فكيف إذا دعاهم من دون الله، أو استغاث بهم أو نذر لهم فإنه يكون بذلك مشركًا شركًا أكبر.

وهكذا إذا سجد لهم أو صلى لهم أو صام لهم صار بذلك مشركًا شركًا أكبر، نسأل الله السلامة من ذلك .

---------------------------

المصدر:

( محاضرة ألقيت في جامعة أم القرى بالمركز الصيفي) لللشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله

فتاوى ابن باز /المجلد الأول/التوحيد وأنواعه

http://www.alifta.net/Fatawa/FatawaChapters.aspx?View=Page&PageID=8&PageNo=1&BookID=4


التّوحيد و أنواعه 13




عبير الإسلام

عدد المساهمات : 1216
تاريخ التسجيل : 16/04/2015

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى