منتديات الدعوة السلفية في الجزائر
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، عزيزي الزائر يشرفنا أن تكون عضو بيننا في " منتدى الدعوة السلفية في الجزائر "

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

منتديات الدعوة السلفية في الجزائر
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، عزيزي الزائر يشرفنا أن تكون عضو بيننا في " منتدى الدعوة السلفية في الجزائر "
منتديات الدعوة السلفية في الجزائر
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ.

اذهب الى الأسفل

لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ. Empty لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ.

مُساهمة من طرف عبير الإسلام الأحد أغسطس 18, 2019 11:45 pm




لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ. 12581310

لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ. Attachment

لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ. Attachment

ولأهميّة الموضوع الذي سوف أطرحه،بإذن الله، ويتعلّق بمسألة عقديّة مهمّة، قمتُ بجمع بعض المعلومات، أسعى بذلك، إن شاء الله، إلى إيصال الفوائد للقرّاء، وتعليمهم، أمور، قد يضطرب أناس في فهم معناها. لقلّة الفقه فيها. ما يضطرّنا إلى توجيههم إلى تفسيرات وشروح علماء السُّنَّة.

فمثلاً، اليوم مررتُ على تغريدة لشيخنا الفاضل محمد بن غالب العمري (أعزّه الله بالسُّنّة وثبّته عليها)، قال فيها:

"تأمل الآية في المنع من الهداية. قال تعالى (وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ).
الهداية نعمة من الله عظيمة، سواء هداية الدلالة أو هداية التوفيق والتي بها النجاة والسعادة.
فاللّهم اهدنا لما اختلف فيه من الحقّ بإذنك إنّك تهدي مَن تشاء إلى صراط مستقيم".

لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ. Attachment

وبصوت الشيخ يشرح الفرق بين الهدايتين: هداية الدّلالة وهداية التّوفيق.

https://www.baynoona.net/ar/audio/3161

لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ. Attachment

والقصد من إضافة الموضوع: هو تعريف النّاس بما ذكره الشيخ من أنواع الهداية. وهي النّقطة المهمّة التي ركّزتُ عليها في التّغريدة، والتي قد يجهل الكثير، الفرق فيها بين هداية الدّلالة و هداية التّوفيق.

فأحببتُ أن أحيل الشّرح والتّفسير، والتّفصيل في المسألة إلى علماء الميدان، علماء السُّنّة والعقيدة الصّحيحة.
فبحثتُ عن شرح يفصّل ويوضّح الفرق، فوجدتُ كلامًا نفيسًا لشيخنا الجليل محمد بن صالح العثيمين رحمه الله حول المسألة. فإليكموه:

لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ. Attachment

ورد لفظ الهدى في القرآن الكريم كثيراً مثلاً في قوله تعالى ((إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا)) والأسئلة: هل الإنسان مخير أم مسير؟ وهل للإنسان إرادة أن يكون طيباً أو خبيثاً أرجو بهذا توجيه؟ ما هي دلالة الهداية؟ ما هي دلالة الإرشاد؟ ما سبب نزول قوله تعالى ((إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ))؟ ما حكم مَن كفر مكرهاً وقلبه مطمئن بالإيمان هل يعاقب؟ هل يجوز الاحتجاج بالقدر على المعصية كمن يترك الصلاة ويقول هذا مكتوب علي يجري نظره بالنساء ويقول هذا مكتوب علي يشرب الخمر ويقول هذا مكتوب علي؟ هل تأثّر النبي صلى الله عليه وسلم حينما خرج على أصحابه رضي الله عنهم وهم يتنازعون في القدر ولماذا؟

لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ. Attachment

الفرق بين هداية التوفيق وهداية البلاغ
لفضيلة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله

الأنبياء والرسل والملائكة والعلماء والأخيار لا يملكون شيئًا من هداية الناس، الهداية بيد الله لا يملكها نبي ولا مالك ولا عالم ولا عابد ولا غيرهم، فـالهداية بيد الله هو الذي يهدي مَن يشاء، يعني هداية التوفيق والرِضَا بالحق وقبوله، هذه بيد الله جل وعلا وهي المرادة بقوله: (إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ) [القصص: 56] وهي المرادة بقوله سبحانه: (لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ) [البقرة: 272] يعني هداية التوفيق، هداية قذف النور في القلب، هداية الرضا بالحق، هذه بيد الله لا يملكها أحد.

أمّا هداية البلاغ والبيان فقد جعلها الله بيد الرُّسُل، هو يَهْدِي، والرُّسُل يهدون بالبلاغ والبيان، قال تعالى: (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ..) [فصلت: 17] يعني بلّغناهم ودلّلناهم ولكن استمرّوا على كفرهم وضلالهم، وقال في حق نبيّه صلى الله عليه وسلم: (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيم) [الشورى: 52] يعني هداية البلاغ والبيان، بيد الرسول وبيد أتباعه وبيد الرُّسُل جميعًا.
--------------------------------------------------------
شرح كتاب التوحيد (18 باب قول الله تعالى: إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء)

المصدر




عدل سابقا من قبل عبير الإسلام في الثلاثاء أغسطس 20, 2019 11:00 pm عدل 2 مرات

عبير الإسلام

عدد المساهمات : 1216
تاريخ التسجيل : 16/04/2015

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ. Empty رد: لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ.

مُساهمة من طرف عبير الإسلام الإثنين أغسطس 19, 2019 4:43 pm




بسم الله الرّحمن الرّحيم

لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ. Attachment


للاستماع:


وَكَذَٰلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا ۚ مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَٰكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَن نَّشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا ۚ وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ/بشرح الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله


لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ. Attachment


قد عرفنا في المشاركة السّابقة الفرق بين هداية الدّلالة التي تعني تبليغ الرسول لدين الله ودعوة النّاس إليه، وتعريفهم به وبأحكامه، سعيًّا -بمشيئة الله- لتحقيق هداية التّوفيق التي هي من خصائص الربّ المعبود سبحانه وتعالى، والّتي تعني: تسديد العبد وتوجيهه إلى الطّريق المستقيم. وشرح الصّدور بالرغبة في اعتناق دين الله القويم، حيث قال الله تعالى:"أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَىٰ نُورٍ مِّن رَّبِّهِ..."

وهاهنا أدلّة تثبت الفرق بين هداية الدّلالة وهداية التّوفيق، وهي أدلّة في آيات وأحاديث، يتبسّط فهم معناها، إذا تدبّرها العبد، وركّز في سياق الجملة التي جاءت للاحتجاج بها، في مواضع توضّح ما يذهب إليه الدّاعي إليها.
فمثلاً الآية التي يقول فيها الله سبحانه وتعالى: (لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ)، تبيّن أنّ هداية التّوفيق والتّسديد من الله سبحانه، وهو الهادي إلى طريق مستقيم.
أمّا الرّسل (عليهم الصّلاة والسّلام) وأتباعهم، يقول الله تعالى فيهم: (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)، وهي آية يخاطب فيها الله سبحانه نبيّه محمّد صلى الله عليه وسلم، ويبيّن أنّ على الرُّسُل البلاغ المبين للحقّ والطّريق المستقيم، وهذا الذي يعني: هداية الدّلالة والبيان، ودعوة النّاس إلى الإسلام وأحكامه السّمحاء.

يقول الإمام الطبري رحمه الله في تفسير الآية:

uot;teal"]وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: وإنّك يا محمد لَتَهْدِي إلى صراط مستقيم، عبادنا, بـالدعاء إلى الله, والبيان لهم.
كما حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة, قوله: (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) قال تبارك وتعالى: (وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ) داع يدعوهم إلى الله عز وجل.

حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: ثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) قال: لكلّ قوم هاد.
حدثنا محمد, قال: ثنا أحمد, قال: ثنا أسباط, عن السديّ: (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) يقول: تدعو إلى دين مستقيم.
يقول جلّ ثناؤه: (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ), وهو الإسلام, طريق الله الذي دعا إليه عباده.].انتهـ.

ويفسّر الآية بأبسط الكلمات الشيخ السعدي رحمه الله، في قوله:

66]وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) أي: تبيّنه لهم وتوضّحه، وتنيره وترغّبهم فيه، وتنهاهم عن ضدّه، وترهّبهم منه، ثم فسّر الصّراط المستقيم فقال: {صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ}.] انتهـ.

والآية الثانية التي يقول الله عزّوجلّ فيها: (وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ)، يفسّرها الشيخ السعدي رحمه الله بقوله:
l"]تبليغكم البيّن الّذي لا يُبْقي لأحدٍ شَكًا ولا شُبْهَة، وقد فعل صلى الله عليه وسلم، بلّغ البلاغ المبين، وإنّما الذي يحاسبكم ويجازيكم هو الله تعالى، فالرّسول ليس له من الأمر شيء، وقد قام بوظيفته.] انتهـ.

وقد ذكر الله سبحانه قبل آية تبليغ الرّسول، تنبيهًا مهمًّا يوضّح سبب الهداية والتّوفيق إلى الطريق المستقيم، هو طاعة الرّسول، في قوله تعالى: (وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا). أي إن تقبلوا دعوته وتذعنوا إليه (تَهْتَدُوا).

قال الشيخ السعدي رحمه الله، مفسّرا للآية:

66]وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا} إلى الصراط المستقيم، قولا وعملا، فلا سبيل لكم إلى الهداية إلاّ بطاعته، وبدون ذلك، لا يمكن، بل هو محال.]انتهـ كلامه رحمه الله

والنّفوس قد جبلها الله سبحانه بقدرة تقبّل الحقّ. قال الله تعالى:"وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا (10)"

قال الإمام البغوي رحمه الله في تفسير الآية:

(فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا) قال ابن عباس في رواية علي بن أبي طلحة : بيّن لها الخير والشرّ . وقال في رواية عطية: علّمها الطاعة والمعصية ، وروى الكلبي عن أبي صالح عنه: عرّفها ما تأتي من الخير وما تتّقي [ من الشرّ ].

وقال سعيد بن جبير: ألزمها فجورها وتقواها . قال ابن زيد : جعل فيها ذلك، يعني بتوفيقه إيّاها للتقوى ، وخذلانه إيّاها للفجور . واختار الزجاج هذا ، وحمل الإلهام على التّوفيق والخذلان، وهذا يبيّن أنّ الله - عزّ وجل - خلق في المؤمن التّقوى وفي الكافر الفجور.] انتهـ كلامه رحمه الله

وهذه الآيات كلّها توضّح الفرق بين هداية الدّلالة والتّبليغ والبيان، التي يقوم بها الرّسل عليهم السّلام وأتباعهم، وبين هداية التّوفيق والهام الرُّشد وشرح الصّدور للإيمان والإسلام، والتي هي من الله سبحانه، وهو أعلم بالمهتدين. وبمَن يستحقّ أن يكون من أهل الصّراط المستقيم. وهو خالقهم ويعلم ما تكنّ صدورهم وما يعلنون.

وقد دلّنا الله سبحانه على سُبُل الهداية وأسبابها، وأهمّها: أن يدعو العبد ربّه ويسأله الهداية والسّداد.
والدّعاء: الصّلة القويّة التي تربط العبد بربّه، يلجأ إليه، في كلّ ما أهمّه. وما يهمّه أكثر من أن يطلب منه أن يلهمه رشده، وأن يعينه على معرفة الحقّ والمنهج القويم الذي به يسلك طريق الجنّة ورضا الله الربّ الرّحيم.

لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ. Attachment

وقد أوصى نبيّنا محمّد صلى الله عليه وسلم عليًّا من العشرة الصّحابة (رضوان الله عليهم أجمعين) المبشّرين بالجنّة، أن يسأل الله الهداية والتّسديد.

روى الإمام مسلم في كتابه الصحيح عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((قُل: اللَّهُمَّ اهْدِنِي وسَدِّدْنِي. واذْكُرْ بالهِدَايَةِ هِدَايَةَ الطَّرِيقِ، وبِالسَّدَادِ سَدَادَ السَّهْمِ)).

وفي رواية قال: ((قُل: اللَّهُمَّ إِنّـِي أسألك الهُدَى والسَّدَاد)).

ولزيادة الفائدة حول فقه الحديث، يمكن الاطّلاع عليه هنا:

لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ. Attachment

شرح دعاء: اللَّهُمَّ اهْدِنِي وسَدِّدْنِي

و في آخر (بحثي) هذا، والحمدلله ربّ العالمين، وليس هو الكلام الأخير، إن شاء الله، في نقل درر العلماء حول: مسألة الهداية، والفرق بين هداية الدّلالة وهداية التّوفيق. أنقل لكم كلام جميل لفضيلة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله حول: الهداية.

لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ. Attachment

قال الإمام عبد العزيز بن باز رحمه الله:

" ...وهكذا طلب الهداية، تطلب من ربّك الهداية، فأنت في حاجة إلى الهداية ولو كنت أتقى الناس ولو كنت أعلم الناس، أنت في حاجة إلى الهداية حتى تموت.
ولهذا علّمنا سبحانه في الفاتحة أن نقول في كل ركعة: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ}، في اليوم والليلة سبع عشرة مرة في الفريضة غير النافلة: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ، صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ}
وكان النبي وهو أعلم الناس وأكمل الناس هداية عليه الصلاة والسلام ومع هذا يقول في استفتاحه في الصلاة :
(اللهُمَّ رَبَّ جِبْرِيلَ وَمِيكائِيلَ وَإسْرَافِيلَ، فَاطِرَ السَّماوَاتِ وَالأرْض، عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَة، أَنْتَ تَحْكُمْ بَيْنَ عِبَادِكَ فِيما كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ. اهْدِنِي لِمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإذْنِكَ، إنّكَ تَهْدِى مَنْ تَشَاءُ إلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيم)
يطلب من ربّه الهداية وهو سيّد ولد آدم قد هداه الله وأعطاه كل خير، ومع هذا يطلب من ربّه الهداية.

فإنّنا كلّنا في حاجة إلى الهداية، العالم والمتعلّم والعامّة والخاصّة والرجال والنّساء. كلّنا في حاجة إلى الهداية " اهـ.

[مجموع الفتاوى والمقالات:7/158]
-----------------------------------

تعليق وجمع وترتيب: أم وحيد بهية صابرين (هداني الله وسدّدني إلى طريق مستقيم)


عبير الإسلام

عدد المساهمات : 1216
تاريخ التسجيل : 16/04/2015

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ. Empty رد: لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ.

مُساهمة من طرف عبير الإسلام الثلاثاء أغسطس 20, 2019 11:12 pm




لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ. Attachment


لَيْسَ كلّ مَنْ دُلَّ على الصّراط، اهْتَدَى".

هكذا قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله، في كلام مبسّط، جوابًا عن سؤالٍ طُرِحَ عليه:
ما هو الجمع بين قوله تعالى: "إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ"، وقوله تعالى: "وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ

حيث ميّز الشيخ رحمه الله بين هداية الدّلالة والبيان، في قوله تعالى: "وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ"، وبين هداية التّوفيق والإرشاد، في قوله تعالى: "إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ" والذي يليه قوله تعالى:"وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ". إذ أنّ كلام الله هذا، يؤكّد أنّ هداية التّسديد والتوفيق إلى الطريق المستقيم، هداية بيده سبحانه، لاقدرة للبشر عليها، وإن كان أفضلهم مكانةً عند الله، وهو نبيّنا محمّد صلى الله عليه وسلم.

ويلخّص الشيخ العثيمين الجواب عن ذلك السؤال بقوله:

"إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ"، وفي الآية التي ذكرها المؤلف يقول: "وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ".
قال أهل العلم: الجمعُ بينهما أنّ الآية التي فيها إثباتُ الهداية، يُرَادُ بها هداية الدّلالة، يعني أنّك تدلّ الخلق، و"لَيْسَ كلّ مَنْ دُلَّ على الصّراط، اهْتَدَى".
وأمّا الهداية التي نفاها الله عن رسوله صلى الله عليه وسلم، قال:"إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ"، فهي هداية التّوفيق. لاأحد يستطيع أن يوفّق أحدًا للحقّ ولو كان أباه أوابنه، أو أخاه، أو عمّه أو خاله، أو أمّه أو جدّته. أبدًا. "مَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ". ولكن علينا أن ندعو عباد الله إلى دين الله، وأن نرغّبهم فيه، وأن نبيّنه لهم، ثمّ إِنِ اهْتَدَوْا، فَلَنَا ولهم، وإن لم يهتدوا، فَلَنَا وعليهم.] انتهـ كلامه رحمه الله.(تفريغ الصوتية)

للاستماع:

لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ. Attachment

ماهو الجمع بين قول الله: "إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ" وقوله: "وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ"


لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ. Attachment


قال الله تعالى: ﴿وَ إنْ تُطيعُوهُ تَهْتَدُوا﴾، قد اقتطفتُ مقطعًا نفيسًا من:

(محــاضــرة ألقاها فضيلة الشيخ  العلاّمة ربيع بن هادي عمير  المدخلي - وفقه الله لكل خير وأطال عمره على طاعته -
دفاعاً عن رسولِ الله - صلَّى الله عليه وآله وسلَّم- وأصحابِه الكرام -رضوان الله عليهم-) هذا الكلام منقول)

والمقطع الذي اقتطفته هو في بداية المحاضرة، يقول فيه الشيخ ربيع حفظه الله:

للِّقاء ما سمعتموه من الأخ المُقَدِّم ﴿وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا﴾  الضمير يعود إلى الرَّسول الكريم عليه الصَّلاَة والسَّلاَم، فطاعة الرَّسول عليه الصَّلاة والسَّلام فيها الهداية الكاملة، لأنَّه عليه الصَّلاة والسَّلام جاء بالهدى والنُّور، وأرسله الله تبارك وتعالى ليُظهِرَه على الدِّين كلِّه ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾  [التوبة: 33]؛  فجاء بالهُدى وجاء بدين الحق، فكيف لا يهتدي مَن يطيعه ويتّبعه عليه الصَّلاة وَالسَّلام! والله يشهد لهذا الرَّسول بأنَّه يهدي إلى صراط مستقيم ﴿وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُوراً نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾ [الشورى: 52]؟!  وكان في خُطَبِه عليه الصَّلاة وَالسَّلام يقول: «أَمَّا بَعد؛ فَإِنَّ خَيْرَ الحَدِيثِ كَلاَمُ الله، وَخَيْرَ الهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم »( 1) .

لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ. Attachment

واللهُ وَصَفَ كتابَه الذي أنزله على محمد صلى الله عليه وسلم بأنَّه هُدًى للمتقين كما في أول سورة البقرة وفي غيرها،و في سورة لقمان بأنَّه هدى للمحسنين، وفي غيرها أنه هدى للمؤمنين، وقال عز وجل في سورة البقرة: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ﴾ [البقرة:185].  فهو أفضل الرُّسل وأكمَلُهُم، وبه خُتِمَت الرِّسَالات وعنده أَكْمَلُ هِدَاية، كتاب الله وما أوحاه إليه من السُنَّة المُطَهَّرة التي هي تفصيلٌ وبيانٌ وشرحٌ لهذا القرآن العظيم .

منها بيانه( 2)

لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ. Attachment

لقوله عز وجل: ﴿وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنتُمْ بِاللّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾  [الأنفال: 41] ، قال الله تعالى: ﴿وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [النحل: 44]

فصلواتُ الله وسلامُه عليه، لقد أكرمه الله وأنزله أعظَمَ منزلة لمخلوق مِنْ خَلْقِه -صَلَوَاتُ الله وَسَلاَمُه عَلَيْه- . فعلينا أن نتّبعه، وعلينا أن نُطيعه لنَهتَدِيَ -إن شاء الله- الهداية الكاملة التي نسألها ربَّنَا  عزّوجل في كلِّ ركعة من ركعاتِنَا الفريضة والنافلة  ﴿اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ﴾  [الفاتحة: 6]، ونسأله عزّوجلّ أن يهدينا الصِّرَاط المستقيم في عقائدنا وفي عباداتنا وفي سائر شؤون حياتنا.
وأعظم وسيلة إلى هذه الهداية هي طاعة الرَّسول الكريم ـ عَلَيْهِ الصَّلاَة وَالسَّلاَم ـ واتِّبَاعه، فمَن يريد الهداية والاهتداء بهذا النُّور، فعليه أَنْ يُوَطِّنَ نَفْسَهُ على الالتزام الكامل بطاعة هذا الرَّسُول الكَرِيم -عَلَيْهِ الصَّلاَة وَالسَّلاَم- وتَرَسُّمِ خُطَاه، واحتِرام أقوالِه وأفعالِه وتقريراتِه وأخبارِه الصادقة. فيُؤمن بهذه الأخبار، ويطيعُ هذه الأَوامر، ويجتنب النَّواهي، ويؤمن بالوعد والوعيد وبالجنَّة والنَّار، تصديقًا لهذا الرَّسول وطاعةً واتِّباعًا له -عَلَيْهِ الصَّلاَة وَالسَّلاَم- .

وهذه الآية التي اختير منها العنوان تبدأ بقول الله تبارك وتعالى: ﴿قُلْ أَطِيعُوا اللَه وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّوا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُم مَّا حُمِّلْتُمْ وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ﴾  [النور: 54] صَلَوَاتُ الله وَسَلاَمُهُ عَلَيْه، ﴿قُلْ أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ﴾.   طاعة الرَّسُول صلى الله عليه وسلم طاعة لله عزّوجلّ، كما قال في آية أخرى: ﴿مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً﴾ [النساء: 80]، ومَن يَعْصِ الرَّسُول صلى الله عليه وسلم فقد عصى الله عزّوجلّ، كما جاء  في أحاديث()

لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ. Attachment

فعلينا بطاعة الرَّسول الكريم -عَلَيْهِ الصَّلاَة وَالسَّلاَم- وذلك أخذٌ منَّا بـأعظم أسباب الهداية، ويدخل في هذه الطَّاعة التزام العقائد التي جاء بها في رسالتِه، تضمَّنَها القرآن وتضمَّنَتها السُنَّة، وتصديق الأخبار كلِّها ما يتعلَّق بالماضي والحاضر وما يأتي في المستقبل. ما يتعلَّق بالماضي من قَصَصِ الأنبياء عَلَيْهِمُ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَم من آدم -عليه الصلاة والسلام- مُرُورًا بنوح وغيره من الأنبياء هود وصالح وإبراهيم وإسحاق و موسى وغيرهم-صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين- ،كلُّها فيها عظات، وفيها عِبَر وفيها تربية، بل وفيها عقائد، إذ عَرَضَ الله علينا عقائدَهم ودعواتِهم عَلَيْهِمُ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَم.
وأخباره التي تُحَدِّثُنَا عن المستقبل سواء في القرآن أو في السُنَّة نؤمن بها، وأوامرُه: نطيعُه فيها في السَرَّاء وفي الضَرَّاء وفي المنشط وفي المكره. وليس واللهِ لنا أيُّ خيار في أن نأخذ أو نترك. قال تعالى:  ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُّبِيناً﴾[الأحزاب : 36] فلسنا مختارين، علينا أن نطيع هذا الرَّسُولَ الكريم عَلَيْهِ الصَّلاَة وَالسَّلاَم .

طاعته فَرْضٌ حَتمٌ من الله تبارك وتعالى الّذي خلقنا لعبادته، وأكرمنا عزّوجلّ بإرسال الرُّسل، وإنزال الكتب. ومن أكمل هذه الكتب الكتاب الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم وهو أَكملُ الرُّسُل. فليس لنا أيّ عذر في التَخَلُّف عن طاعته، وليس واللهِ أمامنا أيُّ خِيَار واختيار غير طاعته اختيار للشَّقاء، واختيار للضَّلاَل، واختيار للمصير إلى النَّار.

وإيثار طاعته، والاستسلام لأوامره ونواهيه، والانقياد لتوجيهاته هي طريق الهداية إلى كلِّ خير وتخليصنا من كلِّ شر.] انتهـ المقصود من النقل.




عبير الإسلام

عدد المساهمات : 1216
تاريخ التسجيل : 16/04/2015

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ. Empty رد: لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ.

مُساهمة من طرف عبير الإسلام الثلاثاء أغسطس 20, 2019 11:15 pm


عبير الإسلام

عدد المساهمات : 1216
تاريخ التسجيل : 16/04/2015

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ. Empty رد: لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ.

مُساهمة من طرف عبير الإسلام الثلاثاء أغسطس 20, 2019 11:21 pm




لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ. Coo_ao10

لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ. Attachment

تفسير قوله تعالى: "إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ"/ للشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله


لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ. Attachment


سبب نزول قوله تعالى: (إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ)

https://www.alfawzan.af.org.sa/ar/node/5177

تفسيرقوله تعالى: "إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ"

لفضيلة الشيخ صالح الفوزان حفظه الله

https://www.yacoline.com/video/177987/

وللاستماع أيضا:

لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ. Attachment

تفسير قوله تعالى إنّك لا تهدي مَن أحببت - العلامة صالح الفوزان حفظه الله


لاإله إلاّ أنتَ -يا ربّ- آمنتُ أنّه لايهدي -لأحسن الأخلاق والأعمال- إلاّ أنتَ.






عبير الإسلام

عدد المساهمات : 1216
تاريخ التسجيل : 16/04/2015

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ. Empty رد: لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ.

مُساهمة من طرف عبير الإسلام الأربعاء أغسطس 21, 2019 3:27 pm




لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ. Attachment

من هنا تستمع إلى الشيخ د. خالد بن ضحوي حفظه الله يشرح: الفرق بين هداية الإرشاد وهداية التّوفيق

*****
هداية الدّلالة وهداية التّوفيق/ نستمع هنا إلى الشيخ محمد بن غالب العمري حفظه الله

https://www.baynoona.net/ar/audio/3161

ولعلّكم إخواني، أخواتي في الله، لاحظتم في استماعكم إلى المقاطع الصوتيّة، اشتراك كلّ من الشيخ محمد بن غالب العمري والشيخ خالد بن ضحوي الظّفيري حفظهما الله، في ذكر هداية الدّلالة والبيان، على أنّها هي هداية الإرشاد، بينما عند الاستماع للشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله، في أوائل المشاركات في الموضوع، أنّه يذكر لفظ "الإرشاد" في معنى هداية التّوفيق، حيث يجمع في التّعبير عن هداية الله لعبده بين التّوفيق والإرشاد.


لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ. Attachment

http://alandals.net/Node.php?fid=346&id=15646

فما الفرق بين وصف الشيخين محمد بن غالب العمري وخالد الظفيري لهداية الدّلالة على أنّها هداية الإرشاد، وبين وصف الشيخ العثيمين لهداية التّوفيق على أنّها هداية الإرشاد؟.

في الحقيقة أنّه ليس هناك اختلاف في الوصف والمعنى اللّغوي.

فالإرشاد سواء قُصِدَ به: الدّلالة والبيان والتّوجيه، والذي يتمكّن منه العباد، رُسُلاً كانوا، أو دعاة إلى الله، أو قُصِدَ بِه توجيه الله لعباده وتسديدهم، والهامهم الرُّشد.

فالمعنى اللّغوي لايختلف في لفظ:"الإرشاد" بين الهدايتين، هداية الدّلالة والإرشاد، وهداية التّوفيق والإرشاد.

بينما من النّاحية الشّرعيّة والإيمانيّة، هناك فرق في معنى الإرشاد الذي يقوم به العباد، رُسُلاً كانوا أو أتباعهم الّذين يدعون النّاس إلى الله. وبين الإرشاد الذي يلهم به الله عبده بالتّسديد والتّوفيق إلى الطّريق المستقيم.

والقواميس اللّغويّة تقول:

في المعجم: الغني:

أَرْشَدَ :- يُلْقِي دُرُوسَ الإِرْشَادِ :-: الوَعْظِ ، التَّوْجِيهِ ، الهِدَايَةِ .

وفي المعجم: الرائد:

أرشده : هداه ، دلّه « أرشده إلى الأمر أو عليه أو له »

وفي المعجم:اللغة العربية المعاصر، فرّق بين إرشاد الدّلالة والبيان وإرشاد التّوفيق والالهام بقوله:

أرشد فلانًا إلى الشَّيء / أرشد فلانًا على الشَّيء / أرشد فلانًا لـلشَّيء : هداه ودلّه إليه :- أرشد سائحًا.

أرشده الله، - أرشده إلى الصواب، - أرشده على الحق، - أرشده للخير، - .


ويقول المعجم: لسان العرب، وأظنّه (والله أعلم) حسب المتخصّصين في اللغة، أنّه أغنى وأجود معجم في تفسير الكلمات وإيضاح معانيها.

يقول المعجم في أوّل شرح لمعنى: رشد
"في أَسماء الله تعالى الرشيدُ : هو الذي أَرْشَد الخلق إِلى مصالحهم أَي هداهم ودلّهم عليها، فَعِيل بمعنى مُفْعل، وقيل : هو الذي تنساق تدبيراته إِلى غاياتها على سبيل السداد من غير إِشارة مشير ولا تَسْديد مُسَدِّد"انتهـ الكلام المطلوب.

قلتُ: يوضّح معنى الرشيد، وهو ينسب الاسم إلى الله، أي أنّه من أسماء الله، وقد ذكره الشيخ السعدي رحمه الله في تفسير أسماء الله الحسنى، وذكره العلامة حافظ الحكمي رحمه الله في شرح الأسماء الحسنى في كتاب معارج القبول.

والذي أثار انتباهي في تفسير المعجم: لسان العرب، قوله: "هو الذي تنساق تدبيراته إِلى غاياتها على سبيل السداد من غير إِشارة مشير ولا تَسْديد مُسَدِّد".انتهـ.

وهذا المعنى الذي يميّز بين هداية الإرشاد التي يقوم بها الرُّسُل والأنبياء في دلالتهم للنّاس على الطريق المستقيم، حيث أنّ توجيههم للنّاس إلى الطّريق الحقّ، يحتاج إلى تسديد مسدّد وهو الله سبحانه وتعالى. ولهذا قال الله تعالى:"ما على الرّسول إلاّ البلاغ المبين".
فـإرشاد الرسل للنّاس وتوجيههم، يكون بالبلاغ والبيان. أمّا الهداية بشرح صدورهم للإسلام والإيمان، فهو من تسديد الله سبحانه لعباده، وهو أعلم بالمهتدين.

وإرشاد النّاس من الرسل وأتباعهم، هو من قَبِيل البيان والدّلالة، وليس عليهم هداهم وإلهامهم الرشد. بينما إرشاد الله لعباده أن يهديهم للإيمان والتقوى والصّلاح.

لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ. Attachment

قال الله تعالى: (وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِن قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ) [الأنبياء/51]،

قال الإمام ابن كثير رحمه الله مفسّرا الآية:

وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِن قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ (51)

يخبر تعالى عن خليله إبراهيم عليه السلام، أنّه آتاه رشده من قبل، أي: من صغره ألهمه الحق والحجة على قومه، كما قال تعالى: (وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ) [ الأنعام : 83 ] ،......
والمقصود هاهنا : أن الله تعالى أخبر أنه قد آتى إبراهيم رشده، من قبل، أي : من قبل ذلك، وقوله : (وكنّا به عالمين) أي : وكان أهلا لذلك .] انتهـ المقصود من كلامه.

ويفسّر الآية الإمام الطبري رحمه الله بما يلي:

(وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ) موسى وهارون، ووفَقناه للحقّ، وأنقذناه من بين قومه وأهل بيته من عبادة الأوثان، كما فعلنا ذلك بمحمد صلى الله عليه وسلم، وعلى إبراهيم، فأنقذناه من قومه وعشيرته من عبادة الأوثان، وهديناه إلى سبيل الرشاد توفيقا منّا له.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى " ح " وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ) قال: هديناه صغيرا.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مجاهد (وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ) قال: هداه صغيرا.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ) قال: هداه صغيرا.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة، قوله (وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ) يقول: آتينا هداه.
وقوله (وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ) يقول: وكنا عالمين به أنّه ذو يقين وإيمان بالله وتوحيد له، لا يشرك به شيئا]انتهـ كلامه.

لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ. Attachment


والآية الثانية التي تدلّ على أنّ الهام الرشد وفعل الإرشاد الذي يقوم به العباد من رُسل وصالحين هو لايخرج عن كونه يتمّ كماله بتسديد الله لعباده المُرْشِدِين ومَن وجّهوا إليهم الإرشاد. قال الله تعالى: (قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا) [الكهف/66]

قال الشيخ السعدي رحمه الله مفسّرا الآية:

على أن تعلّمني ممّا علّمك الله، ما به أسترشد وأهتدي، وأعرف به الحق في تلك القضايا؟
وكان الخضر، قد أعطاه الله من الإلهام والكرامة، ما به يحصل له الاطّلاع على بواطن كثير من الأشياء التي خفيت، حتى على موسى عليه السلام] انتهـ كلام كلام الشيخ رحمه الله.

ومن هذا الكلام نجد أنّ المُرْشِد، يحتاج إلى إرشاد الله له، وتوفيق في مهمّة الإرشاد.

وعلى هذا فـهداية الدّلالة والإرشاد من الرُّسُل وأتباعهم، تحتاج إلى هداية التّوفيق والتّسديد من الله لإنجاح مهمّة هؤلاء الدّعاة إلى الله. حتّى يتمكّنوا من إقناع النّاس بالرّسالة التي يبلّعونهم إيّاها.

لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ. Attachment

وأجمل ما أختم به هذا الجزء من بحثي المتواضع، (أسأل الله فيه السّداد)، ما جاء به الشيخ السعدي من تفسير للآية:

قال الله تعالى وهو يحكي عن نبيّه شعيب عليه السّلام:

(قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا ۚ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَىٰ مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ ۚ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ ۚ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ ۚ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ(88))

يقول الشيخ السعدي مفسّرا لهذه الآية الهظيمة، الدّالة على تربية رفيعة، وأخلاق سامية، ألهم بها الله سبحانه، رسله، في منهج دعوتهم لأقوامهم:

{قَالَ ْ} لهم شعيب: {يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي ْ} أي: يقين وطمأنينة، في صحة ما جئت به، {وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا ْ} أي: أعطاني الله من أصناف المال ما أعطاني.
{وَ ْ} أنا لا {أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ ْ} فلست أريد أن أنهاكم عن البخس، في المكيال، والميزان، وأفعله أنا، وحتى تتطرق إليَّ التهمة في ذلك. بل ما أنهاكم عن أمر إلا وأنا أول مبتدر لتركه.

{إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ ْ} أي: ليس لي من المقاصد إلا أن تصلح أحوالكم، وتستقيم منافعكم، وليس لي من المقاصد الخاصة لي وحدي، شيء بحسب استطاعتي.
ولمّا كان هذا فيه نوع تزكية للنفس، دفع هذا بقوله: {وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ ْ} أي: وما يحصل لي من التوفيق لفعل الخير، والانفكاك عن الشرّ إلاّ بالله تعالى، لا بحولي ولا بقوّتي.
{عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ ْ} أي: اعتمدت في أموري، ووثقت في كفايته، {وَإِلَيْهِ أُنِيبُ ْ} في أداء ما أمرني به من أنواع العبادات، وفي [هذا] التّقرّب إليه بسائر أفعال الخيرات.
وبهذين الأمرين تستقيم أحوال العبد، وهما الاستعانة بربّه، والإنابة إليه، كما قال تعالى: {فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ْ} وقال: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ْ} ]انتهـ.كلامه رحمه الله.

اللّهمّ اهدنا وسدّدنا.




عدل سابقا من قبل عبير الإسلام في الخميس أغسطس 22, 2019 5:05 pm عدل 2 مرات

عبير الإسلام

عدد المساهمات : 1216
تاريخ التسجيل : 16/04/2015

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ. Empty رد: لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ.

مُساهمة من طرف عبير الإسلام الخميس أغسطس 22, 2019 4:59 pm



لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ. Attachment

هداية التّوفيق والإلهام وهداية الدّلالة والإرشاد

قال الشيخ صالح آل الشيخ وفقه الله: موجود النصّ في: (11:02 دقيقة من كلام الشيخ حفظه الله)

باب قوله تعالى:"إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ".

مناسبة هذا الباب بكتاب التّوحيد، أنّ الهداية من أعزّ المطالب وأعظم ما تعلّق به الّذين تعلّقوا بغير الله أن يكونَ لهم النّفع في الاستشفاع وفي التّوجّه في الدّنيا والأخرى.
والنبي عليه الصلاة والسلام وهو سيد ولد آدم وهو أفضل الخلق عند ربّه جلّ وعلا نُفِيَ عنه أن يملك الهداية. وهي نوع من أنواع المنافع. فدلّ على أنّه عليه الصّلاة والسلام ليس له من الأمر شيء، كما جاء فيما سبق في باب قول الله تعالى: "أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ"، في سبب نزول قول الله تعالى: "لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ"، فإذا كان النبي عليه الصلاة والسلام ليس له من الأمر شيء، ولايستطيع أن ينفع قرابته.
"يا فاطمة بنت محمد سليني من مالي ما شئتِ، لاأغني عنكِ من الله شيئا". إذا كان هذا في المصطفى صلى الله عليه وسلم وأنّه لايغني من الله جلّ وعلا عن أحبابه شيئا وعن أقاربه شيئا، وأنّه لايملك شيئا من الأمر وأنّه ليس بيده هداية التّوفيق، فإنّه، أن ينتفي ذلك، وما دونه عن غير النبي صلى الله عليه وسلم من باب أولى. فـبطل إذن كلّ تعلّق للمشركين من هذه الأمّة، بغير الله جلّ وعلا. لأنّ كلّ مَن تعلّقوا به هو دون النبي عليه الصلاة والسلام بالإجماع. فإذا كانت هذه حالة في النبي عليه الصلاة والسلام وما نُفِيَ عنه، فإنّ نفي ذلك عن غيره صلى الله عليه وسلم من باب أولى. قال هنا باب قول الله تعالى: "إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ"
{لا} هنا: نافية، وقوله {تَهْدِي}: الهداية المنفية هنا هي هداية التّوفيق والإلهام الخاصّ والإعانة الخاصّة، وهي التي يسمّيها العلماء هداية التّوفيق والإلهام، ومعناها: أنّ الله جلّ وعلا يجعل في قلب العبد من الإعانة الخاصّة على قبول الهُدى ما لا يجعله لغيره. فالتّوفيق إعانة خاصّة لمَن أراد اللهُ توفيقه بحيث يقبل الهُدى ويسعى فيه. فجعل هذا في القلوب ليس إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، إذ القلوب بيدِ الله يقلبها كيف يشاء، حتّى من أحبّ الناس إليه -صلى الله عليه وسلم- لا يستطيع عليه الصلاة والسلام أن يجعله مسلماً مهتدياً.
فمن أنفع قرابته له: أبوطالب، ومع ذلك لم يستطع أن يهديه هداية توفيق. فالمنفي هنا هو هداية التّوفيق.

والنوع الثاني من الهداية المتعلّقة بالمُكَلَّف هي هداية الدّلالة والإرشاد، وهذه ثابتة للنّبي -صلى الله عليه وسلم- بخصوصه، ولكلّ دَاعٍ إلى الله ولكلّ نبيّ ورسول. قال جلّ وعلا: {إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ ۖ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ}، وقال جلّ وعلا في نبيّه عليه الصلاة والسلام: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (52) صِرَاطِ اللَّهِ...} ومعنى {لَتَهْدِي} أي: لتدلّ وترشد إلى صراط مستقيم بأبلغ أنواع الدّلالة وأبلغ أنواع الإرشاد.
الدّلالة والإرشاد المُؤيَّدان بــالمعجزات والبراهين والآيات، الدّالة على صدق ذلك الهَادِي وصدق ذلك المُرْشِد.
فإذن الهداية المنتفية هي هداية التّوفيق، وهذا يعني، أنّ النفع وطلب النّفع في هذه المطالب المهمّة يجب أن يكون من الله جلّ وعلا وأنّ محمّدًا عليه الصلاة والسلام مع عِظَم شأنه عند ربّه وعِظَمِ مقامه عند ربّه وأنّه سيد ولد آدم وأنّه أفضل الخلق عليه الصلاة والسلام وأشرف الأنبياء والمرسلين، إلاّ أنّه لايملك من الأمر شيئا (عليه الصّلاة والسلام. فـبطل إذن تعلّق القلوب، في المطالب المهمّة، في الهداية وفي المغفرة وفي الرضوان، وفي بُعْدِ الشّرور، وفي جلب الخيرات إلاّ في الله جلّ وعلا. فإنّه هو الذي تتعلّق القلوب به جلّ وعلا خضوعًا وإنابةً ورغبًا ورهبًا وإقبالاً عليه وإعراضًا عمّا سواه." انتهـ.

للاستماع: من الدّقيقة 11:02

https://ia803006.us.archive.org/32/items/samir9206-02/018_.mp3





عبير الإسلام

عدد المساهمات : 1216
تاريخ التسجيل : 16/04/2015

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ. Empty رد: لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ.

مُساهمة من طرف عبير الإسلام الخميس أغسطس 29, 2019 4:52 pm




لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ. Attachment

بسم الله الرّحمن الرّحيم

لقد ذكرنا فيما سبق، الفرق بين هداية الإرشاد، التّي يمنحها الله للدّعاة إليه، من العباد، (رسلاً كانوا أو أتباعهم) الّتي فيها البيان والتّوجيه والدّعوة إليه. وبين هداية الإرشاد التي هي من خصائص ربّ العباد. والتي بها، يُلهم الله سبحانه، عبده الرُّشد في معرفة الحقّ والصّواب والطّريق المستقيم.

والهداية نعمة من الله لايقدّرها إلاّ مَن تدبّر و فقه معنى الآية:"اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ"، دعاء يحمل كلّ معاني الخير والحقّ والفلاح. دعاءٌ يسبقه إقرارٌ من العبد لربّه: "إيّاكَ نعبد وإيّاك نستعين"، على أنّه هو الإله الحقّ الّذي يعبده بما شرع سبحانه، من أحكامٍ، تسيّر حياته ، فيها الهُدَى والاستقرار النفسي والفلاح في الدّنيا والآخرة. وعليها، يسأل الله أن يعينه، ويذلّل له العقبات، لنيل المطالب والملذّات وأبلغها: لذّة النّظر إلى ربّ البريّات، والخلود في أعالي الجنّات.

قال الله تعالى مبيّنًا الغاية من خلق الإنسان في هذه الحياة الدنيا:"وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ۖ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ ۚ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (36)".

ومن هذه الآية، نستخرج هداية التّوفيق والسّداد والإرشاد التي هي القاعدة الأساسيّة، التي تقوم عليها هداية الدّلالة والبيان والإرشاد. إذ أنّ بعثة الرسل والأنبياء (عليهم الصّلاة والسّلام)، لإبلاغ رسالة الله، ما هي إلاّ سَبِيلٌ، يعين العبد على بلوغ الغاية من الخلق. وبهذا التّبليغ والدّعوة إلى الله، تُقام الحجّة على النّاس، أن جاءهم النّذير، فمنهم (مَن يؤمن)، بعلم الله،أنّه، سينشرح صدره لدين الله، قال تعالى: "فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللَّهُ"، ومنهم (مَن يكفر)، بعلم الله، أنّه، ليس أهلاً للهداية، حيث قال الله تعالى:"وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ"، وقد أظهر الله سبحانه، البرهان على مَن يستحقّ الهداية ومَن يستحقّ الضّلالة، حيث قال سبحانه:"فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ".

قال الشيخ السعدي رحمه الله مفسّرًا الآية: "وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ۖ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ ۚ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (36)"

(يخبر تعالى أنّ حُجَّتَه قامت على جميع الأمم، وأنّه ما من أمّة متقدّمة أو متأخرّة إلاّ وبعث الله فيها رسولا، وكلّهم متّفقون على دعوة واحدة ودين واحد،، وهو عبادة الله وحده لا شريك له { أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ْ} فانقسمت الأمم بحسب استجابتها لدعوة الرسل وعدمها قسمين، { فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ ْ} فاتّبعوا المرسلين علمًا وعملاً، { وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ ْ} فاتّبع سبيل الغيّ.
{ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ ْ} بأبدانكم وقلوبكم { فَانْظُروا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ْ} فإنكم سترون من ذلك العجائب، فلا تجدون مكذبا إلا كان عاقبته الهلاك.) انتهـ.

ومن التّفسير العجيب للإمام ابن كثير، للآية متسائلاً تساؤل استغراب كاره لما يتناقض به أهل الضّلال والمشركون، قائلاً رحمه الله:
(فكيف يسوغ لأحد من المشركين بعد هذا أن يقول : (لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ). فمشيئته تعالى الشرعية منتفية، لأنّه نهاهم عن ذلك على ألسنة رسله ، وأمّا مشيئته الكونية - وهي تمكينهم من ذلك قدرًا - فلا حجّة لهم فيها، لأنّه، تعالى، خلق النار وأهلها من الشياطين والكفرة، وهو لا يرضى لعباده الكفر، وله في ذلك حجّة بالغة وحكمة قاطعة.
ثم إنّه، تعالى، قد أخبر أنّه عير عليهم ، وأنكر عليهم بالعقوبة في الدنيا بعد إنذار الرُّسُل، فلهذا قال: (فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ ۚ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ) أي : اسألوا عمّا كان من أمر مَن خالف الرُّسُل وكذّب الحق، كيف (دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ۖ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا) [ محمد : 10 ] (وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ) [ الملك : 18 ].) انتهـ.

وقد أكّد الله سبحانه أنّ هداية التّوفيق للحقّ، هي من خصائصه سبحانه، وبيده، حين رأى من نبيّه محمد صلى الله عليه وسلم، حرصًا على هداية النّاس إلى الطّريق المستقيم، حيث قال الله تعالى لنبيّه محمد صلى الله عليه وسلم: "إِن تَحْرِصْ عَلَىٰ هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَن يُضِلُّ ...".
قال الإمام ابن كثير رحمه الله مفسّرا الآية:
(ثم أخبر الله تعالى رسوله - صلى الله عليه وسلم -  أنّ حرصه على هدايتهم لا ينفعهم ، إذا كان الله قد أراد إضلالهم ، كما قال تعالى: ( وَمَن يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا ) [ المائدة : 41 ] وقال نوح لقومه: (وَلَا يَنفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدتُّ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ إِن كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَن يُغْوِيَكُمْ) [ هود : 34 ] وقال في هذه الآية الكريمة: ( إِن تَحْرِصْ عَلَىٰ هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَن يُضِلُّ ) كما قال تعالى : (مَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ ۚ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ) [ الأعراف : 186 ] وقال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ (96) وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّىٰ يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ (97)) [ يونس : 96 ، 97 ] .
فقوله: (فَإِنَّ اللَّهَ) أي : شأنه وأمره أنّه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن. فلهذا قال: (لَا يَهْدِي مَن يُضِلُّ) أي : مَن أضلّه فمَن الّذي يهديه من بعد الله؟ أي : لا أحد ( وما لهم من ناصرين ) أي : ينقذونهم من عذابه ووثاقه ، (أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) [ الأعراف : 54 ] .) انتهـ.

وقد اختزل الإمام الطبري التّفسير، بأبسط الكلمات المؤدية إلى المقصود من التّفسير، بقوله رحمه الله:

(فتأويل الكلام لو كان الأمر على ما وصفنا: إن تحرص يا محمد على هداهم، فإنّ مَن أضلّه الله فلا هادي له، فلا تجهد نفسك في أمره، وبلغه ما أرسلت به لتتمّ عليه الحجّة. )انتهـ النقل المقصود.

وبهذا نجد أنّ هداية الدّلالة والبيان والدّعوة إلى الله، وظيفة الرُّسُل (عليهم الصلاة والسّلام) وأتباعهم، ليس لهم فيها من أمر هداية التّوفيق للحقّ وقبوله، شيئًا.

قال الله تعالى:"تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (3)"

قال الإمام ابن كثير رحمه الله:
(تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ) أي : هذه آيات القرآن المبين، أي : البيّن الواضح ، الّذي يفصل بين الحق والباطل، والغيّ والرّشاد.]
وقوله: (لَعَلَّكَ بَاخِعٌ) أي : مهلك (نَّفْسَكَ) أي : ممّا تحرص [ عليهم ] وتحزن عليهم (أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) ، وهذه تسلية من الله لرسوله، صلوات الله وسلامه عليه ، في عدم إيمان مَن لم يؤمن به من الكفار، كما قال تعالى: (فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ) [ فاطر : 8 ] ، وقال: (فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا) [ الكهف : 6 ] .
قال مجاهد ، وعكرمة ، والحسن ، وقتادة ، وعطية ، والضحاك : (لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ) أي : قاتل نفسك . قال الشاعر:
ألا أيهذا الباخع الحزن نفسه لشيء نحته عن يديه المقادر.] انتهـ.

وقال الشيخ السعدي رحمه الله مفسّرا للآيتين: "تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (3))
(يشير الباري تعالى إشارة, تدل على التعظيم لآيات الكتاب المبين البيّن الواضح البيّن الواضح, الدال على جميع المطالب الإلهية, والمقاصد الشرعية, بحيث لا يبقى عند الناظر فيه, شك ولا شبهة فيما أخبر به, أو حكم به, لوضوحه, ودلالته على أشرف المعاني, وارتباط الأحكام بحكمها, وتعليقها بمناسبها، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينذر به الناس, ويهدي به الصراط المستقيم، فيهتدي بذلك عباد الله المتّقون, ويعرض عنه من كتب عليه الشقاء، فكان يحزن حزنا شديدا, على عدم إيمانهم, حرصا منه على الخير, ونصحا لهم.

فلهذا قال تعالى عنه: (لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ) أي: مهلكها وشاق عليها، (أَلا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) أي: فلا تفعل, ولا تذهب نفسك عليهم حسرات, فإنّ الهداية بيد الله, وقد أدّيت ما عليك من التّبليغ، وليس فوق هذا القرآن المبين ، آية, حتّى ننزلها, ليؤمنوا [بها], فإنّه كافٍ شافٍ, لِمَن يريد الهداية.) انتهـ.

وأجمل ما أريد نقله إليكم من الكلام في: الهداية وأنواعها، ما كتبه فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله، وقد نقلته من أحد المواقع، من فرط إعجابي بمحتوى الكلام، المبسّط والشّارح للمسألة، بأسهل أسلوب و(إن شاء الله) أقربه إلى فهم الغاية التي خُلق لأجلها الإنسان.

قال الشبخ العثيمين رحمه الله في كتابه:"رسالة في القضاء والقدر"، ص:14-21:
(إذا كان الأمر راجعا إلى مشيئة الله تبارك وتعالى، وأنّ الأمر كلّه بيده، فما طريق الإنسان إذن ، وما حيلة الإنسان إذا كان الله تعالى قد قَدَّر عليه أن يضل ولا يهتدي؟

فنقول : الجواب عن ذلك أنّ الله تبارك وتعالى إنّما يهدي مَن كان أهلاً للهداية ، ويضلّ من كان أهلاً للضلالة، ويقول الله تبارك وتعالى: (فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ) الصف/5 ، ويقول تعالى: (فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ) المائدة/13 .
فبيّن الله تبارك وتعالى أن أسباب إضلاله لِمَن ضلّ، إنّما هو بسبب من العبد نفسه، والعبد لا يدرى ما قَدَّر الله تعالى له، لأنّه لا يعلم بالقدر إلاّ بعد وقوع المقدور . فهو لا يدري هل قدّر الله له أن يكون ضَالاًّ أم أن يكون مهتديًا ؟
فما باله يسلك طريق الضلال، ثم يحتج بأنّ الله تعالى قد أراد له ذلك!
أفلا يجدر به أن يسلك طريق الهداية ثم يقول: إنّ الله تعالى قد هداني للصراط المستقيم.
أيجدر به أن يكون جبريًا عند الضلالة، وقدريًا عند الطّاعة ! كلا ، لا يليق بالإنسان أن يكون جبريًا عند الضلالة والمعصية، فإذا ضلّ أو عصى الله قال: هذا أمر قد كُتب علي وقُدِّر علي ولا يمكنني أن أخرج عمّا قضى الله تعالى .
فالإنسان في الحقيقة له قدرة وله اختيار، وليس باب الهداية بأخفى من باب الرزق، والإنسان كما هو معلوم لدى الجميع قد قُدِّر له ما قُدِّر من الرزق ، ومع ذلك هو يسعى في أسباب الرزق في بلده وخارج بلده يميناً وشمالاً ، لا يجلس في بيته ويقول : إن قُدِر لي رزق فإنّه يأتيني، بل يسعى في أسباب الزرق مع أنّ الرزق نفسه مقرون بالعمل، كما ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم .
فهذا الرزق أيضا مكتوب، كما أنّ العمل من صالح أو سيئ مكتوب ، فما بالك تذهب يمينا وشمالاً وتجوب الأرض والفيافي طلباً لرزق الدنيا، ولا تعمل عملا صالحا لطلب رزق الآخرة والفوز بدار النعيم!!
إنّ البابين واحد ، ليس بينهما فرق ، فكما أنّك تسعى لرزقك وتسعى لحياتك وامتداد أجلك، فإذا مرضت بمرض ذهبت إلى أقطار الدنيا تريد الطبيب الماهر الذي يداوي مرضك، ومع ذلك فإنّ لك ما قُدِّر من الأجل لا يزيد ولا ينقص، ولست تعتمد على هذا وتقول : أبقى في بيتي مريضاً طريحاً وإن قُدِّر الله لي أن يمتد الأجل امتد. بل نجدك تسعى بكل ما تستطيع من قوّة وبحث لتبحث عن الطبيب الذي ترى أنه أقرب الناس أن يُقَدِّر الله الشفاء على يديه.
فلماذا لا يكون عملك في طريق الآخرة وفى العمل الصالح كطريقك فيما تعمل للدنيا؟
وقد سبق أن قلنا : إنّ القضاء سرّ مكتوم لا يمكن أن تعلم عنه .
فأنت الآن بين طريقين :
-طريق يؤدّى بك إلى السلامة وإلى الفوز والسعادة والكرامة .
طريق يؤدّى بك إلى الهلاك والندامة والمهانة .
وأنت الآن واقف بينهما ومخيّر، ليس أمامك مَن يمنعك من سلوك طريق اليمين، ولا من سلوك طريق الشمال، إذا شئت ذهبت إلى هذا، وإذا شئت ذهبت إلى هذا.
بهذا تبيّن لنا أنّ الإنسان يسير في عمله الاختياري سيراً اختيارياً، وأنّه كما يسير لعمل دنياه سيراً اختيارياً، فكذلك أيضا هو في سيره إلى الآخرة يسير سيراً اختيارياً، بل إنّ طرق الآخرة أبين بكثير من طرق الدنيا، لأنّ مبيّن طرق الآخرة هو الله تعالى في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم . فلا بدّ أن تكون طرق الآخرة أكثر بيانا وأجلى وضوحا من طرق الدنيا. ومع ذلك فإنّ الإنسان يسير في طرق الدنيا التي ليس ضامنا لنتائجها، ولكنّه يدع طرق الآخرة التي نتائجها مضمونة معلومة، لأنّها ثابتة بوعد الله، والله تبارك وتعالى لا يخلف الميعاد.
بعد هذا نقول:
إنّ أهل السُّنَّة والجماعة قرّروا هذا ، وجعلوا عقيدتهم ومذهبهم أنّ الإنسان يفعل باختياره، وأنّه يقول كما يريد، ولكن إرادته واختياره تابعان لإرادة الله تبارك وتعالى ومشيئته.

ثم يؤمن أهل السُّنَّة والجماعة بأنّ مشيئة الله تعالى تابعة لحكمته، وأنّه سبحانه وتعالى ليس مشيئته مطلقة مجرّدة، ولكنها مشيئة تابعة لحكمته، لأنّ من أسماء الله تعالى: الحكيم ، والحكيم هو الحاكم المحكم الذي يحكم الأشياء كوناً وشرعاً، ويحكمها عملاً وصنعاً، والله تعالى بحكمته يقَدِّر الهداية لِمَن أرادها، لِمَن يعلم سبحانه وتعالى أنّه يريد الحق ، وأنّ قلبه على الاستقامة . ويقَدِّر الضلالة لِمَن لم يكن كذلك، لِمَن إذا عرض عليه الإسلام يضيق صدره كأنّما يصعد في السّماء ، فإنّ حكمة الله تبارك وتعالى تأبى أن يكون هذا من المهتدين، إلاّ أن يجدّد الله له عزماً ويقلّب إرادته إلى إرادة أخرى، والله تعالى على كل شيء قدير ، ولكنّ حكمة الله تأبى إلاّ أن تكون الأسباب مربوطة بها مسبّباتها".انتهـ النّقل مختصرا من النّاقل.

اللّهمّ اهدنا وسدّدنا.



عبير الإسلام

عدد المساهمات : 1216
تاريخ التسجيل : 16/04/2015

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ. Empty رد: لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ.

مُساهمة من طرف عبير الإسلام الإثنين سبتمبر 02, 2019 9:03 pm




لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ. Attachment


في هذا الجزء من البحث المتواضع الذي أسأل الله فيه التّوفيق للحقّ والإخلاص، أطرح سؤالا لمَن تتبّع مراحل البحث، ليس ليجيبني فيه، وإنّما لإيصاله إلى جوابٍ، إن شاء الله، فيه ما يسدّ حاجته إلى معرفة دين الله تعالى، الذي لااعوجاج فيه، ولاظلم ولابغيٌ تشمئزُّ منه كلّ نفسٍ، تريد السّعادة، وتبحث عنها، في حياةٍ، تملأها شُبهات وشهوات لاينجو منها إلاّ مَن صدق مع الله في الاعتقاد والقول والعمل.

والسؤال المطروح الذي يحمل في طيّاته الجواب المبين للحقّ وكنز الحياة الثّمين:
من أين نستمدّ هداية الدّلالة والبيان، التي هي طريق العبد إلى ربّه، علمًا وعملاً، يوصله إلى هداية التّوفيق إلى الحقّ والهدى والإيمان، وهو قلب الهداية النّابض، الذي إذا توقّفت دقّاته، مات مَن لم يُوفّق إلى العيش به، في حياة الإنشراح والطّمأنينة والسّكينة ؟

قال الله جلّ في علاه: "الم (1) تَنزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ الْعَالَمِينَ (2) أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ ۚ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّا أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (3)"

يقول الإمام الطبري رحمه الله في تفسيره:

(......... وقوله: (تَنـزيلُ الكتاب لا رَيْبَ فِيهِ) يقول تعالى ذكره: تنـزيل الكتاب الذي نـزل على محمد صلى الله عليه وسلم، لا شكّ فيه (من ربّ العالمين) : يقول: من ربّ الثّقلين: الجنّ والإنس.
كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة قوله: (الم * تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ) لا شكّ فيه. وإنّما معنى الكلام: أنّ هذا القرآن الذي أُنـزل على محمد لا شكّ فيه أنّه من عند الله، وليس بشعر ولا سجع كاهن، ولا هو ممّا تخرّصه محمد صلى الله عليه وسلم، وإنّما كذّب جلّ ثناؤه بذلك قول الّذين: "وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلا" وقول الّذين قالو: "إِنْ هَذَا إِلا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ" .) انتهـ.

ويقول الشيخ السعدي رحمه الله في تفسيره:
(... "تَنزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ الْعَالَمِينَ" يخبر تعالى أنّ هذا الكتاب الكريم، أنّه تنزيل من رب العالمين، الّذي رباهم بنعمته.

"أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ ۚ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّا أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ"
ومن أعظم ما رباهم به، هذا الكتاب، الّذي فيه كلّ ما يصلح أحوالهم، ويتمّم أخلاقهم، وأنّه لا ريب فيه، ولا شكّ، ولا امتراء، ومع ذلك قال المكذبون للرسول الظالمون في ذلك: افتراه محمد، واختلقه من عند نفسه، وهذا من أكبر الجراءة على إنكار كلام اللّه، ورمي محمد صلى اللّه عليه وسلم، بأعظم الكذب، وقدرة الخلق على كلام مثل كلام الخالق.
وكل واحد من هذه من الأمور العظائم، قال اللّه - رادًا على مَن قال: افتراه:-
{ بَلْ هُوَ الْحَقُّ } الّذي لا يأتيه الباطل من بين يديه، ولا من خلفه، تنزيلٌ من حكيم حميد. { مِنْ رَبِّكَ } أنزله رحمةً للعباد { لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ } أي: في حالة ضرورة وفاقة لإرسال الرسول، وإنزال الكتاب، لعدم النذير، بل هم في جهلهم يعمهون، وفي ظلمة ضلالهم يتردّدون، فأنزلنا الكتاب عليك { لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ } من ضلالهم، فيعرفون الحق فيؤثرونه.
وهذه الأشياء التي ذكرها اللّه كلّها، مناقضة لتكذيبهم له: وإنّها تقتضي منهم الإيمان والتّصديق التام به، وهو كونه { مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ } وأنّه { الْحَقُّ } والحق مقبول على كل حال، وأنّه { لَا رَيْبَ فِيهِ } بوجه من الوجوه، فليس فيه مَا يُوجِب الرِيبَة، لا بخبر لا يطابق للواقع ولا بخفاء واشتباه معانيه، وأنّهم في ضرورة وحاجة إلى الرسالة، وأنّ فيه الهداية لكلّ خير وإحسان.)انتهـ.

وقال الله تعالى: "الر ۚ تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآنٍ مُّبِينٍ"

يقول الشيخ السعدي رحمه الله مفسّرا للآية:

"الر ۚ تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآنٍ مُّبِينٍ"
يقول تعالى معظّما لكتابه مادحا له { تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ } أي: الآيات الدالة على أحسن المعاني وأفضل المطالب، { وَقُرْآنٍ مُبِينٍ } للحقائق بأحسن لفظ وأوضحه وأدلّه على المقصود، وهذا ممّا يُوجب على الخلق الانقياد إليه، والتّسليم لحكمه وتلقّيه بالقبول والفرح والسرور.] انتهـ.

ويقول الإمام الطبري رحمه الله:
(..... وأما قوله : ( تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ ) فإنه يعني: هذه الآيات، آيات الكتب التي كانت قبل القرآن كالتوراة والإنجيل ( وقُرآنٍ ) يقول: وآيات قرآن ( مُبِينٍ ) يقول: يُبِين من تأمله وتدبَّره رشدَه وهداه.
كما:حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( وَقُرْآنٍ مُبِينٍ ) قال: تبين والله هداه ورشده وخيره......) انتهـ.

وقال الله تعالى: "فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ"

يقول الشيخ السعدي رحمه الله في تفسيره:
(... فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ "
وأما أنت { فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ } فعلا واتصافا، بما يأمر بالاتصاف به ودعوة إليه، وحرصا على تنفيذه في نفسك وفي غيرك. { إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } موصل إلى الله وإلى دار كرامته، وهذا ممّا يوجب عليك زيادة التّمسّك به والاهتداء إذا علمت أنّه حق وعدل وصدق، تكون بانيا على أصل أصيل، إذا بنى غيرك على الشكوك والأوهام، والظلم والجور...) انتهـ.
ويقول الإمام الطبري رحمه الله:
(.... يقول تعالى ذكره لنبيّه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: فتمسّك يا محمد بما يأمرك به هذا القرآن الذي أوحاه إليك ربّك, ( إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ) و منهاج سديد, وذلك هو دين الله الذي أمر به, وهو الإسلام.
كما حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة, قوله: ( فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ) : أي الإسلام.....)انتهـ.


لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ. Attachment


وقال الله عزّوجلّ مبيّنًا مصدر الهدى والرُّشد، لكلّ متّبع للرُّسل والأنبياء فيما أمروا وزجروا:
"الم (1) ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ ۛ فِيهِ ۛ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (3) وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4) أُولَٰئِكَ عَلَىٰ هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5)"

يقول الشيخ السّعدي في تفسيره:
(... وقوله { ذَلِكَ الْكِتَابُ } أي هذا الكتاب العظيم الذي هو الكتاب على الحقيقة, المشتمل على ما لم تشتمل عليه كتب المتقدّمين والمتأخّرين من العلم العظيم, والحق المبين. فـ { لَا رَيْبَ فِيهِ } ولا شك بوجه من الوجوه، ونفي الريب عنه, يستلزم ضدّه, إذ ضدّ الريب والشك اليقين، فهذا الكتاب مشتمل على علم اليقين المزيل للشك والريب. وهذه قاعدة مفيدة, أنّ النفي المقصود به المدح, لا بد أن يكون متضمنا لضدّه, وهو الكمال, لأنّ النّفي عدم, والعدم المحض, لا مدح فيه. فلمّا اشتمل على اليقين وكانت الهداية لا تحصل إلاّ باليقين قال: { هُدًى لِلْمُتَّقِينَ } والهدى: ما تحصل به الهداية من الضلالة والشُّبَه، وما به الهداية إلى سلوك الطرق النافعة. وقال { هُدًى } وحذف المعمول, فلم يقل هدى للمصلحة الفلانية, ولا للشيء الفلاني, لإرادة العموم, وأنّه هدى لجميع مصالح الدارين، فهو مرشد للعباد في المسائل الأصولية والفروعية, ومبين للحق من الباطل, والصحيح من الضعيف, ومبين لهم كيف يسلكون الطرق النافعة لهم, في دنياهم وأخراهم..) انتهـ.


لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ. Attachment


إذن، مَن هم الّذين هيَّاَهُم الله لأن يكونوا من أهل الصّراط المستقيم؟
سيتمّ التّطرّق إلى هذه المسألة، في وقتٍ قريب إن شاء الله ربّ العالمين.

اللّهمّ اجعلنا من أهل الصّراط المستقيم، صراط "الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ ۚ وَحَسُنَ أُولَٰئِكَ رَفِيقًا"




عبير الإسلام

عدد المساهمات : 1216
تاريخ التسجيل : 16/04/2015

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ. Empty رد: لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ.

مُساهمة من طرف عبير الإسلام السبت سبتمبر 07, 2019 11:38 pm




بسم الله الرّحمن الرّحيم

في هذه العجالة، وعلى رغبة التّعلّم إن شاء الله، والاستزادة بالعلم، عمدتُ إلى البحث في مسألة: الدّعوة إلى الله ومراتب الدّعاة ومهامهم. وهي مسألة تدخل ضمن هداية الدّلالة والبيان والتّوجيه.

فخيرُ ما نبدأ به هذه المسألة، إن شاء الله:

لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ. Attachment

الحكمة في الدّعوة إلى الله

للشيخ الفاضل: علي بن سلمان الحمادي ثبّته الله على السُّنّة والعمل بها.
 
الحمد لله وكفى، والصلاة والسلام على النبي المجتبى، وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجهم واقتفى، وبعد

إنّ الدّعوة إلى الله مطلب عظيم، وغاية سامية، أرسل الله نبيّه محمداً صلى الله عليه وسلم لأجلها فقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا () وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا﴾ [الأحزاب: 45، 46] فالله جلّ وعلا، أرسله إلى النّاس كافّة يدعوهم إلى عبادة ربّهم، ويُرشدهم إلى الصراط المستقيم، ليخرجهم من ظلمات الجهل إلى نور الإسلام.

أيّها القارئ الكريم، اعلم وفّقك الله لكلّ خير، أنّ الدّعوة إلى الله لا بد وأن ترتكز على دعامة عظيمة، وركن متين، حتّى تستقيم وتؤتي ثمارها اليانعة، وهذه الدّعامة هي: الحكمة.

والحكمة: هي الإصابة في معرفة الحقّ والعملِ به، والدقةُ في وضع الأمور في موضعها الصحيح.

وتتمثّل أهميّة الحكمة في كونها:

1. من أهمّ الأسباب والوسائل التي تستخدم في الدّعوة إلى الله، فنجد أنّ الله جل وعلا، لمّا أمر نبيّه محمداً صلى الله عليه وسلم  بالدّعوة إليه سبحانه، أمره أن يبدأ دعوته بالحكمة فقال: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ [النحل : 125].

2. ثم إنّ النّاظر في سيرته صلى الله عليه وسلم يجد أنّه كان ملازماً للحكمة في جميع أموره، فأقبل النّاس ودخلوا في دين الله أفواجاً وذلك بـفضل الله تعالى، ثم بـفضل هذا النبي الحكيم الّذي ملأ الله قلبه إيماناً وحكمة كما ثبت ذلك في الصحيحين أنّه عليه الصلاة والسلام قال: (فُرج سقف بيتي وأنا بمكة، فنزل جبريلُ ففرج صدري ثم غسله بماء زمزم، ثم جاء بطست من ذهب ممتلئٍ حكمة وإيماناً فأفرغه في صدري، ثم أطبقه، ثم أخذ بيدي فعرج بي ..).

3. ومَن أعطاه الله الحكمة، فقد حاز على خير كثير، كما قال سبحانه وتعالى: ﴿يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا﴾ [البقرة : 269] وأيّ خير أعظم من خير فيه سعادة الدّنيا والآخرة.

4. ولعظيم شأنها نجد أنّها من الأمور التي يُحسد الإنسان عليها، كما ثبت في الصحيحين من حديث عبد الله بن مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ  صلى الله عليه وسلم  يَقُولُ: (لا حَسَدَ إِلا فِي اثْنَتَيْنِ رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالا فَسَلَّطَهُ عَلَى هَلَكَتِهِ فِي الْحَقِّ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ حِكْمَةً فَهُوَ يَقْضِي بِهَا وَيُعَلِّمُهَا).

]هلكته في الحق: أي أنفقه في وجوه الخير].

5. وقد ثبت عند البخاري من حديثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أنّه قَالَ ضمّني النبي  صلى الله عليه وسلم  إِلَى صَدْرِهِ وَقَالَ (اللَّهُمَّ عَلِّمْهُ الْحِكْمَةَ). وقد كان ابن عباس رضي الله عنهما من أعلم الصحابة بتفسير القرآن ببركة دعاء النبي  صلى الله عليه وسلم

لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ. Attachment

إنّ الحكمة في الدعوة إلى الله لها أركان ودعائم لا تتحقّق إلاّ بها وهي: العلم والحلم والأناة.

أما العلم: فهو أعظم أركان الحكمة، ولهذا أمر الله به، وأوجبه قبل القول والعمل، فقال تعالى: ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ ﴾[محمد : 19] فبدأ بالعلم قبل القول والعمل، فدل على أن العلم شرط لصحتهما.

وأمّا الحِلم: فلأنّه صفة تقود صاحبها إلى ضبط النّفس والطّبع عند هيجان الغضب.

وأمّا الأَناة: فهي مظهر من مظاهر خُلق الصبر، وتقود صاحبها نحو التّصرّف الحكيم من غير عجلة ولا تباطؤ.

وقد مدح النبي  صلى الله عليه وسلم هذين الخلقين فقال لأشج عبد القيس: (إنّ فيك خصلتين يحبّهما الله ورسوله .. الحِلم والأَنَاة).

إنّ الحكمة في الدعوة إلى الله لها درجات ومراتب:

1. فتارة تكون باستخدام الرفق واللّين، والحلم والعفو، مع بيان الحق علماً وعملاً واعتقاداً بالأدلّة، وهذه المرتبة تستخدم لجميع الأذكياء من البشر الّذين يقبلون الحق ولا يعاندون.

2. وتارة تكون الحكمة باستخدام الموعظة الحسنة المشتملة على التّرغيب في الحق والتّرهيب من الباطل، وهذه المرتبة تستخدم مع مَن يقبل الحق ويعترف به، ولكن عنده غفلة وشهوات وأهواء تصدّه عن اتباع الحق .

3. وتارة تكون الحكمة باستخدام الجدال بالتي هي أحسن، بحُسن خلق، ولطف، ولين كلام، وأن يكون القصد بيان الحق وهداية الخلق، وهذه المرتبة تستخدم لكل معاند جاحد.

4. وتارة تكون الحكمة باستخدام القوّة : بالكلام الغليظ، وبالضرب والتّأديب وإقامة الحدود لِمَن كان له قوّة وسلطة مشروعة مع مراعاة الضّوابط والشروط التي دلَّ عليها الكتاب والسُّنَّة. وهذه المرتبة تستخدم لكل معاند جاحد ظلم وطغى ووقف في طريق الحق.

لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ. Attachment

إذن الحكمة مهمة في مجال الدّعوة إلى الله، لا بدّ أن يتحلّى بها كلّ مَن أراد أن يدعو إلى الله جلّ وعلا، فمن خلالها يستطيع الدّاعية أن يقدّر الأمور، ويضعها في مواضعها.

ومن خلالها يستطيع الدّاعية إلى الله أن يتأمّل ويراعي أحوال المدعوّين وظروفهم وأخلاقهم وطبائعهم، والوسائل التي يُؤتون من قِبَلِها.

فـالحكمة تجعل الداعية ينظر ببصيرة المؤمن، فيرى حاجة الناس فيعالجها بحسب ما يقتضيه الحال، وبذلك ينفذ إلى قلوب الناس من أوسع الأبواب، وتنشرح للحق صدورهم، فينقادون إليه، ويُذعنون إلى الصواب.

أيّها الأخوة ينبغي على كل داعية ومعلم ومربّ أن يتحلّى بهذه الصفة العظيمة، حتّى يكون موفقاً مباركاً في عمله، قال ابن عباس رضي الله عنهما: "كونوا ربّانيّين حكماء فقهاء". al]الربّاني: الذي يعلم صغار العلم قبل كباره].

وأوصى وهب بن منبّه أحدهم فقال له: «يا بنيّ عليك بالحكمة، فإنّ الخير في الحكمة كلّها، وتشرّف الصّغير على الكبير، والعبد على الحرّ، وتزيد السّيّد سؤددا، وتجلس الفقير مجالس الملوك».

رزقني الله وإيّاكم الحكمة والفقه في الدّين

وصلّى الله وسلم على نبيّنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

وكتبه أخوكم: علي سلمان الحمادي

المصدر

https://www.baynoona.net/ar/article/305

لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ. Attachment




عبير الإسلام

عدد المساهمات : 1216
تاريخ التسجيل : 16/04/2015

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ. Empty رد: لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ.

مُساهمة من طرف عبير الإسلام السبت سبتمبر 07, 2019 11:41 pm




لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ. Attachment

بسم الله الرّحمن الرّحيم

الأنبياء والرُّسُل أقوى حجّة وأفضل، في الدّعوة إلى الله عزّوجلّ.


لقد أرسل الله الرّسل والأنبياء عليهم الصّلاة والسّلام، ليبشّروا بالجنّة ورضوان الله، مَن اتّبعوهم بإحسان، وينذروا بالعذاب وانتقام الله، مَن أعرضوا عن طريقه، وآثروا الحياة الدنيا. وانكبّوا على شهواتها، جاحدين نعم الله عليهم. مشركين به ، مَن لم يملك لهم نفعًا ولاضَرَّا.
والله سبحانه، لايظلم أحدًا. فقد جعل الرسالات حججًا على خلقه، ليهلك مَن هلك عن بيّنة ودليل، ويحيا مَن يحيا عن بيّنة وبرهان.
وما من رسالة في حياة البشر، إلاّ واختار لها من أفضل خلقه، الّذين يتّسمون بـالعلم والحِلم والأناة، والصبر على المشاق، وقد جعل فيهم النبوّة والحكمة والكتاب، ليخرجوا النّاس من الظلمات إلى النّور بإذن ربّهم، الذي ما شرع لهم من أحكام إلاّ وفيها الحياة والهدى والنّجاة.

قال الله تعالى:
"كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ ۚ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ۖ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ ۗ وَاللَّهُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (213)"البقرة.

يقول الشيخ السعدي رحمه الله في شرح الآية:

{ ..( أي: كان الناس ) أي: كانوا مجتمعين على الهدى، وذلك عشرة قرون بعد نوح عليه السلام، فلمّا اختلفوا في الدّين، فكفر فريق منهم وبقي الفريق الآخر على الدّين، وحصل النزاع وبعث الله الرسل ليفصلوا بين الخلائق ويقيموا الحجة عليهم، وقيل بل كانوا (مجتمعين على الكفر والضلال والشقاء, ليس لهم نور ولا إيمان، فـرحمهم الله تعالى بـإرسال الرسل إليهم ( مُبَشِّرِينَ ) مَن أطاع الله بثمرات الطاعات, من الرزق, والقوة في البدن والقلب, والحياة الطيبة, وأعلى ذلك, الفوز برضوان الله والجنة.
( وَمُنْذِرِينَ ) من عصى الله, بثمرات المعصية, من حرمان الرزق, والضعف, والإهانة, والحياة الضيقة, وأشد ذلك, سخط الله والنار.
( وَأَنزلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ ) وهو الإخبارات الصادقة, والأوامر العادلة، فكلّ ما اشتملت عليه الكتب, فهو حق, يفصل بين المختلفين في الأصول والفروع، وهذا هو الواجب عند الاختلاف والتنازع, أن يرد الاختلاف إلى الله وإلى رسوله، ولولا أن في كتابه, وسنة رسوله, فصل النزاع, لما أمر بالرد إليهما.
ولمّا ذكر نعمته العظيمة بإنزال الكتب على أهل الكتاب, وكان هذا يقتضي اتّفاقهم عليها واجتماعهم، فأخبر تعالى أنّهم بغى بعضهم على بعض, وحصل النّزاع والخصام وكثرة الاختلاف.
فاختلفوا في الكتاب الذي ينبغي أن يكونوا أولى الناس بالاجتماع عليه, وذلك من بعد ما علموه وتيقّنوه بالآيات البيّنات, والأدلة القاطعات, فضلّوا بذلك ضلالا بعيدا.
( فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا ) من هذه الأمّة ( لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ ) فكلّ ما اختلف فيه أهل الكتاب, وأخطأوا فيه الحق والصواب, هدى الله للحق فيه هذه الأمّة ( بِإِذْنِهِ ) تعالى وتيسيره لهم ورحمته.
( وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ) فعمَّ الخلق تعالى بـالدّعوة إلى الصراط المستقيم, عدلا منه تعالى, وإقامة حجة على الخلق, لئلاّ يقولوا: مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ، وهدى - بفضله ورحمته, وإعانته ولطفه - مَن شاء من عباده، فهذا فضله وإحسانه, وذاك عدله وحكمته. }انتهـ.

وقال الإمام البغوي رحمه الله في تفسير الآية:

{...قوله تعالى ( كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً ) على دين واحد قال مجاهد : أراد آدم وحده كان أمّة واحدة قال سمّي الواحد بلفظ الجمع لأنّه أصل النسل وأبو البشر ثم خلق الله تعالى حواء ونشر منهما الناس فانتشروا وكانوا مسلمين إلى أن قتل قابيل هابيل فاختلفوا ( فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ ) قال الحسن وعطاء : كان الناس من وقت وفاة آدم إلى مبعث نوح أمّة واحدة على ملة الكفر أمثال البهائم فبعث الله نوحا وغيره من النّبيّين . وقال قتادة وعكرمة : كان الناس من وقت آدم إلى مبعث نوح وكان بينهما عشرة قرون كلّهم على شريعة واحدة من الحق والهدى ثم اختلفوا في زمن نوح فبعث الله إليهم نوحا فكان أول نبي بعث ثم بعث بعده النبيين .
وقال الكلبي : هم أهل سفينة نوح كانوا مؤمنين ثم اختلفوا بعد وفاة نوح .

وروي عن ابن عباس قال : كان الناس على عهد إبراهيم عليه السلام أمّة واحدة كفارا كلّهم. فبعث الله إبراهيم وغيره من النّبيّين وقيل : كان العرب على دين إبراهيم إلى أن غيّره عمرو بن لحي . وروي عن أبي العالية عن أبي بن كعب قال : كان الناس حين عرضوا على آدم وأخرجوا من ظهره وأقرّوا بالعبودية، أمّة واحدة مسلمين كلّهم ولم يكونوا أمّة واحدة قط غير ذلك اليوم ثم اختلفوا بعد آدم نظيره في سورة يونس " وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُواْ وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ " ( 19 - يونس ) وجملتهم مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا والرسل منهم ثلاثمائة وثلاثة عشر والمذكورون في القرآن باسم العلم ثمانية وعشرون نبيًا ) ( مُبَشِّرِينَ ) بالثواب من آمن وأطاع ) ( ومُنذِرِينَ ) محذّرين بالعقاب مَن كفر وعصى ( وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ ) أي الكُتُب تقديره وأنزل مع كل واحد منهم الكتاب ) ( بالحق ) بالعدل والصدق ( ليحكم بين الناس ) قرأ أبو جعفر ) ( لِيُحْكَم ) بضم الياء وفتح الكاف هاهنا وفي أول آل عمران وفي النور موضعين لأنّ الكتاب لا يحكم في الحقيقة إنّما ) ( الحكم ) به، وقراءة العامّة بفتح الياء وضم الكاف أي ليحكم الكتاب ذكره على سعة الكلام كقوله تعالى " هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق " ( 29 - الجاثية ) . وقيل معناه ليحكم كل نبي بكتابه ( فيما اختلفوا فيه وما اختلف فيه ) أي في الكتاب ( إلا الذين أوتوه ) أي أعطوا الكتاب ( من بعد ما جاءتهم البينات ) يعني أحكام التوراة والإنجيل قال الفراء : ولاختلافهم معنيان :
-أحدهما : كفر بعضهم بكتاب بعض قال الله تعالى : " ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض " ( 150 - النساء ) والآخر : تحريفهم كتاب الله قال الله تعالى : "يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ " ( 46 - النساء ) وقيل الآية راجعة إلى محمد صلى الله عليه وسلم وكتابه اختلف فيه أهل الكتاب ( مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ) صفة محمد صلى الله عليه وسلم في كتبهم ) ( بَغْيًا ) ظلما وحسدا ( بَيْنَهُمْ ۖ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ) أي لما اختلفوا فيه ( مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ ) بعلمه وإرادته فيهم . قال ابن زيد في هذه الآية : اختلفوا في القِبْلَة، فمنهم مَن يصلّي إلى المشرق ومنهم مَن يصلّي إلى المغرب ومنهم مَن يصلّي إلى بيت المقدس فهدانا الله إلى الكعبة. واختلفوا في الصيام، فهدانا الله لشهر رمضان. واختلفوا في الأيام فأخذت اليهود السبت والنصارى الأحد. فهدانا الله للجمعة. واختلفوا في إبراهيم عليه السلام فقالت اليهود كان يهوديا وقالت النصارى كان نصرانيا. فهدانا الله للحق من ذلك. واختلفوا في عيسى فجعلته اليهود لفرية وجعلته النصارى إلها وهدانا الله للحق فيه (وَاللَّهُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) . }انتهـ.

لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ. Attachment




عبير الإسلام

عدد المساهمات : 1216
تاريخ التسجيل : 16/04/2015

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ. Empty رد: لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ.

مُساهمة من طرف عبير الإسلام الثلاثاء سبتمبر 10, 2019 5:05 pm




لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ. Attachment


قال الله تعالى: "قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ (11) وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ (12) قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (13) قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَّهُ دِينِي (14)....."

أنظروا إلى كلام الله سبحانه، الموجّه إلى نبيّه محمّد صلى الله عليه وسلم، أفضل خلق الله، وخاتم الأنبياء والمرسلين، عليهم الصّلاة والسّلام، أجمعين، وانتبهوا إلى كلام الله عزّوجلّ، وهو يرشد نبيّه صلى الله عليه وسلم إلى ما يقول لقومه، ردًّا لدينهم، ورفضًا لآلهتكم التي يعبدونها من دون الله، وقد علّم الله سبحانه نبيّه صلى الله عليه وسلم، كيف يخلص له الدّين، ولايشرك به أحدا.

هذا محمد صلى الله عليه وسلم، أفضل أنبياء الله ورسله، ويعلّمه الله سبحانه: كيف يدعو النّاس إلى الله، وقد كانت الدّعوة إلى نفسه قبل غيره، حين قال الله تعالى: "قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ*وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ.."

يقول الإمام الطبري رحمه الله في تفسير الآيتين:
{...يقول تعالى ذكره لنبيّه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: قُل يا محمد لمشركي قومك: إنّ الله أمرني أن أعبده مفردا له الطاعة, دون كلّ ما تدعون من دونه من الآلهة والأنداد .
وأمرني ربّي جل ثناؤه بذلك, لأن أكون بفعل ذلك أوَّل من أسلم منكم, فخضع له بالتوحيد, وأخلص له العبادة, وبرئ من كل ما دونه من الآلهة...}انتهـ.

فكانت دعوة الأنبياء والرُّسل عليهم الصّلاة والسّلام إلى التّوحيد، تبدأ بأنفسهم قبل غيرهم، على أنّ الدّاعي إلى الله يجب أن يكون القدوة الحسنة، التي يتّبعها النّاس، في سيرهم إلى الله. وإلاّ فالفاقدُ للشيء لايعطيه.
والذي يدعو غيره إلى أمرٍ لايمارسه في نفسه، دعوته مقطوعة، وفاشلة، لايتأثّر بها المدعوون. لنقص التّبليغ الذي يجب أن يصدر من أناس، يحملون خصائص، وصفات، تميّزهم عن غيرهم، وتكون جديرة باهتمام مَن دُعُوا، فتكون هي الدّافع لخضوع غيرهم، للرسالة التي يبلّغونهم إيّاها.

والله سبحانه، وهو يؤكّد أن يكون المرسول بدين التّوحيد، هو أوّل مَن يخضع لهذا الدّين، ويخلص به لربّ العالمين، يقول عزّ وجلّ:"قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (13) قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَّهُ دِينِي (14)"
وكلام الله سبحانه، تحذيري، يبيّن فيه الله، أنّ مخالفة أمره توجب العذاب يوم القيامة، ولهذا، أمر الله سبحانه نبيّه صلى الله عليه وسلم أن يقول للنّاس، حتّى الأنبياء والرسل لايُستَثْنَوْن من العقاب، إذا خالفوا أمر الله، وعلى هذا، هم يتبرّأون من كلّ معبود، يصرفهم عن عبادة الله وإخلاص له الدّين.

يقول الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله في فوائد تفسير الآية 2 من سورة الزمر:

{... الفائدة الثامنة: وجوب الإخلاص لله في العبادة، لقوله:"مخلصًا له الدّين". والإخلاص: تنقية الشيء ممّا يشوبه، ولهذا جاء في الحديث الصحيح أنّ الله تعالى قال: "أنا أغنى الشّركاء عن الشّرك، مَن عمل عملاً أشرك فيه معي غيري، تركته وشركه".(1)
فلو تصدّق الإنسان بِمَالٍ، لكنّه مُرَاءٍ بذلك، من أجل أن يُمْدَح، فإنّه لم يعبد الله، وهو آثم وليس مأجور، ولو صلّى لِيُمْدَح، فإنّه لم يعبد الله، وهو آثم وليس مأجور، لأنّ الله أمر بعبادة خاصّة، وهي الإخلاص:"مُخْلِصًا لَهُ الدِّين".
-----------------------------
(1) أخرجه مسلم من كتاب الزهد، باب مَن أشرك في عمله غير الله، رقم (2985)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه}انتهـ.


هذا أفضل خلق الله، محمد صلى الله عليه وسلم، وهو المبلّغ عن الله، دينه، لمّا أنزل عليه الله سبحانه القرآن الكريم، أمره أن يخلص له الدّين، وأمره أن يدعو النّاس إلى هذا الإخلاص.

قال الله تعالى:"إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ (2)"

وها هو الشيخ السعدي رحمه الله مفسرا الآية التي بها ذكر "القرآن"، كتاب الله الذي نزل بالحقّ من شريعة وتوحيد وإخلاص العبادة لربّ العبيد. قال رحمه الله:

{..ولمّا كان نازلا من الحقّ، مشتملا على الحقّ لهداية الخلق، على أشرف الخلق، عظمت فيه النعمة، وجلَّت، ووجب القيام بشكرها، وذلك بـإخلاص الدين للّه، فلهذا قال: { فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ } أي: أخلص للّه تعالى جميع دينك، من الشرائع الظاهرة والشرائع الباطنة: الإسلام والإيمان والإحسان، بأن تفرد اللّه وحده بها، وتقصد به وجهه، لا غير ذلك من المقاصد...}

ثمّ قال رحمه الله في تفسير الآية { أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ } :

{هذا تقرير للأمر بالإخلاص، وبيان أنّه تعالى كما أنّه له الكمال كلّه، وله التفضل على عباده من جميع الوجوه، فكذلك له الدّين الخالص الصافي من جميع الشوائب، فهو الدّين الذي ارتضاه لنفسه، وارتضاه لصفوة خلقه وأمرهم به، لأنّه متضمّن للتألّه للّه في حبّه وخوفه ورجائه، وللإنابة إليه في عبوديته، والإنابة إليه في تحصيل مطالب عباده.
وذلك الذي يصلح القلوب ويزكيها ويطهرها، دون الشرك به في شيء من العبادة. فإنّ اللّه بريء منه، وليس للّه فيه شيء، فهو أغنى الشركاء عن الشرك، وهو مفسد للقلوب والأرواح والدنيا والآخرة، مُشْقٍ للنفوس غاية الشقاء، فلذلك لمّا أمر بالتوحيد والإخلاص، نهى عن الشرك به، وأخبر بذم من أشرك به ....}انتهـ المقصود من النقل.

وعلى قاعدة:" كلّ مَن كان بالله أعرف كان منه أخوف، وكلّ مَن كان أيضا باليوم الآخر أعرف وأقوى إيمانًا كان أقوى إخافةً"، قد نقلتها من تفسير الشيخ العثيمين رحمه الله لسورة الزمر، مفسّرا للآية: "قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ".

فإنّي أخذت منها فائدة جميلة وقيّمة: يقول الشيخ رحمه الله:

لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ. Attachment
لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ. Attachment
لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ. Attachment


...يتبع...إن شاء الله...



عبير الإسلام

عدد المساهمات : 1216
تاريخ التسجيل : 16/04/2015

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ. Empty رد: لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ.

مُساهمة من طرف عبير الإسلام الخميس سبتمبر 12, 2019 5:25 pm




لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ. Attachment


إنّ هداية الدّلالة والدّعوة والإرشاد لاتتمّ إلاّ بـالكُمَّل من خلق الله، والأفضل في السّلوك والأخلاق والعمل، الّذين اصطفاهم الله سبحانه أنبياءً ورسلاً، عليهم الصّلاة والسّلام، ومَن اتّبعهم بإحسان إلى يوم الدّين. فجعلهم من الصّالحين في أنفسهم، ومصلحين لغيرهم، وقد أمرهم أن يدعوا الناس لإصلاح أنفسهم.

وأفضل الدّعاة الصّالحين المصلحين هم أنبياء الله المرسلين، ذريّةً بعضها من بعض، قال الله تعالى في إبراهيم عليه الصّلاة والسلام:"وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً ۖ وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ".

قال الإمام الطبري رحمه الله، وقد اختصرتُ التفسير باقتطاف تفسير الآية: (وَكُلاًّ جَعَلْنَا صَالِحِينَ) يعني عاملين بطاعة الله، مجتنبين محارمه، وعنى بقوله: (كُلاًّ) إبراهيم، وإسحاق، ويعقوب .) انتهـ.

وخلاصة تفسير الآية في قول الشيخ السعدي رحمه الله : "وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً ۖ وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ"

(..{ وَوَهَبْنَا لَهُ ْ} حين اعتزل قومه { إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ ْ} ابن إسحاق { نَافِلَةً ْ} بعدما كبر، وكانت زوجته عاقرا، فبشرته الملائكة بإسحاق، { وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ ْ} ويعقوب، هو إسرائيل، الذي كانت منه الأمّة العظيمة، وإسماعيل بن إبراهيم، الذي كانت منه الأمّة الفاضلة العربية، ومن ذرّيته، سيّد الأوّلين والآخرين. { وَكُلَا ْ} من إبراهيم وإسحاق ويعقوب { جَعَلْنَا صَالِحِينَ ْ} أي: قائمين بحقوقه، وحقوق عباده..)انتهـ.

وقد قال الله تعالى وهو يخاطب نبيّه محمد صلى الله عليه وسلم، في القرآن الكريم: " يس (1) وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ (2) إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (3) عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (4)"، وبهذا القسم، على حسب تفسير العلماء، يؤكّد الله سبحانه أنّ دعوة محمّد صلى الله عليه وسلم بالإسلام، دعوة الحقّ، وقد اصطفاه رسولاً، ورسالته، على الحقّ المبين والصّراط المستقيم.

يقول الشيخ السعدي رحمه الله مفسّرًا الآية:

وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ (2)
هذا قسم من اللّه تعالى بالقرآن الحكيم، الذي وصفه الحكمة، وهي وضع كل شيء موضعه، وضع الأمر والنهي في الموضع اللائق بهما، ووضع الجزاء بالخير والشر في محلهما اللائق بهما، فأحكامه الشرعية والجزائية كلها مشتملة على غاية الحكمة.
ومن حكمة هذا القرآن، أنه يجمع بين ذكر الحكم وحكمته، فينبه العقول على المناسبات والأوصاف المقتضية لترتيب الحكم عليها.

{ إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ } هذا المقسم عليه، وهو رسالة محمد صلى اللّه عليه وسلم، وإنّك من جملة المرسلين، فلست ببدع من الرسل، وأيضا فجئت بما جاء به الرسل من الأصول الدينية، وأيضا فمن تأمل أحوال المرسلين وأوصافهم، وعرف الفرق بينهم وبين غيرهم، عرف أنّك من خيار المرسلين، بما فيك من الصفات الكاملة، والأخلاق الفاضلة.

ولا يخفى ما بين المقسم به، وهو القرآن الحكيم، وبين المقسم عليه، [وهو] رسالة الرسول محمد صلى اللّه عليه وسلم، من الاتّصال، وأنّه لو لم يكن لرسالته دليل ولا شاهد إلاّ هذا القرآن الحكيم، لكفى به دليلا وشاهدا على رسالة محمد صلى الله عليه وسلم، بل القرآن العظيم أقوى الأدلّة المتّصلة المستمرة على رسالة الرسول، فأدلة القرآن كلها أدلة لرسالة محمد صلى اللّه عليه وسلم.

ثم أخبر بـأعظم أوصاف الرسول صلى اللّه عليه وسلم، الدالّة على رسالته، وهو أنّه { عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } معتدل، موصل إلى اللّه وإلى دار كرامته، وذلك الصراط المستقيم، مشتمل على أعمال، وهي الأعمال الصالحة، المصلحة للقلب والبدن، والدنيا والآخرة، والأخلاق الفاضلة، المزكّية للنفس، المطهرة للقلب، المنمّية للأجر، فهذا الصراط المستقيم، الّذي هو وصف الرسول صلى اللّه عليه وسلم، ووصف دينه الذي جاء به، فتأمّل جلالة هذا القرآن الكريم، كيف جمع بين القسم بأشرف الأقسام، على أجلّ مقسم عليه، وخبر اللّه وحده كاف، ولكنّه تعالى أقام من الأدلة الواضحة والبراهين الساطعة في هذا الموضع على صحّة ما أقسم عليه، من رسالة رسوله ما نبّهنا عليه، وأشرنا إشارة لطيفة لسلوك طريقه.



عبير الإسلام

عدد المساهمات : 1216
تاريخ التسجيل : 16/04/2015

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ. Empty رد: لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ.

مُساهمة من طرف عبير الإسلام السبت سبتمبر 14, 2019 11:29 pm




لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ. Attachment

قال الله تعالى:

"إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَىٰ آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ(33) ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (34)"

فمَن هم الّذين اصطفاهم الله من خلقه، الّذين يتميّزون عن غيرهم بصفات وخصائص، تهيّئهم للأمر العظيم، والأمانة الكبرى التي أشفقت منها السماوات والأرض والجبال وأَبَيْنَ أن يحملنها، وحملها ذلك الإنسان، الذي اختار الله سبحانه، منه، الأفضل فالأفضل من نسله.

وما هي الأمانة التي عرضها الله على السّماوات والأرض والجبال، فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وحملها الإنسان؟ إن لم تكن توحيدالله، وإرساء شريعته في حياة العالمين والدّعوة إلى ذلك؟.

سنبدأ الآن بتوضيح: ماهي الأمانة التي حملها الإنسان، في قول الله تعالى: "إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا". [الأحزاب:72]؟

سؤال قد طرح على فضيلة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله، بعنوان: المقصود بالأمانة في قوله تعالى: ( إنّا عرضنا الأمانة ... )، يستفسر صاحبه عن :
ما هي الأمانة الواردة في قوله تعالى: "إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ.." [الأحزاب:72] نرجو منكم التوجيه؟
فأجابة الشيخ رحمه الله بكلام، أهمّ ما جاء فيه: "...... فهي ما أوجب الله علينا من التّوحيد الّذي هو أصل الدّين، وإخلاص العبادة لله وحده وهكذا ما أوجب الله علينا من اتّباع الرّسول ﷺ، والإيمان بأنّه رسول الله، والإيمان بكلّ ما أخبر الله به ورسوله من أمر الجنة والنار والساعة والجنة وغير ذلك والحساب والجزاء كل ذلك داخل في الأمانة.
وهكذا الإيمان بالصلاة والزكاة والصيام والحج والجهاد، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كل ذلك داخل في الأمانة، لابد أن تؤدى هذه الأمور على الوجه الذي شرعه الله، كل ذلك أمانة.....} انتهـ.

ومَن هم الّذين اصطفاهم الله سبحانه لحمل أمانة تبليغ شريعة الإسلام للنّاس، وإرشادهم إلى الطّريق المستقيم ومنهح الله القويم؟

يجيبك عن هذا، الشيخ السعدي رحمه الله في تفسيره للآية: "إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَىٰ آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ (33) ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (34)"

قال رحمه الله في تفسيره الآية: "إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَىٰ آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ (33)"

{ يخبر تعالى باختيار مَن اختاره من أوليائه وأصفيائه وأحبابه، فأخبر أنّه اصطفى آدم، أي: اختاره على سائر المخلوقات، فخلقه بيده ونفخ فيه من روحه، وأمر الملائكة بالسّجود له، وأسكنه جنّته، وأعطاه من العلم والحلم والفضل ما فاق به سائر المخلوقات، ولهذا فضّل بنيه، فقال تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} ، واصطفى نوحا، فجعله أوّل رسول إلى أهل الأرض حين عبدت الأوثان، ووفّقه من الصبر والاحتمال والشكر والدعوة إلى الله في جميع الأوقات ما أوجب اصطفاءه واجتباءه، وأغرق الله أهل الأرض بدعوته، ونجّاه ومَن معه في الفلك المشحون، وجعل ذرّيته هم الباقين، وترك عليه ثناءً يُذكر في جميع الأحيان والأزمان. واصطفى آل إبراهيم وهو إبراهيم خليل الرّحمن الّذي اختصّه الله بخلّته، وبذل نفسه للنّيران وولده للقربان وماله للضّيفان، ودعا إلى ربّه ليلا ونهارا وسرّا وجهارا، وجعله الله أسوة يقتدي به من بعده، وجعل في ذرّيته النبوة والكتاب، ويدخل في آل إبراهيم جميع الأنبياء الّذين بُعِثُوا من بعده لأنّهم من ذرّيته، وقد خصّهم بأنواع الفضائل ما كانوا به صفوة على العالمين، ومنهم سيّد ولد آدم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فإنّ الله تعالى جمع فيه من الكمال ما تفرّق في غيره، وفاق صلى الله عليه وسلم الأوّلين والآخرين، فكان سيّد المرسلين المصطفى من ولد إبراهيم. واصطفى الله آل عمران وهو والد مريم بنت عمران، أو والد موسى بن عمران عليه السلام، فهذه البيوت التي ذكرها الله هي صفوته من العالمين، وتسلسل الصلاح والتوفيق بذريّاتهم..} انتهـ.

ثمّ قال رحمه الله في تفسير الآية التي بعدها: "ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (34)" :
{.. (ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ) أي: حصل التّناسب والتّشابه بينهم في الخلق والأخلاق الجميلة، كما قال تعالى لمّا ذكر جملة من الأنبياء الدّاخلين في ضمن هذه البيوت الكبار، (وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)، (وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) : يعلم مَن يستحق الاصطفاء فيصطفيه ومَن لا يستحق ذلك فيخذله ويرديه، ودلّ هذا على أنّ هؤلاء اختارهم لِمَا علم من أحوالهم الموجبة لذلك فضلا منه وكرما، ومن الفائدة والحكمة في قصّه علينا أخبار هؤلاء الأصفياء أن نحبّهم ونقتدي بهم، ونسأل الله أن يوفّقنا لما وفّقهم، وأن لا نزال نزري أنفسنا بتأخّرنا عنهم وعدم اتّصافنا بأوصافهم ومزاياهم الجميلة، وهذا أيضا من لطفه بهم، وإظهاره الثّناء عليهم في الأوّلين والآخرين، والتّنويه بشرفهم، فلله ما أعظم جوده وكرمه وأكثر فوائد معاملته، لو لم يكن لهم من الشرف إلاّ أن أذكارهم مخلّدة ومناقبهم مؤبّدة لكفى بذلك فضلا. } انتهـ.

وقد أوضح في التّفسير الإمام الطبري رحمه الله بأدقّ المعاني، للآية: "ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ..."، قائلاً:
{....وإنّما جعل " بَعْضُهم مِن بَعْضٍ " في الموالاة في الدّين، والمؤازرة على الإسلام والحق، كما قال جلّ ثناؤه: "وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ" [سورة التوبة: 71]، وقال في موضع آخر: "الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ" [ سورة التوبة: 67]، يعني: أنّ دينهم واحدٌ وطريقتهم واحدة، فكذلك قوله: " ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ "، إنّما معناه: ذريّةً دِينُ بَعْضِهَا دِينُ بَعْض، وكلمتهم واحدةٌ، وملّتهم واحدة في توحيد الله وطاعته، كما:-
6855 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: "ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ"، يقول: في النِيَّة والعمل والإخلاص والتّوحيد له. } انتهـ.

وآيات الله في القرآن كثيرة، تذكر المصطفين الأخيار، وتذكر فضائلهم. على أنّهم يستحقّون بجدارة وقوّة حزم، المكانة التي رفعهم بها الله، في الدنيا والآخرة.

قال الله تعالى: "كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ (29) وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ ۚ نِعْمَ الْعَبْدُ ۖ إِنَّهُ أَوَّابٌ (30)..."
وقال سبحانه في نفس السورة (ص) : "وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ (41) ارْكُضْ بِرِجْلِكَ ۖ هَٰذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ (42) وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنَّا وَذِكْرَىٰ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (43) وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِب بِّهِ وَلَا تَحْنَثْ ۗ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا ۚ نِّعْمَ الْعَبْدُ ۖ إِنَّهُ أَوَّابٌ (44) وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ (45) إِنَّا أَخْلَصْنَاهُم بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ (46) وَإِنَّهُمْ عِندَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ (47) وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ ۖ وَكُلٌّ مِّنَ الْأَخْيَارِ (48) .....".

لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ. Attachment




عبير الإسلام

عدد المساهمات : 1216
تاريخ التسجيل : 16/04/2015

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ. Empty رد: لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ.

مُساهمة من طرف عبير الإسلام الإثنين سبتمبر 16, 2019 12:32 am




لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ. Attachment


الهداية. وما أدراك ما الهداية. نعمة يمنحها الله لِمَن يشاء من عباده. تنشأ من الإخلاص لله في الانقياد، وتنمّيها مدرسة التّوحيد والإيمان..في تربيّةٍ، يرسي قواعدها، معلّمون، زوّدهم الله بـالفقه والحكمة والعلم، والصّبر والمصابرة، في أعلى قيم الإنسانيّة، ما هيّأهم بها لتنفيذ وصيّته، فيما أُمِرُوا به. فبذلوا الغالي والنّفيس، لتحقيق مراد الله في خلقه، بـالعمل بما جاءوا به، في أنفسهم، ودعوة النّاس إلى الاقتداء بهم.

قال الله تعالى:
"شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ ۖ أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ۚ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ ۚ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ (13)"

فهذه وصيّة الله لعباده المصطفين الأخيار، يعرّفهم فيها بـالدّين الذي ارتضاه لهم، ويعلّمهم كيف يقيمون الشّريعة في أنفسهم، وكيف يبلّغونها لغيرهم، وعلى أسس هذه الشّريعة، نعمة من الله وفضلا، يكون اجتماع هؤلاء المتَّبِعين للوصية، المجتبين، الطّائعين، من عباده المرسلين، ومَن تبعهم بإحسان إلى يوم الدّين.

يقول الشيخ السعدي رحمه الله في تفسير الآية:
"شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ ۖ أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ۚ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ ۚ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ"

{ هذه أكبر مِنَّة، أنعم الله بها على عباده، أن شرع لهم من الدّين، خير الأديان وأفضلها، وأزكاها وأطهرها، دين الإسلام، الّذي شرعه الله للمصطفين المختارين من عباده، بل شرعه الله لخيار الخيار، وصفوة الصفوة، وهم أولو العزم من المرسلين المذكورون في هذه الآية، أعلى الخلق درجة، وأكملهم من كلّ وجه.
فـالدِّين الذي شرعه الله لهم، لا بدّ أن يكون مناسبا لأحوالهم، موافقا لـكمالهم، بل إنّما كمّلهم الله واصطفاهم، بسبب قيامهم به، فلولا الدّين الإسلامي، ما ارتفع أحدٌ من الخلق، فهو روح السّعادة، وقطب رحى الكمال، وهو ما تضمّنه هذا الكتاب الكريم، ودعا إليه من التوحيد والأعمال والأخلاق والآداب.

ولهذا قال: { أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ } أي: أمركم أن تقيموا جميع شرائع الدّين: أصوله وفروعه، تقيمونه بأنفسكم، وتجتهدون في إقامته على غيركم، وتعاونون على البر والتّقوى ولا تعاونون على الإثم والعدوان. { وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ } أي: ليحصل منكم الاتّفاق على أصول الدّين وفروعه، واحرصوا على أن لا تفرّقكم المسائل وتحزّبكم أحزابا، وتكونون شيعًا، يعادي بعضكم بعضا مع اتّفاقكم على أصل دينكم.

ومن أنواع الاجتماع على الدّين وعدم التفرق فيه، ما أمر به الشارع من الاجتماعات العامّة، كاجتماع الحج والأعياد، والجُمَع والصّلوات الخمس والجهاد، وغير ذلك من العبادات التي لا تتمّ ولا تكمل إلاّ بالاجتماع لها وعدم التّفرّق.

{ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ } أي: شقّ عليهم غاية المشقّة، حيث دعوتهم إلى الإخلاص للّه وحده، كما قال عنهم: { وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ } وقولهم: { أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ }

{ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ } أي يختار من خليقته مَن يعلم أنّه يصلح للاجتباء لرسالته وولايته ومنه أن اجتبى هذه الأمّة وفضّلها على سائر الأمم، واختار لها أفضل الأديان وخيرها.

{ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ } هذا السّبب الّذي من العبد، يتوصّل به إلى هداية الله تعالى، وهو إنابته لربّه، وانجذاب دواعي قلبه إليه، وكونه قاصدا وجهه، فَـحُسْنُ مَقْصَدِ العبد مع اجتهاده في طلب الهداية، من أسباب التّيسير لها، كما قال تعالى: { يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ }
وفي هذه الآية، أنّ الله { يَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ } مع قوله: { وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ } مع العلم بأحوال الصحابة رضي الله عنهم، وشدّة إنابتهم، دليل على أنّ قولهم حُجّة، خصوصًا الخلفاء الرّاشدين، رضي الله عنهم أجمعين.} انتهـ.


تفسير قوله تعالى: "شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ" / لفضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله


لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ. Attachment


قال الله تعالى:
(فَلِذَٰلِكَ فَادْعُ ۖ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ ۖ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ ۖ وَقُلْ آمَنتُ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِن كِتَابٍ ۖ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ ۖ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ ۖ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ ۖ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ ۖ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا ۖ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (15))

يقول الشيخ السعدي رحمه الله في تفسير الآية:

{ ( فَلِذَلِكَ فَادْعُ ) أي: فللدّين القويم والصّراط المستقيم، الّذي أنزل الله به كتبه وأرسل رسله، فادْعُ إليه أمّتك وحضّهم عليه، وجاهد عليه، مَن لم يقبله، { وَاسْتَقِمْ } بنفسك { كَمَا أُمِرْتَ } أي: استقامة موافقة لأمر الله، لا تفريط ولا إفراط، بل امتثالا لأوامر الله واجتنابا لنواهيه، على وجه الاستمرار على ذلك، فأمره بـتكميل نفسه بلزوم الاستقامة، وبـتكميل غيره بالدعوة إلى ذلك.

ومن المعلوم أنّ أمر الرّسول صلى الله عليه وسلم أمر لأمّته إذا لم يرد تخصيص له.

( وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ ) أي: أهواء المنحرفين عن الدّين، من الكفرة والمنافقين، إمّا باتّباعهم على بعض دينهم، أو بترك الدّعوة إلى الله، أو بترك الاستقامة، فإنّك إن اتّبعت أهواءهم من بعد ما جاءك من العلم إنّك إذا لمن الظالمين، ولم يَقُل: "ولا تتّبع دينهم" لأنّ حقيقة دينهم الّذي شرعه الله لهم، هو دين الرُّسل كلّهم، ولكنّهم لم يتّبعوه، بل اتّبعوا أهواءهم، واتّخذوا دينهم لهوًا ولعبًا.

{ وَقُلْ } لهم عند جدالهم ومناظرتهم: { آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ } أي: لتكن مناظرتك لهم مبنيّة على هذا الأصل العظيم، الدّال على شرف الإسلام وجلالته وهيمنته على سائر الأديان، وأنّ الدّين الّذي يزعم أهل الكتاب أنّهم عليه، جزء من الإسلام، وفي هذا إرشاد إلى أنّ أهل الكتاب إن ناظروا مناظرة مبنيّة على الإيمان ببعض الكتب، أو ببعض الرُّسُل دون غيره، فلا يسلم لهم ذلك، لأنّ الكتاب الذي يدعون إليه، والرّسول الّذي ينتسبون إليه، من شرطه أن يكون مصدّقا بهذا القرآن وبمن جاء به، فكتابنا ورسولنا لم يأمرنا إلاّ بالإيمان بموسى وعيسى والتوراة والإنجيل، التي أخبر بها وصدق بها، وأخبر أنّها مصدّقة له ومقرّة بصحّته.
وأمّا مجرد التوراة والإنجيل، وموسى وعيسى، الذين لم يوصفوا لنا، ولم يوافقوا لكتابنا، فلم يأمرنا بالإيمان بهم.

وقوله: { وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ } أي: في الحكم فيما اختلفتم فيه، فلا تمنعني عداوتكم وبغضكم، يا أهل الكتاب من العدل بينكم، ومن العدل في الحكم، بين أهل الأقوال المختلفة، من أهل الكتاب وغيرهم، أن يقبل ما معهم من الحق، ويردّ ما معهم من الباطل، { اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ } أي: هو ربّ الجميع، لستم بأحقّ به منّا. { لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ } من خير وشرّ. { لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ } أي: بعد ما تبيّنت الحقائق، واتّضح الحق من الباطل، والهدى من الضلال، لم يبقَ للجدال والمنازعة محلّ، لأنّ المقصود من الجدال، إنّما هو بيان الحق من الباطل، ليهتدي الرّاشد، ولتقوم الحجّة على الغاوي، وليس المراد بهذا أنّ أهل الكتاب لا يجادلون، كيف والله يقول: { وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } وإنّما المراد ما ذكرنا.
{ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ } يوم القيامة، فيجزي كلاًّ، بعمله، ويتبيّن حينئذ الصادق من الكاذب.} انتهـ.


تفسير الآية: "فَلِذَٰلِكَ فَادْعُ ۖ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ ۖ.." / لفضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله



اللّهمّ اهدنا وسدّدنا.



عبير الإسلام

عدد المساهمات : 1216
تاريخ التسجيل : 16/04/2015

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ. Empty رد: لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ.

مُساهمة من طرف عبير الإسلام الثلاثاء سبتمبر 17, 2019 3:54 pm




لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ. Attachment


قال الله تعالى:

"الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُولَٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ (82) وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَىٰ قَوْمِهِ ۚ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاءُ ۗ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (83) وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ ۚ كُلًّا هَدَيْنَا ۚ وَنُوحًا هَدَيْنَا مِن قَبْلُ ۖ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَىٰ وَهَارُونَ ۚ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (84) وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَىٰ وَعِيسَىٰ وَإِلْيَاسَ ۖ كُلٌّ مِّنَ الصَّالِحِينَ (85) وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا ۚ وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ (86) وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ ۖ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (87) ذَٰلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ۚ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (88) أُولَٰئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ۚ فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هَٰؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَّيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ (89) أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ ۖ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ ۗ قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا ۖ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَىٰ لِلْعَالَمِينَ (90)"


في هذه الآيات البيّنات، وصف الله عزّوجلّ، الأنبياء والمرسلين،عليهم الصّلاة وأزكى التّسليم، بـالمهتدين، وقد هيّأهم لذلك، ليكونوا قدوةً للعالمين، يبلّغونهم رسالة توحيد ربّ السّماوات والأراضين.
وقد كرّر الله سبحانه، في ذكرهم، بأوصاف الهداية، لأنّها من توفيق ربّ العالمين. ومَن وفّقه الله للطّريق المستقيم، عجز عن ردّه وإضلاله، أبرع دعاة إلى جهنّم من الإنس والشياطين.
اللّهمّ وفّقنا للمنهج القويمّ، واجعلنا من أهل الاستقامة الرّاشدين.


قال الله تعالى:"وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ ۖ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ"

يقول الإمام الطبري رحمه الله في تفسير الآية:

{...قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وهدينا أيضًا من آباء هؤلاء الّذين سماهم تعالى ذكره =" ذريّاتهم وإخوانهم "، آخرين سواهم، لم يسمّهم، للحق والدّين الخالص الذي لا شِرْك فيه, فوفّقناهم له ="وَاجْتَبَيْنَاهُمْ"، يقول: واخترناهم لديننا وبلاغ رسالتنا إلى مَن أرسلناهم إليه, كالّذي اخترنا ممّن سمَّينا.

*
يقال منه: " اجتبى فلان لنفسه كذا "، إذا اختاره واصطفاه،" يجتبيه اجتباء ". (55)
*
وكان مجاهد يقول في ذلك ما:-
13516- حدثني به محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد في قول الله تعالى ذكره: " واجتبيناهم "، قال: أخلصناهم.

.......

=" وهديناهم إلى صراط مستقيم "، يقول: وسدّدناهم فأرشدناهم إلى طريق غير معوجّ, وذلك دين الله الذي لا عِوَج فيه, وهو الإسلام الذي ارتضاه الله ربُّنا لأنبيائه, وأمر به عباده. (56)......} انتهـ.

-----------------------------
(55) انظر تفسير"اجتبى" فيما سلف 7: 427.
(56) انظر تفسير"الصراط المستقيم" فيما سلف 10: 146 ، تعليق: 2 ، والمراجع هناك.


وقال الله عزّوجلّ:"أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ ۖ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ ۗ قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا ۖ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَىٰ لِلْعَالَمِينَ"
قال الإمام القرطبي رحمه اله في تفسير الآية:

{....فبهداهم اقتده : الاقتداء طلب موافقة الغير في فعله . فقيل : المعنى اصبر كما صبروا...}، ثم قال:{...إن هو أي القرآن .
إلا ذكرى للعالمين أي هو موعظة للخلق . وأضاف الهداية إليهم فقال : " فبهداهم اقتده " لوقوع الهداية بهم . وقال : ذلك هدى الله لأنه الخالق للهداية .} انتهـ.

وقال الإمام الطبري رحمه الله:
{...القول في تأويل قوله : (أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ)
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: " أولئك "، هؤلاء القوم الذين وكّلنا بآياتنا وليسوا بها بكافرين, هم الّذين هداهم الله لدينه الحق, وحفظ ما وكّلوا بحفظه من آيات كتابه، والقيام بحدوده، واتّباع حلاله وحرامه، والعمل بما فيه من أمر الله، والانتهاء عمّا فيه من نهيه, فوفّقهم جلّ ثناؤه لذلك =" فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ "، يقول تعالى ذكره: فَبِـالعمل الذي عملوا، والمنهاج الذي سلكوا، وبـالهدى الذي هديناهم، والتّوفيق الذي وفّقناهم ="اقْتَدِهِ"، يا محمد، أي: فاعمل، وخُذ به واسلكه, فإنّه عمل لله فيه رضًا، ومنهاجٌ، مَن سلكه اهتدى.}، ثم قال في أهمّ ما قال: {... - حدثنا علي بن داود قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح, عن علي بن أبي طلحة, عن ابن عباس قال: ثم قال في الأنبياء الذين سماهم في هذه الآية: " فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ ".
*
ومعنى: " الاقتداء " في كلام العرب، بالرّجل: اتّباع أثره، والأخذ بهديه. يُقال: " فلان يقدو فلانًا "، إذا نحا نحوه، واتّبع أثره," قِدَة، وقُدوة وقِدوة وقِدْيَة ". (64)...}، ثم قال في تفسير الآية الأخيرة: " قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ". قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيّه محمد صلى الله عليه وسلم: " قُلْ " لهؤلاء الذين أمرتك أن تذكّرهم بآياتي، أن تبسَل نفس بما كسبت، من مشركي قومك يا محمد: " لا أسألكم "، على تذكيري إيّاكم، والهدى الذي أدعوكم إليه، والقرآن الذي جئتكم به, عوضًا أعتاضه منكم عليه، وأجرًا آخذه منكم, (65) وما ذلك منّي إلا ّتذكير لكم، ولكل مَن كان مثلكم ممّن هو مقيم على باطل، بَأسَ الله أن يَحُلّ بكم، وسَخَطه أن ينـزل بكم على شرككم به وكفركم = وإنذارٌ لجميعكم بين يدي عذاب شديد, لتذكروا وتنـزجروا. (66)
----------------------------------
(64) في المطبوعة: "كتب مكان"وقدية""وقدوة" ، وهو خطأ صرف ، خالف ما في المخطوطة وهو الصواب.
(65) انظر تفسير"الأجر فيما سلف من فهارس اللغة (أجر).
(66) انظر تفسير"ذكرى" فيما سلف ص: 439.} انتهـ النقل.

وقال الشيخ السعدي رحمه الله، في تفسير الآية: "أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ ۖ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ ۗ قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا ۖ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَىٰ لِلْعَالَمِينَ"
{ أُولَئِكَ } المذكورون { الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ } أي: امش -أيها الرسول الكريم- خلف هؤلاء الأنبياء الأخيار، واتبع ملتهم وقد امتثل صلى الله عليه وسلم، فاهتدى بهدي الرسل قبله، وجمع كل كمال فيهم. فاجتمعت لديه فضائل وخصائص، فاق بها جميع العالمين، وكان سيد المرسلين، وإمام المتقين، صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين، وبهذا الملحظ، استدل بهذه مَن استدل من الصحابة، أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، أفضل الرسل كلهم.
{ قُلْ } للذين أعرضوا عن دعوتك: { لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا } أي: لا أطلب منكم مغرما ومالا، جزاء عن إبلاغي إياكم، ودعوتي لكم فيكون من أسباب امتناعكم، إن أجري إلا على الله. { إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ } يتذكرون به ما ينفعهم، فيفعلونه، وما يضرهم، فيذرونه، ويتذكرون به معرفة ربّهم بأسمائه وأوصافه. ويتذكرون به الأخلاق الحميدة، والطرق الموصلة إليها، والأخلاق الرذيلة، والطرق المفضية إليها، فإذا كان ذكرى للعالمين، كان أعظم نعمة أنعم الله بها عليهم، فعليهم قبولها والشكر عليها.} انتهـ.


لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ. Attachment




عبير الإسلام

عدد المساهمات : 1216
تاريخ التسجيل : 16/04/2015

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ. Empty رد: لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ.

مُساهمة من طرف عبير الإسلام الثلاثاء سبتمبر 17, 2019 11:34 pm




لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ. Attachment

قال الله تعالى:
"وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ ۖ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ (73)"

قال الشيخ السعدي رحمه الله في تفسير الآية:

( {ومن صلاحهم، أنّه جعلهم أئمّة يهدون بأمره، وهذا من أكبر نعم الله على عبده أن يكون إماما يهتدي به المهتدون، ويمشي خلفه السالكون، وذلك لمّا صبروا، وكانوا بآيات الله يوقنون.

وقوله: { يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا ْ} أي: يهدون الناس بديننا، لا يأمرون بأهواء أنفسهم، بل بأمر الله ودينه، واتباع مرضاته، ولا يكون العبد إماما حتى يدعو إلى أمر الله.
{ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ ْ} يفعلونها ويدعون الناس إليها، وهذا شامل لجميع الخيرات كلها، من حقوق الله، وحقوق العباد.
{ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ ْ} هذا من باب عطف الخاص على العام، لشرف هاتين العبادتين وفضلهما، ولأنّ مَن كمّلهما كما أمر، كان قائما بدينه، ومَن ضيعهما، كان لما سواهما أضيع، ولأنّ الصلاة أفضل الأعمال، التي فيها حقّه، والزكاة أفضل الأعمال، التي فيها الإحسان لخلقه.

{ وَكَانُوا لَنَا ْ} أي: لا لغيرنا { عَابِدِينَ ْ} أي: مديمين على العبادات القلبية والقولية والبدنية في أكثر أوقاتهم، فاستحقّوا أن تكون العبادة وصفهم، فاتّصفوا بما أمر الله به الخلق، وخلقهم لأجله.) انتهـ.

لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ. Attachment

قال الله تعالى:"وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَلَا تَكُن فِي مِرْيَةٍ مِّن لِّقَائِهِ ۖ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ (23)وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا ۖ وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ (24)"

يقول الإمام الطبري رحمه الله في تفسير الآية: "وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَلَا تَكُن فِي مِرْيَةٍ مِّن لِّقَائِهِ ۖ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ"

( يقول تعالى ذكره: ولقد آتينا موسى التوراة، كما آتيناك الفرقان يا محمد ( فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ ) يقول: فلا تكن في شكّ من لقائه، فكان قتادة يقول: معنى ذلك: فلا تكن في شكّ من أنّك لقيته، أو تلقاه ليلة أُسري بك، وبذلك جاء الأثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة عن أبي العالية الرياحي، قال: حدثنا ابن عمّ نبيكم -يعني: ابن عباس- قال: قال نبيّ الله صلى الله عليه وسلم: " أُرِيتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي مُوسَى بنَ عِمْرَانَ رَجُلا آدَمَ طِوَالا جَعْدًا، كأنَّهُ مِنْ رجالِ شَنُوءَةَ، ورأيْتُ عِيسَى رَجُلا مَربُوعَ الخَلْقِ إلى الحُمْرَةِ والبياضِ، سَبْطَ الرأسِ ورأيْتُ مالِكا خازِنَ النَّارِ، والدَّجَّالَ" فِي آياتٍ أرَاهنَّ اللهُ إيَّاهُ، ( فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ ) أنّه قد رأى موسى، ولقى موسى ليلة أُسري به.
وقوله: ( وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ ) يقول تعالى ذكره: وجعلنا موسى هدى لبني إسرائيل، يعنى: رشادا لهم، يرشدون باتّباعه، ويصيبون الحقّ بالاقتداء به، والائتمام بقوله.

وبالذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ) قال: جعل الله موسى هدى لبني إسرائيل.

وقوله: (وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أئمَّةً) يقول تعالى ذكره: وجعلنا من بني إسرائيل، أئمّة، وهي جمع إمام، والإمام الذي يُؤْتَمّ به في خير أو شرّ، وأريد بذلك في هذا الموضع أنّه جعل منهم قادة في الخير، يؤتمّ بهم، ويُهْتَدى بهديهم.
كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أئمَّةً يَهدُونَ بأمْرِنا) قال: رؤساء في الخير. وقوله: (يَهْدُونَ بأمْرِنا) يقول تعالى ذكره: يهدون أتباعهم وأهل القبول منهم بإذننا لهم بذلك، وتقويتنا إياهم عليه.

وقوله: (لَمَّا صَبرُوا) اختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء المدينة والبصرة، وبعض أهل الكوفة (لَمَّا صَبرُوا) بفتح اللام وتشديد الميم، بمعنى: إذ صبروا، وحين صبروا، وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة (لِمَا) بكسر اللام وتخفيف الميم بمعنى: لِـصبرهم عن الدنيا وشهواتها، واجتهادهم في طاعتنا، والعمل بأمرنا، وذُكر أنّ ذلك فى قراءة ابن مسعود (بِمَا صَبَرُوا) وما إذا كسرت اللام من (لِمَا) في موضع خفض، وإذا فتحت اللام وشدّدت الميم، فلا موضع لها، لأنّها حينئذ أداة.

والقول عندي في ذلك أنّهما قراءتان مشهورتان متقاربتا المعنى، قد قرأ بكل واحدة منهما عامّة من القراء فبأيّتهما قرأ القارئ فمصيب. وتأويل الكلام إذا قُرئ ذلك بفتح اللام وتشديد الميم، وجعلنا منهم أئمّة يهدون أتباعهم بإذننا إيّاهم، وتقويتنا إيّاهم على الهداية، إذ صبروا على طاعتنا، وعزفوا أنفسهم عن لذّات الدنيا وشهواتها. وإذا قرئ بكسر اللام (1) على ما قد وصفنا.

وقد حدثنا ابن وكيع، قال: قال أبي، سمعنا في (وَجَعَلْنا مْنِهُمْ أئمَّةً يهدون بأمْرِنا لَمَّا صَبروا) قال: عن الدنيا.
وقوله: (وكانُوا بآياتِنا يُوقِنُونَ) يقول: وكانوا أهل يقين بما دلّهم عليه حججنا، وأهل تصديق بما تبيّن لهم من الحقّ، وإيمان برسلنا، وآيات كتابنا وتنـزيلنا.
-------------------
الهوامش :
(1) لعله فيكون على ... إلخ .) انتهـ.

لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ. Attachment

وفسّر الآيتين، الشيخ السعدي رحمه الله على النحو التّالي: "وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَلَا تَكُن فِي مِرْيَةٍ مِّن لِّقَائِهِ ۖ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ (23)وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا ۖ وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ (24)"

{ لمّا ذكر تعالى، آياته التي ذكر بها عباده، وهو: القرآن، الذي أنزله على محمد صلى اللّه عليه وسلم، ذكر أنّه ليس ببدع من الكتب، ولا مَن جاء به، بغريب من الرسل، فقد آتى الله موسى الكتاب الذي هو التوراة المصدقة للقرآن، التي قد صدقها القرآن، فتطابق حقّهما، وثبت برهانهما، { فَلَا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ } لأنّه قد تواردت أدلّة الحقّ وبيناته، فلم يبق للشك والمرية، محلّ.
{ وَجَعَلْنَاهُ } أي: الكتاب الذي آتيناه موسى { هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ } يهتدون به في أصول دينهم، وفروعه وشرائعه موافقة لذلك الزمان، في بني إسرائيل.
وأمّا هذا القرآن الكريم، فجعله اللّه هداية للناس كلّهم، لأنّه هداية للخلق، في أمر دينهم ودنياهم، إلى يوم القيامة، وذلك لكماله وعلوه { وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ }

ثمّ قال رحمه الله

{ وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ } أي: من بني إسرائيل { أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا } أي: علماء بالشرع، وطرق الهداية، مهتدين في أنفسهم، يهدون غيرهم بذلك الهدى، فـالكتاب الذي أنزل إليهم، هدى، والمؤمنون به منهم، على قسمين: أئمّة يهدون بأمر اللّه، وأتباع مهتدون بهم.

والقسم الأول: أرفع الدرجات بعد درجة النبوّة والرسالة، وهي درجة الصدّيقين، وإنّما نالوا هذه الدرجة العالية بالصّبر على التّعلم والتّعليم، والدعوة إلى اللّه، والأذى في سبيله، وكفّوا أنفسهم عن جماحها في المعاصي، واسترسالها في الشهوات.
{ وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ } أي: وصلوا في الإيمان بآيات اللّه، إلى درجة اليقين، وهو العلم التام، الموجب للعمل، وإنما وصلوا إلى درجة اليقين، لأنهم تعلموا تعلمًا صحيحًا، وأخذوا المسائل عن أدلتها المفيدة لليقين.
فما زالوا يتعلمون المسائل، ويستدلون عليها بكثرة الدلائل، حتى وصلوا لذاك، فبالصبر واليقين، تُنَالُ الإمامة في الدين.} انتهـ




عبير الإسلام

عدد المساهمات : 1216
تاريخ التسجيل : 16/04/2015

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ. Empty رد: لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ.

مُساهمة من طرف عبير الإسلام الإثنين سبتمبر 23, 2019 9:54 pm




لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ. Acio_o10


ولتحقيق هداية التوفيق إلى سواء الطّريق، أعان الله سبحانه، عباده، بإرسال الرُّسُل، ليبيّنوا لهم ما نُزِّلَ إليهم من كتبٍ فيها الحياة والسّعادة والنّجاة.

وبـإرسال الرًّسل كما أسلفنا، تتمّ هداية الدّلالة والبيان، والتّوجيه، والدّعوة إلى الله، التي اصطفى لها ربّنا عزّوجلّ، أحسن عباده، خَلْقًا وخُلُقًا. فهيّأهم لتبليغ رسالة التّوحيد، فكان الإخلاص والصّبر والحِلم والحكمة، قائد الصّفات التي حملها أنبياء الله ورسله. حتّى يتمكّنوا من مواجهة، الّذين يبلّغونهم، بحزمٍ وقوّة وثبات. (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين).
وقد بيّن الله سبحانه، في كتابه القرآن، صفات الأنبياء والرُّسل عليهم الصّلاة والسّلام، وأثنى عليهم أبلغ الثناء، حتّى يقتدي بهم، مَن تبعوا سبيلهم، واهتدوا بهديهم، لتكون دعوتهم إلى الله على بصيرة وعلم وحكمة وصبر وثبات.
ولقد عدّد الشيخ عبدالعزيز بن باز، جملة من صفات الدّعاة إلى الله وأخلاقهم. حيث قال رحمه الله، في موضوع عناونه: "الدّعوة إلى الله وأخلاق الدّعاة":
{.....أمّا أخلاق الدعاة وصفاتهم التي ينبغي أن يكونوا عليها، فقد أوضحها الله جلّ وعلا في آيات كثيرة، في أماكن متعددة من كتابه الكريم.
-أولاً منها: الإخلاص، فيجب على الداعية أن يكون مخلصا لله عزّ وجل، لا يريد رياء ولا سمعة، ولا ثناء الناس ولا حمدهم، إنّما يدعو إلى الله يريد وجهه عز وجل، كما قال سبحانه: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ [يوسف:108] وقال عز وجل: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ [فصلت:33] فعليك أن تخلص لله عز وجل، هذا أهمّ الأخلاق، هذا أعظم الصّفات أن تكون في دعوتك، تريد وجه الله والدار الآخرة.
-ثانيا: أن تكون على بيّنة في دعوتك أي على علم، لا تكن جاهلا بما تدعو إليه: "قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ" [يوسف:108] فلا بد من العلم، فالعلم فريضة، فإيّاك أن تدعو على جهالة، وإيّاك أن تتكلّم فيما لا تعلم، فالجاهل يهدّم ولا يبني، ويفسد ولا يصلح، فاتّق الله يا عبد الله، إيّاك أن تقول على الله بغير علم، لا تدعو إلى شيء إلاّ بعد العلم به، والبصيرة بما قاله الله ورسوله، فلا بدّ من بصيرة وهي العلم، فعلى طالب العلم وعلى الداعية، أن يتبصّر فيما يدعو إليه، وأن ينظر فيما يدعو إليه ودليله، فإن ظهر له الحقّ وعرفه دعا إلى ذلك، سواء كان ذلك فعلاً أو تركاً، فيدعو إلى الفعل إذا كان طاعة لله ورسوله، ويدعو إلى ترك ما نهى الله عنه ورسوله على بيّنة وبصيرة.
-ثالثا: من الأخلاق التي ينبغي لك أن تكون عليها أيّها الداعية، أن تكون حليماً في دعوتك، رفيقاً فيها، متحمّلاً صبورًا، كما فعل الرسل عليهم الصلاة والسلام، إيّاك والعجلة، إيّاك والعنف والشدّة، عليك بالصبر، عليك بالحلم، عليك بالرِّفق في دعوتك، وقد سبق لك بعض الدليل على ذلك كقوله جل وعلا: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [النحل:125] وقوله سبحانه: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ [آل عمران:159] الآية وقوله جل وعلا في قصة موسى وهارون: فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى [طه:44] وفي الحديث الصحيح يقول النبي ﷺ: "اللّهمّ مَن ولي من أمر أمتي شيئا فرفق بهم فارفق به ومَن ولي من أمر أمتي شيئا فشقّ عليهم فاشقق عليه" خرجه مسلم في الصحيح،
فعليك يا عبد الله أن ترفق في دعوتك، ولا تشق على الناس، ولا تنفّرهم من الدّين، ولا تنفّرهم بغلظتك ولا بجهلك، ولا بأسلوبك العنيف المؤذي الضار، عليك أن تكون حليماً صبورًا، سلس القياد، ليّن الكلام، طيّب الكلام، حتى تؤثّر في قلب أخيك، وحتّى تؤثر في قلب المدعو، وحتى يأنس لدعوتك ويلين لها، ويتأثر بها، ويثني عليك بها ويشكرك عليها، أما العنف فهو منفّر لا مقرّب، ومفرّق لا جامع.
-ومن الأخلاق والأوصاف التي ينبغي، بل يجب أن يكون عليها الداعية، العمل بدعوته، وأن يكون قدوة صالحة فيما يدعو إليه، ليس مَن يدعو إلى شيء ثم يتركه، أو ينهى عنه ثم يرتكبه، هذه حال الخاسرين نعوذ بالله من ذلك، أمّا المؤمنون الرّابحون فهم دعاة الحق يعملون به وينشطون فيه ويسارعون إليه، ويبتعدون عمّا ينهون عنه، قال الله جل وعلا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ [الصف:2-3] وقال سبحانه موبّخا اليهود على أمرهم الناس بالبر ونسيان أنفسهم: أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ [البقرة:44]. وصحّ عن النبي ﷺ أنّه قال: "يؤتى بالرجل يومم القيامة فيلقى في النار فتندلق أقتاب بطنه فيدور فيها كما يدور الحمار بالرحى، فيجتمع عليه أهل النار فيقولون له يا فلان ألم تكن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر فيقول بلى كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه وأنهاكم عن المنكر وآتيه". هذه حال من دعا إلى الله وأمر بالمعروف ونهى عن المنكر، ثم خالف قوله فعله وفعله قوله، نعوذ بالله من ذلك.
فمن أهمّ الأخلاق ومن أعظمها في حق الداعية، أن يعمل بما يدعو إليه، وأن ينتهي عما ينهى عنه، وأن يكون ذا خلق فاضل، وسيرة حميدة، وصبر ومصابرة، وإخلاص في دعوته، واجتهاد فيما يوصل الخير إلى الناس، وفيما يبعدهم من الباطل، ومع ذلك يدعو لهم بالهداية، هذا من الأخلاق الفاضلة، أن يدعو لهم بالهداية ويقول للمدعو: هداك الله، وفّقك الله لقبول الحق، أعانك الله على قبول الحق، تدعوه وترشده وتصبر على الأذى، ومع ذلك تدعو له بالهداية، قال النبي عليه الصلاة والسلام لمّا قيل عن (دوس) إنّهم عصوا، قال: اللّهمّ اهْدِ دوسا وأتِ بهم.
تدعو له بالهداية والتوفيق لقبول الحق، وتصبر وتصابر في ذلك، ولا تقنط ولا تيأس ولا تقل إلا خيراً، لا تعنف ولا تقل كلاماً سيّئاً ينفّر من الحق، ولكن مَن ظلم وتعدّى له شأن آخر، كما قال الله جلّ وعلا: وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ [العنكبوت:46]
فالظالم الذي يقابل الدعوة بالشر والعناد والأذى، له حكم آخر، في الإمكان تأديبه على ذلك بالسجن أو غيره، ويكون تأديبه على ذلك على حسب مراتب الظلم، لكن ما دام كافاً عن الأذى، فعليك أن تصبر عليه، وتحتسب وتجادله بالتي هي أحسن، وتصفح عمّا يتعلق بشخصك من بعض الأذى، كما صبر الرسل وأتباعهم بإحسان.
وأسأل الله عز وجل أن يوفّقنا جميعاً لحسن الدّعوة إليه، وأن يصلح قلوبنا وأعمالنا، وأن يمنحنا جميعا الفقه في دينه، والثبات عليه، ويجعلنا من الهداة المهتدين، والصالحين المصلحين، إنّه جلّ وعلا جواد كريم،
وصلّى الله وسلّم وبارك على عبده ورسوله نبيّنا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدّين[1]. ..
--------------------------------
[1] - هذا الموضوع نشر في رسالة برقم ٤٨ عام ١٤٠٢هـ عن الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، وقد نشر في مجلة البحوث الإسلامية العدد الرابع الصادر من محرم إلى جمادى الآخرة عام ١٣٩٨ هـ، (مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز 1/ 324).


المصدر


لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ. C_iao_10


و قبل تطرّق الشيخ ابن باز رحمه الله لـصفات الدّعاة وأخلاقهم، قد ذكر الدّعوة إلى الله و أهميّتها وفضلها، ثمّ ذكر:

كيفية أدائها وأساليبها:

أمّا كيفية الدعوة وأسلوبها فقد بينها الله عز وجل في كتابه الكريم، وفيما جاء في سُنّة نبيّه عليه الصلاة والسلام، ومن أوضح ذلك قوله جلّ وعلا: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [النحل:125] فأوضح سبحانه الكيفية التي ينبغي أن يتّصف بها الداعية ويسلكها يبدأ أولا بـالحكمة، والمراد بها الأدلة المقنعة الواضحة الكاشفة للحق، والداحضة للباطل، ولهذا قال بعض المفسرين المعنى بـ القرآن، لأنّه الحكمة العظيمة، لأنّ فيه البيان والإيضاح للحق بأكمل وجه، وقال بعضهم معناه بـالأدلة من الكتاب والسُّنَّة، وبكل حال، فـالحكمة كلمة عظيمة، معناها الدّعوة إلى الله بالعلم والبصيرة، والأدلة الواضحة المقنعة الكاشفة للحق، والمبيّنة له، وهي كلمة مشتركة تطلق على معان كثيرة، تطلق على النبوة وعلى العلم والفقه في الدين وعلى العقل، وعلى الورع وعلى أشياء أخرى، وهي في الأصل كما قال الشوكاني رحمه الله: الأمر الذي يمنع عن السفه، هذه هي الحكمة، والمعنى: أنّ كل كلمة وكلّ مقالة تردعك عن السّفه، وتزجرك عن الباطل فهي حكمة، وهكذا كلّ مقال واضح صريح، صحيح في نفسه، فهو حكمة، فـالآيات القرآنية أولى بأن تسمّى حكمة، وهكذا السُّنَّة الصحيحة أولى بأن تسمى حكمة بعد كتاب الله، وقد سمّاها الله حكمة في كتابه العظيم، كما في قوله جل وعلا: وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ [البقرة:129] يعني السُّنَّة، وكما في قوله سبحانه: يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا [البقرة:269] الآية، فالأدلة الواضحة تسمّى حكمة، والكلام الواضح المصيب للحق، يسمى حكمة كما تقدم، ومن ذلك الحكمة التي تكون في فم الفرس: وهي بفتح الحاء والكاف سميت بذلك، لأنها تمنع الفرس من المضي في السير، إذا جذبها صاحبها بهذه الحكمة.
فالحكمة كلمة تمنع مَن سمعها من المضي في الباطل، وتدعوه إلى الأخذ بالحق والتأثر به، والوقوف عند الحدّ الذي حدّه الله عزّ وجل، فعلى الداعية إلى الله عز وجل أن يدعو بالحكمة، ويبدأ بها ويعنى بها، فإذا كان المدعو عنده بعض الجفا والاعتراض، دعوته بالموعظة الحسنة بالآيات والأحاديث التي فيها الوعظ والترغيب، فإن كان عنده شبهة جادلته بالتي هي أحسن، ولا تغلظ عليه، بل تصبر عليه ولا تعجل ولا تعنف، بل تجتهد في كشف الشبهة، وإيضاح الأدلة بالأسلوب الحسن، وهكذا ينبغي لك أيها الداعية، أن تتحمّل وتصبر ولا تشدد، لأنّ هذا أقرب إلى الانتفاع بالحق وقبوله وتأثر المدعو، وصبره على المجادلة والمناقشة، وقد أمر الله جل وعلا موسى وهارون لمّا بعثهما إلى فرعون أن يقولا له قولا لينا وهو أطغى الطغاة، قال الله جل وعلا في أمره لموسى وهارون: فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى [طه:44] وقال الله سبحانه في نبيّه محمد عليه الصلاة السلام: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ [آل عمران:159] الآية، فعلم بذلك أن الأسلوب الحكيم والطريق المستقيم في الدعوة أن يكون الداعي حكيما في الدعوة، بصيرا بأسلوبها، لا يعجل ولا يعنف، بل يدعو بالحكمة، وهي المقال الواضح المصيب للحق من الآيات والأحاديث، وبـالموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن هذا هو الأسلوب الذي ينبغي لك في الدعوة إلى الله عز وجل، أمّا الدعوة بالجهل فهذا يضر ولا ينفع، كما يأتي بيان ذلك إن شاء الله عند ذكر أخلاق الدعاة، لأنّ الدعوة مع الجهل بالأدلة، قول على الله بغير علم، وهكذا الدعوة بالعنف والشدّة ضررها أكثر، وإنّما الواجب والمشروع هو الأخذ بما بيّنه الله عز وجل في سورة النحل وهو قوله سبحانه: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ [النحل:125] الآية، إلاّ إذا ظهر من المدعو العناد والظلم، فلا مانع من الإغلاظ عليه كما قال الله سبحانه: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ [التحريم:9] الآية، وقال تعالى: وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ [العنكبوت:46]

المصدر


لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ. Eyaa_a10


وقد شرح رسالة الشيخ ابن باز رحمه الله:"الدعوة إلى الله وأخلاق الدّعاة"، فضيلة الشيخ عبدالله البخاري حفظه الله ورعاه.
فإليكموها:

شرح الدعوة إلى الله وأخلاق الدعاة لابن باز


عبير الإسلام

عدد المساهمات : 1216
تاريخ التسجيل : 16/04/2015

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ. Empty رد: لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ.

مُساهمة من طرف عبير الإسلام الثلاثاء أكتوبر 01, 2019 7:59 pm




لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ. Attachment

فالله قد هدى أنبياءه ورسله (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين)، ويهدي مَن يشاء إلى طريق مستقيم.

قال الله تعالى: "وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا".

فقد وصف الله نفسه أنّه هاديًا إلى الطريق المستقيم، ولولا منّة الله بالهداية، مااهتدى أحد.
سئل الشيخ العثيمين رحمه الله: هل من أسماء الله عز وجل:...ثمّ ذكر السائل: "الهادي".
فأجاب رحمه الله، عن السؤال:"....أمّا: "الهادي" فبعض العلماء أثبته من أسماء الله، وبعضهم قال: بل هذا من أوصاف الله وليس إسماً....." انتهـ. (1)

فـالهادي هو الله، والمعين هو الله، المسدّد إلى الطّريق المستقيم.

قال الله تعالى: "وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَىٰ دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (25)"

قال الإمام ابن كثير رحمه الله في تفسير الآية:

{ وقوله : (وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَىٰ دَارِ السَّلَامِ) الآية : لمّا ذكر تعالى الدنيا وسرعة [ عطبها و ] زوالها ، رغّب في الجنّة ودعا إليها ، وسمّاها دار السلام أي : من الآفات ، والنقائص والنكبات ، فقال: ( وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَىٰ دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ) .
قال أيوب عن أبي قلابة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "قيل لي: لِتنَم عينك ، ولْيَعْقِل قلبك ، ولْتَسْمَع أذنك. فنامت عيني ، وعقل قلبي ، وسمعت أذني . ثم قيل : سيّد بنى دارا، ثم صنع مأدبة، وأرسل داعيًا، فمَن أجاب الدّاعي دخل الدار، وأكل من المأدبة، ورضي عنه السيّد، ومَن لم يجب الدّاعي لم يدخل الدار، ولم يأكل من المأدبة، ولم يرضَ عنه السيّد. فالله السيد، والدار الإسلام، والمأدبة الجنة، والدّاعي محمد صلى الله عليه وسلم .
وهذا حديث مرسل، وقد جاء متّصلا من حديث الليث، عن خالد بن يزيد عن سعيد بن أبي هلال، عن جابر بن عبد الله، رضي الله عنه، قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فقال: "إنّي رأيت في المنام كأن جبريل عند رأسي، وميكائيل عند رجلي، يقول أحدهما لصاحبه: اضرب له مثلا . فقال: اسمع سمعت أذنك، واعقل عقل قلبك، إنّما مثلك ومثل أمتك كمثل ملك اتّخذ دارا، ثم بنى فيها بيتا، ثم جعل فيها مأدبة، ثم بعث رسولا يدعو الناس إلى طعامه، فمنهم مَن أجاب الرسول، ومنهم مَن تركه، فالله الملك، والدار الإسلام، والبيت الجنّة، وأنت يا محمد الرسول، فمَن أجابك دخل الإسلام، ومَن دخل الإسلام دخل الجنّة ، ومَن دخل الجنّة أكل منها" رواه ابن جرير .
وقال قتادة: حدثني خليد العصري، عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من يوم طلعت فيه شمسه إلاّ وبجنبتيها ملكان يناديان يسمعهما خلق الله كلّهم إلاّ الثّقلين: يا أيّها الناس، هلمّوا إلى ربّكم، إنّ ما قلّ وكفى، خير ممّا كثر وألهى". قال: وأنزل ذلك في القرآن، في قوله: (وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَىٰ دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) رواه ابن أبي حاتم ، وابن جرير .} انتهـ.


قال العلاَّمة ابن قيِّم الجوزية عليه رحمة الله، في كتاب: (إعلام الموقعين عن رب العالمين):

(( الفائدة الحادية والستون:

حقيق بالمفتي أن يكثر الدعاء بالحديث الصحيح:

"اللهُمَّ رَبَّ جِبْرَائِيل وَمِيكائِيلَ وَإسْرَافِيلَ، فَاطِرَ السَّماوَاتِ وَالأرْض، عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَة، أَنْتَ تَحْكُمْ بَيْنَ عِبَادِكَ فِيما كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ. اهْدِنِي لِمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإذْنِكَ، إنّكَ تَهْدِى مَنْ تَشَاءُ إلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيم"

وكان شيخُنا كثيرَ الدعاء بذلك، وكان إذا اشكلت عليه المسائل يقول: "يا معلم إبراهيم علّمني"، ويكثر الاستغاثة بذلك اقتداءً بمعاذ بن جبل رضى الله عنه حيث قال لمالك بن يخامر السكسكي عند موته، - وقد رآه يبكي - فقال: والله ما أبكي على دنيا كنت أصيبها منك، ولكن أبكي على العلم والإيمان اللّذين كنت أتعلّمهما منك. فقال معاذ بن جبل رضى الله عنه: "إنّ العلم والايمان مكانهما مَن ابتغاهما وجدهما، اطلب العلم عند أربعة عند عويمر أبي الدرداء، وعند عبد الله بن مسعود، وابي موسى الاشعري، وذكر الرابع فإن عجز عنه هؤلاء فسائر أهل الأرض عنه أعجز فعليك بمعلّم إبراهيم صلوات الله عليه".

وكان بعض السلف يقول عند الافتاء: {سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمً}، وكان مكحول يقول: "لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم"، وكان مالك يقول: "ما شاء الله لا قوة إلا بالله العلي العظيم"، وكان بعضهم يقول: {رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي، وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي، وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي، يَفْقَهُوا قَوْلِيً}، وكان بعضهم يقول: "اللّهمّ وفّقني واهدني وسدّدني واجمع لي بين الصواب والثواب واعذني من الخطأ والحرمان"، وكان بعضهم يقرأ الفاتحة، وجربنا ذلك نحن، فرأيناه من أقوى أسباب الإصابة.

والمعول في ذلك كلّه على حسن النية، وخلوص القصد، وصدق التوجه في الاستمداد من المعلِّم الأول، معلِّم الرسل والأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم، فإنّه لا يرُدُّ من صَدَق في التّوجّه إليه لتبليغ دينه وإرشاد عبيده ونصيحتهم والتخلص من القول عليه بلا علم، فإذا صدقت نيّتُه ورغبته في ذلك لم يعدم أجراً إن فاته أجران والله المستعان.

وسئل الإمام أحمد، فقيل له: "ربّما اشتد علينا الأمر من جهتك فمَن نسأل بعدك؟"، فقال: "سلوا عبد الوهاب الوراق فإنّه أهل أن يوفَّقَ للصواب"، واقتدى الإمام أحمد بقول عمر بن الخطاب رضى الله عنه: "اقتربوا من افواه المطيعين واسمعوا منهم ما يقولون، فإنّهم تُجلَّى لهم أمورٌ صادقة، وذلك لقرب قلوبهم من الله، وكُلَّمَا قَرُبَ القلبُ من الله زالت عنه معارضاتُ السَّوء، وكان نور كشفه للحق أتمَّ وأقوى، وكلما بَعُد عن الله كَثُرَت عليه المعارضات، وضَعُفَ نُور كشفِه للصَّواب، فإنَّ العلم نورٌ يقذفه الله في القلب، يفرق به العبد بين الخطأ والصواب".

وقال مالك للشافعي رضى الله عنهما في أوَّل ما لقيه: "إنّي أرى الله قد ألقى على قلبك نورا، فلا تطفئه بظلمة المعصية

وقد قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً} ومن الفرقان: النّور الذي يفرّق به العبد بين الحق والباطل، وكلّما كان قلبه أقرب إلى الله كان فرقانه أتمّ، وبالله التوفيق. )) انتهـ. (2).
-----------------------------
- (1)- مجموع فتاوى و رسائل الشيخ محمد صالح العثيمين المجلد الأول - باب الأسماء والصفات.
- (2)- (المجلد:6، ص:197-199).



عبير الإسلام

عدد المساهمات : 1216
تاريخ التسجيل : 16/04/2015

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ. Empty رد: لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ.

مُساهمة من طرف عبير الإسلام الخميس أكتوبر 03, 2019 3:00 pm




لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ. Attachment

هداية التّوفيق وعلاقتها بعمل المطيق

إنّ الهداية التي هي توفيق الله، لعبده، حتّى يعرف الحقّ والخير والصّواب، و-يعمل- بمقتضى هذه المعرفة، العمل، الّذي، صلاحه، ينطلق من الإخلاص لله وحده، لايشوبه رياء ولا سمعة، ولا حبّ ظهور، ينال به متاع الدنيا الزّائلة. وأشدّها خسارة: حبّ الرياسة، والسيطرة على رقاب النّاس.

وهداية التّوفيق، هذه، تكمن، أصلاً، في أداتين: "لِمَ"؟ و "كيف"؟.

قال الصحابي الجليل عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: "المخلص لربّه، كالماشي على الرّمل، لاتسمع خطواته، ولكن ترى آثاره".
تلك الخطوات التي يقدّم فيها علمًا نافعا، يثمر عملاً صالحًا. لايريد به إلاّ الله والدّار الآخرة.
فالّذين يكثرون من ترديد المثل:" نسمع جعجعة، ولانرى طحينًا"، قد أصاب بعضهم، في القول، حين دعا إلى العمل بـ"لِمَ"، و"كيف". فأحسن الدّعوة إلى الله بالمنهج الربّاني الصّحيح.(1)
ووقع بعضهم، في الجعجعة مع فقدان الطّحين، دون أن يشعروا، لأنّهم، ركّزوا على "كيف"، وأهملوا "لِمَ"، التي تقوم عليها الأعمال الصّالحة في الإسلام. إذ لا تقوم "كيف" على قدم القوّة في إصلاح العمل، حتّى تكون "لِمَ" رأس كلّ عمل، يتقبّله الله من عباده المسلمين.

فـ: "لِمَ"، التي تعني إخلاص العمل لله، هي أساس"كيف" التي تعني، الطّريق الذي يحرّك المسلم، ويقوده إلى تحقيق مبتغاه في سيره إلى الله، الّذي هو متابعة ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، من ، السُّنّة الّتي هي وحيٌ يفسّر ما جاء في كلام الله القرآن، الّذي هو الوحي الصّادر من الله، بـشريعةٍ، فيها الخير والهدى للنّاس، والنّجاة.

وقد قيل أنّ من آثار التّابعي الحسن البصري رحمه الله، يقول فيه: "ليس الإيمان بالتّمنّي ولكن ما وقر في القلب وصدّقه العمل". إذ الإيمان اعتقاد وقول وعمل، يزيد بالطّاعة وينقص بالمعصية.
وليس هناك، مؤمن حقيقيّ، إلاّ وعنده عمل ولو كان ضئيلاً.

قال الله تعالى: "مَن جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا ۖ وَمَن جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَىٰ إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ".

قال الشيخ السعدي رحمه الله في تفسير الآية:

{ ثم ذكر صفة الجزاء فقال: (مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِالقولية والفعلية، الظاهرة والباطنة، المتعلّقة بـحقّ الله أو حقّ خلقه، (فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا) هذا أقلّ ما يكون من التّضعيف. (وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا) وهذا من تمام عدله تعالى وإحسانه، وأنّه لا يظلم مثقال ذرّة، ولهذا قال: (وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ) } انتهـ.

وقال الإمام البغوي رحمه الله في تفسير الآية:
{ قوله - عز وجل - : (مَن جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا) أي : له عشر حسنات أمثالها ، وقرأ يعقوب " عشر " منون ، " أمثالها " بالرفع ، (وَمَن جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَىٰ إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ)

أخبرنا حسان بن سعيد المنيعي ثنا أبو طاهر محمد بن محمد بن محمش الزيادي ثنا أبو بكر محمد بن الحسن القطان ثنا محمد بن يوسف القطان ثنا محمد بن يوسف السلمي ثنا عبد الرزاق أنا معمر عن همام بن منبه ثنا أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إذا أحسن أحدكم إسلامه فكلّ حسنة يعملها تكتب له بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، وكلّ سيّئة يعملها تكتب له بمثلها حتّى يلقى الله - عز وجل - ".

وأخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر الجرجاني ثنا عبد الغافر بن محمد الفارسي ثنا محمد بن عيسى الجلودي ثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان ثنا مسلم بن الحجاج ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا وكيع ثنا الأعمش عن المعرور بن سويد عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "يقول الله تبارك وتعالى : مَن جاء بالحسنة فله عشر أمثالها وأزيد ، ومَن جاء بالسيّئة فجزاء سيّئة بمثلها أو أغفر، ومَن تقرّب منّي شبرًا، تقرّبتُ منه ذراعا، ومَن تقرّب منّي ذراعا، تقرّبتُ منه باعًا، ومَن أتاني يمشي، أتيتُه هرولة ومن لقيني بقراب الأرض خطيئة لا يشرك بي شيئا لقيته بمثلها مغفرة " .
قال ابن عمر : الآية في غير الصدّقات من الحسنات ، فأمّا الصدقات تضاعف سبعمائة ضعف .} انتهـ.

لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ. Attachment

وقال تعالى:"إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ ۖ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا".
قال الشيخ السعدي رحمه الله في تفسير الآية:

{ يخبر تعالى عن كمال عدله وفضله، وتنزّهه عمّا يضاد ذلك من الظلم القليل والكثير، فقال: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ) أي: ينقصها من حسنات عبده أو يزيدها في سيّئاته، كما قال تعالى: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ)، (وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا)، أي: إلى عشرة أمثالها، إلى أكثر من ذلك، بحسب حالها ونفعها وحال صاحبها، إخلاصًا ومحبَّةً وكمالاً.
(وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا) أي: زيادة على ثواب العمل بنفسه من التّوفيق لأعمال أخر، وإعطاء البرّ الكثير والخير الغزير.} انتهـ.

قلتُ: الإيمان يذهب دون إخلاص، لكنّه يبقى وإن نقص العمل، و تكون درجة الإيمان بحسب العمل الّذي قام به العامل، يزيدُ بالطّاعة، وينقص بالمعصية، ولا يذهب بالكليّة، كما يزعم الخوارج.  ولا يبقى بالكليّة دون عمل، كما يقول المرجئة.
ويعفو الله عن كثير من الأخطاء التي قد تعترض ذلك العامل، الذي أخلص العمل لله، ولم يشرك به أحدًا، وهذا من رحمة الله بالعامل، حتّى، يعلم أنّ الله يجازي المحسن على إحسانه بأضعاف ما عمل، ويعاقب المسيء بما عمل دون مضاعفة، وهذا ما يزيد العبد يقينًا أنّ الله الحكم العدل، هو الجواد، المتفضّل على عباده، بـجزاءٍ، أحسن ممّا عملوا، ويزيدهم من فضله. وينفي الظلم عن نفسه، بمعاقبة المسيء بما عمل فقط.

سبحانك يا ربّ، ماأعظمك!!!
وما أكرمك، حين تعطي المحسن أضعاف ما يبذل!!!
وما أحلمك، حين تمهل المسيء، وتعاقبه بـمثل ما يعمل !!!

لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ. Attachment

ثمّ يقول الحسن البصري رحمه الله: "وإنّ قوما غرّتهم أماني المغفرة حتّى خرجوا من الدّنيا ولا حسنة لهم, قالوا: نحسن الظنّ بالله وكذبوا؛ لو أحسنوا الظنّ به لأحسنوا العمل". انتهـ.

فهؤلاء القوم الذين اتّكلوا على الرّجاء في الصحّة والرّخاء، دون عملٍ بما يستطيعون، وعطاء، في استقامةٍ، على شريعة الله، لَهُم، القوم، الّذين تفتقر نيّاتهم إلى الإخلاص لله، في جميع أحوالهم، وهم يعلمون أنّ الله غفور رحيم، لِمَن عاد إليه وتاب وأناب. ولكنّه، للعصاة والمتمرّدين، شديدُ العقاب، ويعفو، عن كثيرٍ، العزيز الوهّاب، لو آخذ بما كسبوا، ما ترك على ظهر الأرض، من الإنس والجنّ، والدّواب.


تعليق وجمع تفسير في كلّ مشاركة:
  أم وحيد بهية صابرين


--------------------------------------------------

(1) استفدتُ من كلام الشيخ العثيمين رحمه الله، في الأداتين: "لِمَ"، و"كيف" ، قد تكلّم حولها بقوله:"....والإنسان مسئول عن عمله بأداتين من أدوات الاستفهام ((لِمَ)) و ((كيف))

فـلِمَ عملت كذا؟ هذا الإخلاص .

كيف عملت كذا؟ هذا المتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم،......"، من موضوع: أهمّية دراسة العقيدة وأحكام العذر بالجهل بها.

لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ. Attachment






عبير الإسلام

عدد المساهمات : 1216
تاريخ التسجيل : 16/04/2015

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ. Empty رد: لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ.

مُساهمة من طرف عبير الإسلام الأحد أكتوبر 13, 2019 7:58 pm




لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ. Yo_aaa10


درر وجواهر من كلام الإمام ابن القيم رحمه الله في "الهداية" ونعمة الله، بها، على عبده :


قال الإمام ابن القيم رحمه الله، في كتاب إعلام الموقّعين عن ربّ العالمين:

{.....صِحَّةُ الْفَهْمِ وَحُسْنُ الْقَصْدِ مِنْ أَعْظَمِ نِعَمِ اللَّهِ الَّتِي أَنْعَمَ بِهَا عَلَى عَبْدِهِ، بَلْ مَا أُعْطِيَ عَبْدٌ عَطَاءً بَعْدَ الْإِسْلَامِ أَفْضَلُ وَلَا أَجَلُّ مِنْهُمَا، بَلْ هُمَا سَاقَا الْإِسْلَامِ، وَقِيَامُهُ عَلَيْهِمَا، وَبِهِمَا يَأْمَنُ الْعَبْدُ طَرِيقَ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ الَّذِينَ فَسَدَ قَصْدُهُمْ وَطَرِيقُ الضَّالِّينَ الَّذِينَ فَسَدَتْ فُهُومُهُمْ، وَيَصِيرُ مِنْ الْمُنْعَمِ عَلَيْهِمْ الَّذِينَ حَسُنَتْ أَفْهَامُهُمْ وَقُصُودُهُمْ، وَهُمْ أَهْلُ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ الَّذِينَ أُمِرْنَا أَنْ نَسْأَلَ اللَّهَ أَنْ يَهْدِيَنَا صِرَاطَهُمْ فِي كُلِّ صَلَاةٍ، وَصِحَّةُ الْفَهْمِ نُورٌ يَقْذِفُهُ اللَّهُ فِي قَلْبِ الْعَبْدِ، يُمَيِّزُ بِهِ بَيْنَ الصَّحِيحِ وَالْفَاسِدِ، وَالْحَقِّ وَالْبَاطِلِ، وَالْهُدَى وَالضَّلَالِ، وَالْغَيِّ وَالرَّشَادِ، وَيَمُدُّهُ حُسْنَ الْقَصْدِ، وَتَحَرِّي الْحَقَّ، وَتَقْوَى الرَّبِّ فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ، وَيَقْطَعُ مَادَّتُهُ اتِّبَاعَ الْهَوَى، وَإِيثَارَ الدُّنْيَا، وَطَلَبَ مَحْمَدَةِ الْخَلْقِ، وَتَرْكَ التَّقْوَى.....} (1)

وقال الإمام ابن القيّم رحمه الله، أيضًا، في تفسير سورة الفاتحة، الآية: "اهْدِنا الصِّراطَ المُسْتَقِيمَ":
{....ثم تأمَّلَ ضرورته وفاقته إلى قوله: ﴿اهْدِنا الصِّراطَ المُسْتَقِيمَ﴾ الذي مضمونه معرفة الحق وقصده وإرادته والعمل به والثبات عليه والدعوة إليه والصبر على أذى المدعو، فـبـاستكمال هذه المراتب الخمس تستكمل الهداية، وما نقص منها نقص من هدايته.

ولمّا كان العبد مفتقرًا إلى هذه الهداية في ظاهره وباطنه في جميع ما يأتيه ويذره:
-من أمورٍ قد فعلها على غير الهداية علمًا وعملًا وإرادةً، فهو محتاج إلى التوبة منها، وتوبته منها هي الهداية.
-وأمور قد هُدي إلى أصلها دون تفصيلها، فهو محتاج إلى هداية تفاصيلها.

-وأمورٍ قد هُدي إليها من وجه دون وجه، فهو محتاج إلى تمام الهداية فيها، ليتمَّ له الهداية ويُزاد هدى إلى هداه.

-وأمور يحتاج فيها إلى أن يحصل له من الهداية في مستقبلها مثل ما حصل له في ماضيها.

-وأمور يعتقد فيها بخلاف ما هي عليه، فهو محتاج إلى هداية تنسخ من قلبه ذلك الاعتقاد، وتُثبِت فيه ضدَّه.

-وأمور من الهداية هو قادر عليها، ولكن لم يخلق له إرادة فعلها، فهو محتاج في تمام الهداية إلى خلق إرادة يفعلها بها.

-وأمور منها هو غير قادر على فعلها مع كونه مريدًا، فهو محتاج في هدايته إلى إقداره عليها.

-وأمور منها هو غير قادر عليها ولا مريد لها فهو محتاج إلى خلق القدرة والإرادة له لتتمّ له الهداية.

-وأمور هو قائم بها على وجه الهداية اعتقادًا وإرادة وعملًا، فهو محتاج إلى الثّبات عليها واستدامتها.

كانت حاجته إلى سؤال الهداية أعظم الحاجات، وفاقته إليها أشدّ الفاقات، فرضَ عليه الربّ الرحيم هذا السؤال كل يوم وليلة في أفضل أحواله وهي الصلوات الخمس مراتٍ متعددة، لشدّة ضرورته وفاقته إلى هذا المطلوب....} (2)

.............................................


(1) وَقَوْلُهُ: " فَافْهَمْ إذَا أَدْلَى إلَيْك " من الجزء1، الصفحة 69 الوارد فيها كلام من:
[كِتَابِ عُمَرَ فِي الْقَضَاءِ وشرحه][خِطَابُ عُمَرَ إلَى أَبِي مُوسَى] باب: صحّة الفهم وحسن القصد.

(2) تفسير ابن قيّم الجوزيّة رحمه الله/ ﴿ٱهۡدِنَا ٱلصِّرَ ٰطَ ٱلۡمُسۡتَقِیمَ﴾ [الفاتحة ٦]


لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ. Aoc_aa10



عبير الإسلام

عدد المساهمات : 1216
تاريخ التسجيل : 16/04/2015

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ. Empty رد: لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ.

مُساهمة من طرف عبير الإسلام الثلاثاء أكتوبر 15, 2019 12:33 am




لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ. _aoa_e10


سأتابع إن شاء الله، على فصول، تفسير الإمام ابن القيم رحمه الله للآية: ﴿اهْدِنا الصِّراطَ المُسْتَقِيمَ﴾، من سورة الفاتحة، وفي كلامه، دَرَرٌ ولَآلِىء، جدير بنا أن نصطادها من عمق العلم والفقه الذي حباه الله سبحانه، وقد استفدتُ كثيرًا، والحمدلله، من كتب الإمام رحمه الله، ومن كتب شيخه، شيخ الإسلام ابن تيميّة رحمه الله.

فو الله الذي لاإله إلاّ هو، لهي كتبٌ، تزخر بالفوائد والتّوجيه إلى العلاج الربّاني، للأنفس المريضة، والقلوب العليلة، في تسلسل منطقي، يتقبّله كلّ عقل، وقد دعّمُـ(وا)، كلامهم، رحمـ(هم) الله، بالكتاب والسُّنّة، بفهم سلف الأُمّة، يستأصلُـ(ون) كلّ داء -بإذن الله- أصاب الأُمّة الإسلاميّة، بعد القرون الثلاثة الخيريّة. أمّةٌ، تخلّت عن الدّواء النّافع، وجرت، تلهث وراء كلّ ناعقٍ، يزعم وصف الشفاء، لمريض، أنهكته الذّنوب، والمعاصي، ونخرت، قلبه، أورام البدع والضّلالات.
لكن، هيهات، هيهات، أن تجد ما يريحها، في غير هدى الله، المتجلّي في كتابه الكريم، وسنّة نبيّه محمد الأمين صلى الله وسلّم، عليه وعلى آله وصحابته أجمعين، ومَن تبعهم بإحسان، إلى يوم الدّين.

نبدأ، على بركة الله، في تفسير الإمام ابن القيم رحمه الله، للآية:

* (فصل)

قوله: ﴿اهْدِنا الصِّراطَ المُسْتَقِيمَ﴾ يتضمّن طلب الهداية ممّن هو قادر عليها وهي بيده، إن شاء أعطاها عبده، وإن شاء منعه إيّاها.
والهداية: معرفة الحقّ والعمل به. فمَن لم يجعله الله تعالى عالمًا بالحق، عاملا به، لم يكن له سبيل إلى الاهتداء. فهو سبحانه المتفرّد بـالهداية الموجبة للاهتداء، الّتي لا يتخلّف عنها وهي جعل العبد مُرِيدًا للهُدَى، محبًّا له، مؤثرا له، عاملا به. فهذه الهداية ليست إلى ملك مقرّب ولا نبي مرسل وهي الّتي قال سبحانه فيها: ﴿إنَّكَ لا تَهْدِي مَن أحْبَبْتَ ولَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشاءُ﴾ مع قوله تعالى: ﴿وَإنَّكَ لَتَهْدِي إلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ فهذه هداية الدعوة والتّعليم والإرشاد وهي التي هدي بها ثمود، فاستحبّوا العمى عليها. وهي التي قال تعالى فيها: ﴿وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إذْ هَداهم حَتّى يُبَيِّنَ لَهم ما يَتَّقُون﴾. فهداهم هدى البيان الذي تقوم به حجّته عليهم ومنعهم الهداية الموجبة للاهتداء التي لا يضلّ مَن هداه بها. فذاك عدله فيهم. وهذا حكمته، فأعطاهم ما تقوم به الحجّة عليهم ومنعهم ما ليسوا له بأهل ولا يليق بهم.

* (فصل)

والهِدايَة هي العلم بِالحَقِّ مَعَ قَصده وإيثاره على غَيره، فـالمهتدي هو العامِل بِالحَقِّ، المريد لَهُ. وهِي أعظم نعْمَة لله على العَبْد. ولِهَذا أمرنا سُبْحانَهُ أن نَسْألهُ هِدايَة الصِّراط المُسْتَقيم كل يَوْم ولَيْلَة في صلواتنا الخمس. فَإنّ العَبْد مُحْتاج إلى معرفَة الحقّ الَّذِي يرضي الله، في كلّ حَرَكَة ظاهرة وباطنة. فَإذا عرفها فَهو مُحْتاج إلى مَن يلهمه قصد الحق، فَيجْعَل إرادَته في قلبه ثمَّ إلى مَن يقدره على فعله، ومَعْلُوم أنّ ما يجهله العَبْد أضعاف أضعاف ما يعلمه، وإن كلّ ما يعلم أنّه حقّ، لا تطاوعه نَفسه على إرادته. ولَو أراده لعجز عَن كثير مِنهُ، فَهو مُضْطَرّ كل وقت إلى هِدايَة تتَعَلَّق بالماضي وبالحال والمستقبل.

أمّا الماضِي فَهو مُحْتاج إلى محاسبة نَفسه عَلَيْهِ، وهل وقع على السّداد، فيشكر الله عَلَيْهِ ويستديمه، أم خرج فِيهِ عَن الحق فيتوب إلى الله تَعالى مِنهُ ويستغفره، ويعزم على أن لا يعود.

وَأمّا الهِدايَة في الحال فَهي مَطْلُوبَة مِنهُ، فَإنَّهُ ابْن وقته، فَيحْتاج أن يعلم حكم ما هو متلبّس بِهِ من الأفعال هَل هو صَواب أم خطأ.؟

وَأمّا المُسْتَقْبل، فحاجته في الهِدايَة أظهر ليَكُون سيره على الطَّرِيق، وإذا كانَ هَذا، شَأْن الهِدايَة علم أنّ العَبْد أشدّ شَيْء اضطرارا إليها، وأن ما يُورِدهُ بعض النّاس من السُّؤال الفاسِد وهِي أنّا إذا كُنّا مهتدين فَأيّ حاجَة بِنا أن نسْأل الله أن يهدينا؟

وَهل هَذا إلاّ تَحْصِيل الحاصِل؟

أفسد سُؤال وأبعده عَن الصَّواب وهو دَلِيل على أنّ صاحبه لم يحصل معنى الهِدايَة ولا أحاط علما بـحقيقتها ومسمّاها. فَلذَلِك تكلّف من تكلّف الجَواب عَنهُ بأنّ المَعْنى: ثبّتنا على الهِدايَة وأدمها لنا.

وَمَن أحاط علما بحقيقة الهِدايَة وحاجة العَبْد إليها ، علم أنّ الَّذِي لم يحصل لَهُ مِنها أضعاف ما حصل لَهُ أنّه كل وقت مُحْتاج إلى هِدايَة متجدّدة، لا سيما والله تَعالى خالق أفعال القُلُوب والجوارح. فَهو كلّ وقت مُحْتاج أن يخلق الله لَهُ هِدايَة خاصَّة، ثمَّ إن لم يصرف عَنهُ المَوانِع والصوارف الَّتِي تمنع مُوجب الهِدايَة وتصرفها، لم ينْتَفع بالهداية ولم يتمّ مقصودها لَهُ، فَإنّ الحكم لا يَكْفِي فِيهِ وجود مقتضيه، بل لا بُد مَعَ ذَلِك من عدم مانعه ومنافيه.

وَمَعْلُوم أنّ وساوس العَبْد وخواطره وشهوات الغي في قلبه ، كلّ مِنها مانع وُصُول أثر الهِدايَة إليه. فَإن لم يصرفها الله عَنهُ لم يهتدِ هدًى تامًا، فـحاجاته إلى هِدايَة الله لَهُ مقرونة بأنفاسه وهِي أعظم حاجَة للْعَبد.

* فَصْلٌ: عَلَّمَ اللَّهُ عِبادَهُ كَيْفِيَّةَ سُؤالِهِ الهِدايَةَ إلى الصِّراطِ المُسْتَقِيمِ

وَلَمّا كانَ سُؤالُ اللَّهِ الهِدايَةَ إلى الصِّراطِ المُسْتَقِيمِ أجَلَّ المَطالِبِ، ونَيْلُهُ أشْرَفَ المَواهِبِ: عَلَّمَ اللَّهُ عِبادَهُ كَيْفِيَّةَ سُؤالِهِ، وأمَرَهم أنْ يُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْهِ حَمْدَهُ والثَّناءَ عَلَيْهِ، وتَمْجِيدَهُ، ثُمَّ ذَكَرَ عُبُودِيَّتَهم وتَوْحِيدَهُمْ، فَهاتانِ وسِيلَتانِ إلى مَطْلُوبِهِمْ، تَوَسُّلٌ إلَيْهِ بِأسْمائِهِ وصِفاتِهِ، وتَوَسُّلٌ إلَيْهِ بِعُبُودِيَّتِهِ، وهاتانِ الوَسِيلَتانِ لا يَكادُ يُرَدُّ مَعَهُما الدُّعاءُ، ويُؤَيِّدُهُما الوَسِيلَتانِ المَذْكُورَتانِ في حَدِيثَيِ الِاسْمِ الأعْظَمِ اللَّذَيْنِ رَواهُما ابْنُ حِبّانَ في صَحِيحِهِ، والإمامُ أحْمَدُ والتِّرْمِذِيُّ.

-أحَدُهُما: حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أبِيهِ قالَ «سَمِعَ النَّبِيُّ ﷺ رَجُلًا يَدْعُو، ويَقُولُ: اللَّهُمَّ إنِّي أسْألُكَ بِأنِّي أشْهَدُ أنَّكَ اللَّهُ الَّذِي لا إلَهَ إلّا أنْتَ، الأحَدُ الصَّمَدُ، الَّذِي لَمْ يَلِدْ ولَمْ يُولَدْ، ولَمْ يَكُنْ لَهُ كُفْوًا أحَدٌ، فَقالَ: والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَقَدْ سَألَ اللَّهَ بِاسْمِهِ الأعْظَمِ، الَّذِي إذا دُعِيَ بِهِ أجابَ، وإذا سُئِلَ بِهِ أعْطى» قالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ.

فَهَذا تَوَسُّلٌ إلى اللَّهِ بِتَوْحِيدِهِ، وشَهادَةِ الدّاعِي لَهُ بِالوَحْدانِيَّةِ، وثُبُوتِ صِفاتِهِ المَدْلُولِ عَلَيْها بِاسْمِ الصَّمَدِ وهو كَما قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: "العالِمُ الَّذِي كَمُلَ عِلْمُهُ، القادِرُ الَّذِي كَمُلَتْ قُدْرَتُهُ"، وفي رِوايَةٍ عَنْهُ: "هو السَّيِّدُ الَّذِي قَدْ كَمُلَ فِيهِ جَمِيعُ أنْواعِ السُّؤْدُدِ"، وقالَ أبُو وائِلٍ: "هو السَّيِّدُ الَّذِي انْتَهى سُؤْدَدُهُ"، وقالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: هو الكامِلُ في جَمِيعِ صِفاتِهِ وأفْعالِهِ وأقْوالِهِ، وبِنَفْيِ التَّشْبِيهِ والتَّمْثِيلِ عَنْهُ بِقَوْلِهِ " ﴿وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أحَدٌ﴾ "

وَهَذِهِ تَرْجَمَةُ عَقِيدَةِ أهْلِ السُّنَّةِ، والتَّوَسُّلُ بِالإيمانِ بِذَلِكَ، والشَّهادَةُ بِهِ هو الِاسْمُ الأعْظَمُ.

والثّانِي: حَدِيثُ أنَسٍ «أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ سَمِعَ رَجُلًا يَدْعُو: اللَّهُمَّ إنِّي أسْألُكَ بِأنَّ لَكَ الحَمْدَ، لا إلَهَ إلّا أنْتَ، المَنّانُ، بَدِيعَ السَّماواتِ والأرْضِ، ذا الجَلالِ والإكْرامِ، يا حَيُّ يا قَيُّومُ، فَقالَ: لَقَدْ سَألَ اللَّهَ بِاسْمِهِ الأعْظَمِ» فَهَذا تَوَسُّلٌ إلَيْهِ بِأسْمائِهِ وصِفاتِهِ.

وَقَدْ جَمَعَتِ الفاتِحَةُ الوَسِيلَتَيْنِ، وهُما التَّوَسُّلُ بِالحَمْدِ، والثَّناءِ عَلَيْهِ وتَمْجِيدِهِ، والتَّوَسُّلُ إلَيْهِ بِعُبُودِيَّتِهِ وتَوْحِيدِهِ، ثُمَّ جاءَ سُؤالُ أهَمِّ المَطالِبِ، وأنْجَحِ الرَّغائِبِ وهو الهِدايَةُ بَعْدَ الوَسِيلَتَيْنِ، فالدّاعِي بِهِ حَقِيقٌ بِالإجابَةِ.

وَنَظِيرُ هَذا، دُعاءُ النَّبِيُّ ﷺ الَّذِي كانَ يَدْعُو بِهِ إذا قامَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ، رَواهُ البُخارِيُّ في صَحِيحِهِ مِن حَدِيثِ ابْنِ عَبّاسٍ «اللَّهُمَّ لَكَ الحَمْدُ، أنْتَ نُورُ السَّماواتِ والأرْضِ ومَن فِيهِنَّ، ولَكَ الحَمْدُ، أنْتَ قَيُّومُ السَّماواتِ والأرْضِ ومَن فِيهِنَّ، ولَكَ الحَمْدُ، أنْتَ الحَقُّ، ووَعْدُكَ الحَقُّ، ولِقاؤُكُ حَقٌّ، والجَنَّةُ حَقٌّ، والنّارُ حَقٌّ، والنَّبِيُّونَ حَقٌّ، والسّاعَةُ حَقٌّ، ومُحَمَّدٌ حَقٌّ، اللَّهُمَّ لَكَ أسْلَمْتُ، وبِكَ آمَنتُ، وعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، وإلَيْكَ أنَبْتُ، ولَكَ خاصَمْتُ، وإلَيْكَ حاكَمْتُ، فاغْفِرْ لِي ما قَدَّمْتُ وما أخَّرْتُ، وما أسْرَرْتُ وما أعْلَنْتُ، أنْتَ إلَهِي لا إلَهَ إلّا أنْتَ». فَذَكَرَ التَّوَسُّلَ إلَيْهِ بِحَمْدِهِ والثَّناءِ عَلَيْهِ وبِعُبُودِيَّتِهِ لَهُ، ثُمَّ سَألَهُ المَغْفِرَةَ.


لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ. 12784210





عبير الإسلام

عدد المساهمات : 1216
تاريخ التسجيل : 16/04/2015

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ. Empty رد: لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ.

مُساهمة من طرف عبير الإسلام الإثنين أكتوبر 28, 2019 9:16 pm




لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ. Oco_aa10


* (فصل) (1)

المَوْضِعُ السّادِسُ: مِن قَوْلِهِ ﴿اهْدِنا الصِّراطَ المُسْتَقِيمَ﴾ فـالهِدايَةُ: هي البَيانُ والدَّلالَةُ، ثُمَّ التَّوْفِيقُ والإلْهامُ، وهو بَعْدَ البَيانِ والدَّلالَةِ، ولا سَبِيلَ إلى البَيانِ والدَّلالَةِ إلّا مِن جِهَةِ الرُّسُلِ، فَإذا حَصَلَ البَيانُ والدَّلالَةُ والَتَّعْرِيفُ، تَرَتَّبَ عَلَيْهِ هِدايَةُ التَّوْفِيقِ، وجَعْلُ الإيمانِ في القَلْبِ، وتَحْبِيبُهُ إلَيْهِ، وتَزْيِينُهُ في القَلْبِ، وجَعْلُهُ مُؤْثِرًا لَهُ، راضِيًا بِهِ، راغِبًا فِيهِ.

وَهُما هِدايَتانِ مُسْتَقِلَّتانِ، لا يَحْصُلُ الفَلاحُ إلّا بِهِما، وهُما مُتَضَمِّنَتانِ تَعْرِيفَ ما لَمْ نَعْلَمْهُ مِنَ الحَقِّ تَفْصِيلًا وإجْمالًا، وإلْهامَنا لَهُ، وجَعْلَنا مُرِيدِينَ لِاتِّباعِهِ ظاهِرًا وباطِنًا، ثُمَّ خَلْقُ القُدْرَةِ لَنا عَلى القِيامِ بِمُوجَبِ الهُدى بِالقَوْلِ والعَمَلِ والعَزْمِ، ثُمَّ إدامَةُ ذَلِكَ لَنا وتَثْبِيتُنا عَلَيْهِ إلى الوَفاةِ.

وَمِن هُنا يُعْلَمُ اضْطِرارُ العَبْدِ إلى سُؤالِ هَذِهِ الدَّعْوَةِ فَوْقَ كُلِّ ضَرُورَةٍ، وبُطْلانُ قَوْلِ مَن يَقُولُ: إذا كُنّا مُهْتَدِينَ، فَكَيْفَ نَسْألُ الهِدايَةَ؟ فَإنَّ المَجْهُولَ لَنا مِنَ الحَقِّ أضْعافُ المَعْلُومِ، وما لا نُرِيدُ فِعْلَهُ تَهاوُنًا وكَسَلًا مِثْلُ ما نُرِيدُهُ أوْ أكْثَرُ مِنهُ أوْ دُونَهُ، وما لا نَقْدِرُ عَلَيْهِ مِمّا نُرِيدُهُ كَذَلِكَ، وما نَعْرِفُ جُمْلَتَهُ ولا نَهْتَدِي لِتَفاصِيلِهِ فَأمْرٌ يَفُوتُ الحَصْرَ، ونَحْنُ مُحْتاجُونَ إلى الهِدايَةِ التّامَّةِ، فَمَن كَمُلَتْ لَهُ هَذِهِ الأُمُورُ كانَ سُؤالُ الهِدايَةِ لَهُ سُؤالَ التَّثْبِيتِ والوِئامِ.

وَلِلْهِدايَةِ مَرْتَبَةٌ أُخْرى وهي آخِرُ مَراتِبِها وهي الهِدايَةُ يَوْمَ القِيامَةِ إلى طَرِيقِ الجَنَّةِ، وهو الصِّراطُ المُوَصِّلُ إلَيْها، فَمَن هُدِيَ في هَذِهِ الدّارِ إلى صِراطِ اللَّهِ المُسْتَقِيمِ، الَّذِي أرْسَلَ بِهِ رُسُلَهُ، وأنْزَلَ بِهِ كُتُبَهُ، هُدِيَ هُناكَ إلى الصِّراطِ المُسْتَقِيمِ، المُوَصِّلِ إلى جَنَّتِهِ ودارِ ثَوابِهِ، وعَلى قَدْرِ ثُبُوتِ قَدَمِ العَبْدِ عَلى هَذا الصِّراطِ الَّذِي نَصَبَهُ اللَّهُ لِعِبادِهِ في هَذِهِ الدّارِ يَكُونُ ثُبُوتُ قَدَمِهِ عَلى الصِّراطِ المَنصُوبِ عَلى مَتْنِ جَهَنَّمَ، وعَلى قَدْرِ سَيْرِهِ عَلى هَذِهِ الصِّراطِ يَكُونُ سَيْرُهُ عَلى ذاكَ الصِّراطِ، فَمِنهم مَن يَمُرُّ كالبَرْقِ، ومِنهم مَن يَمُرُّ كالطَّرْفِ، ومِنهم مَن يَمُرُّ كالرِّيحِ، ومِنهم مَن يَمُرُّ كَشَدِّ الرِّكابِ، ومِنهم مَن يَسْعى سَعْيًا، ومِنهم مَن يَمْشِي مَشْيًا، ومِنهم مَن يَحْبُو حَبْوًا، ومِنهُمُ المَخْدُوشُ المُسَلَّمُ، ومِنهُمُ المُكَرْدَسُ في النّارِ، فَلْيَنْظُرِ العَبْدُ سَيْرَهُ عَلى ذَلِكَ الصِّراطِ مِن سَيْرِهِ عَلى هَذا، حَذْوَ القُذَّةِ بِالقُذَّةِ، جَزاءً وِفاقًا ﴿هَلْ تُجْزَوْنَ إلّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [النمل: ٩٠].

وَلْيَنْظُرِ الشُّبُهاتِ والشَّهَواتِ الَّتِي تَعُوقُهُ عَنْ سَيْرِهِ عَلى هَذا الصِّراطِ المُسْتَقِيمِ، فَإنَّها الكَلالِيبُ الَّتِي بِجَنَبَتَيْ ذاكَ الصِّراطِ، تَخْطَفُهُ وتَعُوقُهُ عَنِ المُرُورِ عَلَيْهِ، فَإنْ كَثُرَتْ هُنا وقَوِيَتْ فَكَذَلِكَ هي هُناكَ ﴿وَما رَبُّكَ بِظَلّامٍ لِلْعَبِيدِ﴾ [فصلت: ٤٦].

فَـسُؤالُ الهِدايَةِ مُتَضَمِّنٌ لِحُصُولِ كُلِّ خَيْرٍ، والسَّلامَةِ مِن كُلِّ شَرٍّ.
--------------------------------------------
(1) مدارج السالكين بين منازل إيّاك نعبد وإيّاك نستعين 1-3 ج1


لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ. Aa_oa_13


فصل:

حاجَةُ العَبْدِ إلى أنْ يَسْألَ اللَّهَ أنْ يَهْدِيَهُ الصِّراطَ المُسْتَقِيمَ

وَلا تَتِمُّ لَهُ سَلامَةُ القَلْبِ لِلْعَبْدِ مُطْلَقًا حَتّى يَسْلَمَ مِن خَمْسَةِ أشْياءَ:

مِن شِرْكٍ يُناقِضُ التَّوْحِيدَ، وبِدْعَةٍ تُخالِفُ السُّنَّةَ، وشَهْوَةٍ تُخالِفُ الأمْرَ، وغَفْلَةٍ تُناقِضُ الذِّكْرَ، وهَوًى يُناقِضُ التَّجْرِيدَ والإخْلاصَ.
وَهَذِهِ الخَمْسَةُ حُجُبٌ عَنِ اللَّهِ، وتَحْتَ كُلِّ واحِدٍ مِنها أنْواعٌ كَثِيرَةٌ، تَتَضَمَّنُ أفْرادًا لا تَنْحَصِرُ.
وَلِذَلِكَ اشْتَدَّتْ حاجَةُ العَبْدِ بَلْ ضَرُورَتُهُ، إلى أنْ يَسْألَ اللَّهَ أنْ يَهْدِيَهُ الصِّراطَ المُسْتَقِيمَ، فَلَيْسَ شَيْءٌ أحْوَجَ مِنهُ إلى هَذِهِ الدَّعْوَةِ، ولَيْسَ شَيْءٌ أنْفَعَ لَهُ مِنها.
فَإنَّ الصِّراطَ المُسْتَقِيمَ يَتَضَمَّنُ: عُلُومًا، وإرادَةً، وأعْمالًا، وتُرُوكًا ظاهِرَةً وباطِنَةً تَجْرِي عَلَيْهِ كُلَّ وقْتٍ، فَـتَفاصِيلُ الصِّراطِ المُسْتَقِيمِ قَدْ يَعْلَمُها العَبْدُ وقَدْ لا يَعْلَمُها، وقَدْ يَكُونُ ما لا يَعْلَمُهُ أكْثَرَ مِمّا يَعْلَمُهُ، وما يَعْلَمُهُ قَدْ يَقْدِرُ عَلَيْهِ، وقَدْ لا يَقْدِرُ عَلَيْهِ، وهو الصِّراطُ المُسْتَقِيمُ وإنْ عَجَزَ عَنْهُ، وما يَقْدِرُ عَلَيْهِ، قَدْ تُرِيدُهُ نَفْسُهُ وقَدْ لا تُرِيدُهُ كَسَلًا وتَهاوُنًا، أوْ لِقِيامِ مانِعٍ وغَيْرِ ذَلِكَ، وما تُرِيدُهُ قَدْ يَفْعَلُهُ وقَدْ لا يَفْعَلُهُ، وما يَفْعَلُهُ قَدْ يَقُومُ فِيهِ بِشُرُوطِ الإخْلاصِ وقَدْ لا يَقُومُ، وما يَقُومُ فِيهِ بِشُرُوطِ الإخْلاصِ قَدْ يَقُومُ فِيهِ بِكَمالِ المُتابَعَةِ وقَدْ لا يَقُومُ، وما يَقُومُ فِيهِ بِالمُتابَعَةِ قَدْ يَثْبُتُ عَلَيْهِ وقَدْ يُصْرَفُ قَلْبُهُ عَنْهُ، وهَذا كُلُّهُ واقِعٌ سارٍ في الخَلْقِ، فَـمُسْتَقِلٌّ ومُسْتَكْثِرٌ.
وَلَيْسَ في طِباعِ العَبْدِ الهِدايَةُ إلى ذَلِكَ، بَلْ مَتى وُكِلَ إلى طِباعِهِ حِيلَ بَيْنَهُ وبَيْنَ ذَلِكَ كُلِّهِ، وهَذا هو الإرْكاسُ الَّذِي أرْكَسَ اللَّهُ بِهِ المُنافِقِينَ بِذُنُوبِهِمْ، فَأعادَهم إلى طِباعِهِمْ وما خُلِقَتْ عَلَيْهِ نُفُوسُهم مِنَ الجَهْلِ والظُّلْمِ، والرَّبُّ تَبارَكَ وتَعالى عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ في قَضائِهِ وقَدَرِهِ، ونَهْيِهِ وأمْرِهِ، فَيَهْدِي مَن يَشاءُ إلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ بِفَضْلِهِ ورَحْمَتِهِ، وجَعْلِهِ الهِدايَةَ حَيْثُ تَصْلُحُ، ويَصْرِفُ مَن يَشاءُ عَنْ صِراطِهِ المُسْتَقِيمِ بِعَدْلِهِ وحِكْمَتِهِ، لِعَدَمِ صَلاحِيَةِ المَحَلِّ، وذَلِكَ مُوجِبُ صِراطِهِ المُسْتَقِيمِ الَّذِي هو عَلَيْهِ، فَإذا كانَ يَوْمُ القِيامَةِ نَصَبَ لِخَلْقِهِ صِراطًا مُسْتَقِيمًا يُوصِلُهم إلَيْهِ، فَهو عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ.
وَنَصَبَ لِعِبادِهِ مِن أمْرِهِ صِراطًا مُسْتَقِيمًا دَعاهم جَمِيعًا إلَيْهِ حُجَّةً مِنهُ وعَدْلًا، وهَدى مَن يَشاءُ مِنهم إلى سُلُوكِهِ نِعْمَةً مِنهُ وفَضْلًا، ولَمْ يَخْرُجْ بِهَذا العَدْلِ وهَذا الفَضْلِ عَنْ صِراطِهِ المُسْتَقِيمِ الَّذِي هو عَلَيْهِ، فَإذا كانَ يَوْمُ لِقائِهِ نَصَبَ لِخَلْقِهِ صِراطًا مُسْتَقِيمًا يُوَصِّلُهم إلى جَنَّتِهِ، ثُمَّ صَرَفَ عَنْهُ مَن صَرَفَ عَنْهُ في الدُّنْيا، وأقامَ عَلَيْهِ مَن أقامَهُ عَلَيْهِ في الدُّنْيا، نُورًا ظاهِرًا يَسْعى بَيْنَ أيْدِيهِمْ وبِأيْمانِهِمْ في ظُلْمَةِ الحَشْرِ، وحَفِظَ عَلَيْهِمْ نُورَهم حَتّى قَطَعُوهُ كَما حَفِظَ عَلَيْهِمُ الإيمانَ حَتّى لَقَوْهُ، وأطْفَأ نُورَ المُنافِقِينَ أحْوَجَ ما كانُوا إلَيْهِ، كَما أطْفَأهُ مِن قُلُوبِهِمْ في الدُّنْيا.
وَأقامَ أعْمالَ العُصاةِ بِجَنْبَتَيِ الصِّراطِ كَلالِيبَ وحَسَكًا تَخْطِفُهم كَما خَطَفَتْهم في الدُّنْيا عَنِ الِاسْتِقامَةِ عَلَيْهِ، وجَعَلَ قُوَّةَ سَيْرِهِمْ وسُرْعَتَهم عَلى قَدْرِ قُوَّةِ سَيْرِهِمْ وسُرْعَتِهِمْ في الدُّنْيا، ونَصَبَ لِلْمُؤْمِنِينَ حَوْضًا يَشْرَبُونَ مِنهُ بِإزاءِ شُرْبِهِمْ مِن شَرْعِهِ في الدُّنْيا، وحَرَمَ مِنَ الشُّرْبِ مِنهُ هُناكَ مَن حُرِمَ الشُّرْبَ مِن شَرْعِهِ ودِينِهِ هاهُنا.


لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ. Iaoaa_10


فانَظُرْ إلى الآخِرَةِ كَأنَّها رَأْيُ عَيْنٍ، وتَأمَّلْ حِكْمَةَ اللَّهِ سُبْحانَهُ في الدّارَيْنِ، تَعْلَمْ حِينَئِذٍ عِلْمًا يَقِينًا لا شَكَّ فِيهِ: أنَّ الدُّنْيا مَزْرَعَةُ الآخِرَةِ وعُنْوانُها وأُنْمُوذَجُها، وأنَّ مَنازِلَ النّاسِ فِيها مِنَ السَّعادَةِ والشَّقاوَةِ عَلى حَسَبِ مَنازِلِهِمْ في هَذِهِ الدّارِ في الإيمانِ والعَمَلِ الصّالِحِ وضِدِّهِما، وبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.
فَمِن أعْظَمِ عُقُوباتِ الذُّنُوبِ - الخُرُوجُ عَنِ الصِّراطِ المُسْتَقِيمِ في الدُّنْيا والآخِرَةِ.

المصدر:
كتاب: الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي المسمى الداء والدواء (فصل:محاسبة النفس/النقطة رقم 9 بعنوان: الصراط المستقيم.


لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ. Aaao_a11


لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ. Oaaao_10



عبير الإسلام

عدد المساهمات : 1216
تاريخ التسجيل : 16/04/2015

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ. Empty رد: لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ.

مُساهمة من طرف عبير الإسلام السبت نوفمبر 02, 2019 10:54 pm




لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ. Ici_ia10


قال الله تعالى: "وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَىٰ صِرَاطِ الْحَمِيدِ (24)"


قال الإمام الطبري رحمه الله في تفسير الآية:
قوله: ( وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ ) يقول تعالى ذكره: وهداهم ربّهم في الدّنيا إلى شهادة أن لا إله إلا الله.
كما حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: ابن زيد، في قوله: ( وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ ) قال: هدوا إلى الكلام الطيب: لا إله إلا الله، والله أكبر، والحمد لله . قال الله: إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ .
حدثنا عليّ، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس: ( وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ ) قال: أُلْهِمُوا.
وقوله: ( وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ ) يقول جلّ ثناؤه: وهداهم ربّهم في الدنيا إلى طريق الربّ الحميد، وطريقه: دينه، دين الإسلام الّذي شرعه لخلقه وأمرهم أن يسلكوه. والحميد: فعيل، صرّف من مفعول إليه، ومعناه: أنّه محمود عند أوليائه من خلقه، ثم صرّف من محمود إلى حميد.


وقال الشيخ السعدي رحمه الله في تفسير الآية:
{ هُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ } الذي أفضله وأطيبه كلمة الإخلاص، ثم سائر الأقوال الطيبة التي فيها ذكر الله، أو إحسان إلى عباد الله، { وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ } أي: الصراط المحمود، وذلك، لأنّ جميع الشرع كلّه محتوٍ على الحكمة والحمد، وحسن المأمور به، وقبح المنهي عنه، وهو الدّين الذي لا إفراط فيه ولا تفريط، المشتمل على العلم النافع والعمل الصالح.
أو: وهدوا إلى صراط الله الحميد، لأنّ الله كثيرا ما يضيف الصراط إليه، لأنّه يوصل صاحبه إلى الله، وفي ذكر { الحميد } هنا، ليبين أنّهم نالوا الهداية بحمد ربّهم ومنّته عليهم، ولهذا يقولون في الجنّة: { الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ } واعترض تعالى بين هذه الآيات بذكر سجود المخلوقات له، جميع مَن في السماوات والأرض، والشمس، والقمر، والنجوم، والجبال، والشجر، والدواب، الذي يشمل الحيوانات كلّها، وكثير من الناس، وهم المؤمنون، { وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ } أي: وجب وكتب، لكفره وعدم إيمانه، فلم يوفّقه للإيمان، لأنّ الله أهانه، { وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ } ولا راد لما أراد، ولا معارض لمشيئته، فإذا كانت المخلوقات كلّها ساجدة لربّها، خاضعة لعظمته، مستكينة لعزّته، عانية لسلطانه، دلّ على أنّه وحده، الربّ المعبود، والملك المحمود، وأن مَن عدل عنه إلى عبادة سواه، فقد ضلّ ضلالا بعيدا، وخسر خسرانا مبينا.} انتهـ.


لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ. Iaa_oo10


فَمن هم الّذين تسهل عليهم الهداية، ولِمَن يُعطى الإلهام بالسّداد والرّشاد وحسن الانقياد؟

قال الله تعالى: "وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنتُمْ تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ ۗ وَمَن يَعْتَصِم بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (101)"

قال الإمام الطبري رحمه الله مفسّرا للآية بالتّالي:
القول في تأويل قوله تعالى : وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (101)
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: " وكيف تكفرون "، أيها المؤمنون بعد إيمانكم بالله وبرسوله، فترتدّوا على أعقابكم =" وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ "، يعني: حججُ الله عليكم التي أنـزلها في كتابه على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ="وَفِيكُمْ رَسُولُهُ" حجّةٌ أخرَى عليكم لله، مع آي كتابه، يدعوكم جميع ذلك إلى الحقّ، ويبصِّركم الهدَى والرشاد، وينهاكم عن الغيّ والضلال؟. يقول لهم تعالى ذكره: فما وجه عُذْركم عند ربّكم في جحودكم نبوَّة نبيِّكم، وارتدادكم على أعقابكم، ورجوعكم إلى أمر جاهليّتكم، إنْ أنتم راجعتم ذلك وكفرتم، وفيه هذه الحجج الواضحة والآياتُ البيّنة على خطأ فعلكم ذلك إن فعلتموه؟ كما:-
7533- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: "وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ" الآية، علَمان بيِّنان: وُجْدان نبي الله صلى الله عليه وسلم، وكتابُ الله. فأمّا نبيّ الله فمضى صلى الله عليه وسلم. وأمّا كتاب الله، فأبقاه الله بين أظهُركم رحمة من الله ونعمة، فيه حلاله وحرامه، وطاعته ومعصيته.
* * *
وأمّا قوله: "وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ"، فإنّه يعني: ومَن يتعلّق بأسباب الله، ويتمسَّك بدينه وطاعته =" فقد هُدِيَ "، يقول: فقد وُفِّق لطريق واضح، ومحجةٍ مستقيمة غير معوجَّة، فيستقيم به إلى رضى الله، وإلى النّجاة من عذاب الله والفوز بجنّته، كما:-
7534- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، قوله: " وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ " قال: يؤمن بالله.
* * *
وأصل " العَصْم " المنع، فكل مانع شيئًا فهو " عاصمه "، والممتنع به " معتصمٌ به "، ومنه قول الفرزدق:
أَنَــا ابــنُ العَـاصِمينَ بَنِـي تَمِيـم
إذَا مَــا أَعْظَــمُ الحَدَثَــانِ نَابَــا (1)
ولذلك قيل للحبل " عِصام "، وللسبب الذي يتسبب به الرجل إلى حاجته " عِصام "، ومنه قول الأعشى:
إلَــى المَــرْءِ قَيْسٍ أُطِيـلُ السُّـرَى
وَآخُــذُ مِــنْ كُــلِّ حَـيٍّ عُصـمْ
(2)
يعني بـ " العُصم " الأسباب، أسبابَ الذمة والأمان. يقال منه: " اعتصمت بحبل من فلان " و " اعتصمتَ حبلا منه " و " اعتصمت به واعتصمته "، وأفصح اللغتين إدخال " الباء "، كما قال عز وجل: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا ، وقد جاء: " اعتصمته "، كما الشاعر: (3)
إذَا أَنْــتَ جَــازَيْتَ الإخـاءَ بِمِثْلِـهِ
وَآسَــيْتَنِي, ثــمَّ اعْتَصَمْـتَ حِبَالِيَـا
(4)
فقال: " اعتصمت حباليا "، ولم يدخل " الباء ". وذلك نظير قولهم: " تناولت الخِطام، وتناولت بالخطام "، و " تعلَّقت به وتعلقته "، كما قال الشاعر: (5)
تَعَلَّقَــتْ هِنْــدًا ناشِـئًا ذَاتَ مِـئْزَرٍ
وَأَنْـتَ وَقَـدَ قَـارَفْتَ, لم تَدْرِ مَا الحِلْمُ
(6)
* * *
وقد بينت معنى " الهدى "،" والصراط"، وأنّه معنيّ به الإسلام، فيما مضى قبل بشواهده، فكرهنا إعادته في هذا الموضع. (7)
* * *
وقد ذكر أنّ الّذي نـزل في سبب تَحاوُز القبيلين (8) الأوس والخزرج، كان منْ قوله: (9) "وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ ".
*ذكر من قال ذلك:
7535- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا حسن بن عطية قال، حدثنا قيس بن الربيع، عن الأغرّ بن الصبّاح، عن خليفة بن حُصَين، عن أبي نصر، عن ابن عباس قال: كانت الأوس والخزرج بينهم حرب في الجاهلية كل شهر، (10) فبينما هم جلوس إذْ ذكروا ما كان بينهم حتى غضبوا، فقام بعضهم إلى بعض بالسلاح، فنـزلت هذه الآية: "وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ" إلى آخر الآيتين، "وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً" إلى آخر الآية. (11)

----------------------

الهوامش :

(1) ديوانه: 115 ، والنقائض: 451 ، مطلع قصيدة ينقض بها هجاء جرير.
(2) ديوانه: 29 من قصيدته في ثنائه على صاحبه قيس بن معد يكرب الكندي ، وقد مضت منها أبيات في 1 : 242 / 5 : 422. والسرى: سير الليل كله. والعصم جمع عصام ، وهكذا ضبط في شعره ، وجائز أن يضبط"عصم" (بكسر العين وفتح الصاد) جمع"عصمة" (بكسر العين وسكون الصاد) وكلاهما مجاز في معنى العهود. وقوله: "وآخذ من كل حي عصم" ، يعني أن سطوة قيس في الأحياء ، ورهبته في صدورهم ، تجعل له عند كل حي عهدًا يأخذه ليجوز به أرضهم آمنًا ، لا يمسه أحد ولا ينال منه. وسيأتي مثل هذا المعنى في بيت آخر يأتي بعد قليل ص : 70 ، تعليق : 3 .
(3) لم أعرف قائله.
(4) معاني القرآن للفراء 1 : 228 ، وضبطه"ثم" هكذا ، وبقى جواب"إذا" في بيت بعده فيما أرجح. ولو قرأته"ثم" بفتح الثاء ، أي هناك ، كان جواب"إذا" ، "اعتصمت حباليا". وتم البيت ، وانفرد عما بعده. ولكني لا أستطيع أن أرجح هذا حتى أعرف بقية الأبيات.
(5) لم أعرف قائله.
(6) معاني القرآن 1 : 228. يقال: "غلام ناشئ ، وجارية ناشئة" ، ولكنه وصف"هندًا" على التذكير فقال: "ناشئًا" ، وقد زعم الليث أنه لم يسمع هذا النعت في الجارية ، فكأن الشاعر وصفها به ، وأمره على التذكير. وقوله: "وقد قارفت" ، أي قاربت ودنوت من الكبر ، والجملة حال معترضة. يقول: تعلقها صغيرة لم تحجب بعد ، وبلغت ما بلغت ، ولم تدر بعد ما الحلم ، وهو الأناة والعقل ومفارقة الصبا وطيش الشباب.
(7) انظر تفسير"الهدى" فيما سلف 1 : 166 - 170 ، وفهارس اللغة / وانظر تفسير"الصراط المستقيم" فيما سلف 1 : 170 - 177 وفهارس اللغة.
(8) في المطبوعة: "تحاور" ، وقد أسلفت قراءتي لهذا الحرف وبيانه فيما سلف: ص55 تعليق: 6 ، وفي المطبوعة: "القبيلتين" بالتاء ، وأثبت ما في المخطوطة.
(9) في المطبوعة والمخطوطة: "كان منه قوله" ، وهو خطأ ، والصواب ما في المخطوطة. ويعني أن الآيات التي نزلت في شأن تحاوز الأوس والخزرج واقتتالهما ، كان من أول هذه الآية ، لا الآيتين قبلها.
(10) قوله: "كل شهر" ، هكذا جاء في المخطوطة واضحا ، والذي في الدر المنثور 2 : 58: "كانت الأوس والخزرج في الجاهلية بينهم شر" ، وفي القرطبي 4 : 156: "كان بين الأوس والخزرج قتال وشر في الجاهلية" ، ويخشى أن يكون ما في المخطوطة: "كل شهر" ، تصحيف"وكل شر" ، ولكن ليس هذا موضع الرأي ، فإن الذين نقلوا هذا الأثر فيما بين يدي ، لم ينقلوه بإسناده هذا ، ولا بتمام لفظه كما هنا.
(11) الأثر: 7535-"حسن بن عطية بن نجيح القرشي" ، سلفت ترجمته في رقم: 4962. و"قيس بن الربيع الأسدي" أبو محمد الكوفي. روي عن أبي إسحاق السبيعي ، والأغر بن الصباح ، وسماك بن حرب وغيرهم. روى عنه الثوري ، وهو من أقرانه ، وشعبة ، ومات قبله ، وعبد الرزاق ووكيع. تكلموا فيه ، وثقه الثوري وشعبة وغيرهما. وضعفه آخرون وقالوا: "ليس بقوي ، يكتب حديثه ولا يحتج به". مترجم في التهذيب. و"الأغر بن الصباح التميمي المنقري". روى عن خليفة بن حصين ، روى عنه الثوري وقيس بن الربيع ، وأبو شبيبة. قال ابن معين والنسائي: "ثقة" ، وقال أبو حاتم"صالح" مترجم في التهذيب. و"خليفة بن حصين بن قيس بن عاصم التميمي المنقري" روى عن أبيه وجده ، وعلي بن أبي طالب ، وزيد بن أرقم ، وأبي نصر الأسدي. وروى عنه الأغر بن الصباح. ثقة. مترجم في التهذيب. و"أبو نصر الأسدي". روي عن ابن عباس ، وعنه خليفة بن حصين. قال البخاري: "لم يعرف سماعه من ابن عباس" ، وقال أبو زرعة: "أبو نصر الأسدي الذي يروي عن ابن عباس: ثقة". مترجم في التهذيب ، والكنى للبخاري: 76 ، وأشار إلى هذا الأثر ، وابن أبي حاتم 4 / 2 / 448.}. انتهـ.


لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ. Screen10


وقال الشيخ السعدي رحمه الله في تفسير الآية:
{.... ثم ذكر تعالى السبب الأعظم والموجب الأكبر لثبات المؤمنين على إيمانهم، وعدم تزلزلهم عن إيقانهم، وأنّ ذلك من أبعد الأشياء، فقال: {وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ} أي: الرسول بين أظهركم يتلو عليكم آيات ربّكم كلّ وقت، وهي الآيات البيّنات التي توجب القطع بموجبها والجزم بمقتضاها وعدم الشكّ فيما دلّت عليه بوجه من الوجوه، خصوصا والمبين لها أفضل الخلق وأعلمهم وأفصحهم وأنصحهم وأرأفهم بالمؤمنين، الحريص على هداية الخلق وإرشادهم بكلّ طريق يقدر عليه، فصلوات الله وسلامه عليه، فلقد نصح وبلغ البلاغ المبين، فلم يبق في نفوس القائلين مقالا ولم يترك لجائل في طلب الخير مجالا، ثم أخبر أنّ مَن اعتصم به فتوكّل عليه وامتنع بقوّته ورحمته عن كل شرّ، واستعان به على كل خير {فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} موصل له إلى غاية المرغوب، لأنّه جمع بين اتّباع الرسول في أقواله وأفعاله وأحواله وبين الاعتصام بالله.} انتهـ.


لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ. Oa_ao_11



عبير الإسلام

عدد المساهمات : 1216
تاريخ التسجيل : 16/04/2015

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ. Empty رد: لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ.

مُساهمة من طرف عبير الإسلام الخميس نوفمبر 28, 2019 9:03 pm




أعوذ بالله من الشيطان الرّجيم


لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ. Aa_oai11
لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ. Iaoaoi11


يقول الشيخ السعدي رحمه الله في تفسير الآية: "وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153)"

{ ولمّا بيّن كثيرا من الأوامر الكبار، والشرائع المهمّة، أشار إليها وإلى ما هو أعمّ منها فقال: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا) أي: هذه الأحكام وما أشبهها، ممّا بيّنه الله في كتابه، ووضّحه لعباده، صراط الله الموصل إليه، وإلى دار كرامته، المعتدل السهل المختصر. (فَاتَّبِعُوهُ) لتنالوا الفوز والفلاح، وتدركوا الآمال والأفراح. (وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ) أي: الطرق المخالفة لهذا الطريق (فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ) أي: تضلّكم عنه وتفرّقكم يمينا وشمالا، فإذا ضللتم عن الصراط المستقيم، فليس ثمّ إلا طرق توصل إلى الجحيم. (ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) فإنّكم إذا قمتم بما بيّنه الله لكم علما وعملا صرتم من المتّقين، وعباد الله المفلحين، ووحّد الصراط وأضافه إليه لأنّه سبيل واحد موصل إليه، والله هو المعين للسالكين على سلوكه.}انتهـ.

لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ. Aia_au10

(من كتاب القول المفيد: جـ1، صـ39 )

ويقول الامام البغوي رحمه الله في تفسير الآية: (وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153))

{ (وَأَنَّ هَٰذَا) أي : هذا الذي وصّيتكم به في هاتين الآيتين (صِرَاطِي) طريقي وديني ، (مُسْتَقِيمًا) مستويا قويما ، (فَاتَّبِعُوهُ) قرأ حمزة والكسائي " وإن " بكسر الألف على الاستئناف ، وقرأ الآخرون : بفتح الألف ، قال الفراء : والمعنى وأتل عليكم أن هذا صراطي مستقيما . وقرأ ابن عامر ويعقوب : بسكون النون . (وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ) أي : الطرق المختلفة التي عدا هذا الطريق ، مثل اليهودية والنصرانية وسائر الملل ، وقيل : الأهواء والبدع ، (فَتَفَرَّقَ) فتميل ، (بِكُمْ) وتشتت ، (عَن سَبِيلِهِ) عن طريقه ودينه الذي ارتضى ، وبه أوصى ، (ذَٰلِكُمْ) الذي ذكرت ، (وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)

أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الصمد الترابي المعروف بأبي بكر بن أبي الهيثم أنا الحاكم أبو الفضل محمد بن الحسين الحدادي ثنا أبو يزيد محمد بن يحيى بن خالد ثنا أبو يعقوب إسحاق بن إبراهيم الحنظلي ثنا عبد الرحمن بن مهدي عن حماد بن زيد عن عاصم بن بهدلة عن أبي وائل عن عبد الله قال : خط لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطا ثم قال : " هذا سبيل الله ، ثم خطّ خطوطا عن يمينه وعن شماله ، وقال : هذه سبل على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه "وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ...) الآية .


لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ. Acoo_a10



عبير الإسلام

عدد المساهمات : 1216
تاريخ التسجيل : 16/04/2015

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ. Empty رد: لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ.

مُساهمة من طرف عبير الإسلام السبت نوفمبر 30, 2019 2:54 pm




لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ. Y_aia_10


معنى حديث: "أنّ الرسول ﷺ خطّ خطًا..."

سؤال يجيب عنه فضيلة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله

السؤال:
سمعت حديثًا عن رسول الله ﷺ، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: خطّ لنا رسول الله ﷺ خطاً، وقال: (هذا طريق الحقّ)، وخطّ خطوطًا عديدة، وقال: (هذه السُّبُل، على رأس كل منها شيطان يزيّنها لسالكيها) هذا معنى ما سمعت، أرجو أن توضّحوا لي معنى ذلكم الحديث؟ جزاكم الله خيرًا.

الجواب:
هذا الحديث صحيح رواه الدارمي وغيره وهو من تفسير قوله جل وعلا: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [الأنعام:153] وفي الحديث: أنّ الرسول ﷺ خط خطًا مستقيمًا فقال: هذا سبيل الله، ثم خط خطوطًا عن يمينه وشماله فقال: هذه السُّبُل، وعلى كل سبيل شيطان يدعو إليه ثم قرأ الآية: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ) [الأنعام:153] الآية.

والمعنى: أنّ صراط الله طريق واضح، يوصل مَن سلكه إلى الجنّة والكرامة. أمّا الطُّرُق التي عن يمينه وشماله فهي البدع والشُّبُهات والشَّهوات المحرّمة التي يسلكها أكثر الخلق، فهي توصل مَن سلكها إلى النار نعوذ بالله من ذلك.

فالواجب على كلّ مسلم أن يسلك الطريق السوي، وهو صراط الله الذي دلّ عليه كتاب الله وسُنَّة الرسول عليه الصلاة والسلام، وهو فعل ما أمر الله به ورسوله، وترك ما نهى الله عنه ورسوله، عن إخلاص لله، وعن إيمان به ومحبّة له عزّوجلّ، وعن موافقة لما شرعه رسوله عليه الصلاة والسلام، هذا هو صراط الله، وهذا هو سبيله.

أمّا ما خالف ذلك من المعاصي والبدع فهي السُّبُل التي نهى عنها الربّ عزّ وجلّ وحذّر منها. نعم.
المقدم: جزاكم الله خيرًا.

المصدر

لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ. Ac_yea10

يقول الشيخ السعدي رحمه اله في تفسير الآية: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا" (174)
{ يمتنّ تعالى على سائر الناس بما أوصل إليهم من البراهين القاطعة والأنوار الساطعة، ويقيم عليهم الحجّة، ويوضّح لهم المحجّة، فقال: (يَأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُم بُرْهَانٌ مِن رَّبِّكُمْ) أي: حجج قاطعة على الحق تبينه وتوضحه، وتبين ضده. وهذا يشمل الأدلة العقلية والنقلية، الآيات الأفقية والنفسية (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقّ)
وفي قوله: (مِن رَّبِّكُمْ) ما يدلّ على شرف هذا البرهان وعظمته، حيث كان من ربّكم الذي ربّاكم التربية الدينية والدنيوية، فمن تربيته لكم التي يحمد عليها ويشكر، أن أوصل إليكم البيّنات، ليهديكم بها إلى الصراط المستقيم، والوصول إلى جنّات النّعيم. (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا) وهو هذا القرآن العظيم، الذي قد اشتمل على علوم الأوّلين والآخرين والأخبار الصادقة النافعة، والأمر بكل عدل وإحسان وخير، والنّهي عن كل ظلم وشر، فالناس في ظلمة، إن لم يستضيئوا بأنواره، وفي شقاء عظيم إن لم يقتبسوا من خيره.} انتهـ.

ويقول الإمام الطبري رحمه الله في تفسير الآية:

{ القول في تأويل قوله : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا) (174)
قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ"، يا أيّها الناس من جميع أصناف الملل، يهودِها ونصاراها ومشركيها، الذين قصّ الله جلّ ثناؤه قَصَصهم في هذه السورة=
"قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ"، يقول: قد جاءتكم حجّة من الله تبرهن لكم بُطُولَ ما أنتم عليه مقيمون من أديانكم ومللكم، (22) وهو محمد صلى الله عليه وسلم، الذي جعله الله عليكم حجّة قطع بها عذركم، وأبلغ إليكم في المعذرة بإرساله إليكم، مع تعريفه إيّاكم صحّة نبوّته، وتحقيق رسالته=
"وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا"، يقول: وأنـزلنا إليكم معه "نُورًا مُبِينًا"، يعني: يبيّن لكم المحجَّة الواضحة، والسُّبُل الهادية إلى ما فيه لكم النّجاة من عذاب الله وأليم عقابه، إن سلكتموها واستنرتم بضوئه. (23)
وذلك "النّور المبين"، هو القرآن الذي أنـزله الله على محمد صلى الله عليه وسلم.} انتهـ.


لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ. Aaya_a10



عبير الإسلام

عدد المساهمات : 1216
تاريخ التسجيل : 16/04/2015

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ. Empty رد: لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ.

مُساهمة من طرف عبير الإسلام الإثنين ديسمبر 16, 2019 7:19 pm




لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ. Ac_yea10


إنّ الله سبحانه، من صفاته العدل، ويحبّ العدل، وقد قسّم النّاس من حيث خضوعهم إلى شريعته، إلى قسم مؤمن بدينه وآياته، وقسم كافر. فأوجب الجزاء لكلا الطرفين، فـأثاب القسم المؤمن فأجزل في المثوبة، وعاقب القسم الكافر وحرمه مايكون سببا في سعادته، وليس هذا إلاّ لجحودهم وكفرهم وعنادهم. وأعظم الحرمان، أن يسلب الله سبحانه، الإنسان، الهداية والتوفيق إلى الأعمال الصّالحة التي قد تكون سبب النّجاة، يوم لاينفعُ مالٌ ولابنون إلاّ مَن أتى اللهَ بقلبٍ سليم.

فبعد أن ذكر الله عزّوجل في الآية السّابقة: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا"، أنّه أنذر النّاس وأراهم كيف يسلكون الطّريق القويم، في كتابه الحكيم، ونبّههم وبيّن لهم ما يمكن أن ينالوه إن استجابوا للرّسول الكريم، في قوله تعالى:"فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِّنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا (175)"، تشجيعًا وتثبيتًا لهم، حتّى لايتردّدوا في سلوك الطّريق المستقيم. لأنّ الإنسانَ يحبّ الإحسانَ، ويحبّ كلّ ما يجلب له الرّاحة والسّعادَة والطّمأنينَة. ولكنّ إدراك السّعادة الحقيقية يتفاوت بتفاوت مستوى فقه الأمر الذي يعين على بلوغها.

قال الشيخ السّعدي مفسّرا للآية: "فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِّنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا"

{ انقسم الناس -بحسب الإيمان بالقرآن والانتفاع به- قسمين: { فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ } أي: اعترفوا بوجوده واتّصافه بكل وصف كامل، وتنزيهه من كل نقص وعيب. { وَاعْتَصَمُــوا بِـهِ } أي: لجأوا إلى الله واعتمدوا عليه وتبرّأوا من حولهم وقوّتهم واستعانوا بربّهم. { فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِّنْهُ وَفَضْلٍ } أي: فسيتغمّدهم بـالرّحمة الخاصّة، فيوفّقهم للخيرات ويجزل لهم المثوبات، ويدفع عنهم البليات والمكروهات.
{ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا } أي: يوفّقهم للعلم والعمل، معرفة الحق والعمل به. أي: ومَن لم يؤمن بالله ويعتصم به ويتمسّك بكتابه، منعهم من رحمته، وحرمهم من فضله، وخلى بينهم وبين أنفسهم، فلم يهتدوا، بل ضلّوا ضلالا مبينا، عقوبة لهم على تركهم الإيمان فحصلت لهم الخيبة والحرمان، نسأله تعالى العفو والعافية والمعافاة.} انتهـ.

والإمام ابن كثير رحمه الله يفسّر الآية: "فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِّنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا (175)"

(فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ) أي : جمعوا بين مقامي العبادة والتّوكّل على الله في جميع أمورهم . وقال ابن جريج : آمنوا بالله واعتصموا بالقرآن . رواه ابن جرير .
(فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِّنْهُ وَفَضْلٍ) أي : يرحمهم فيدخلهم الجنّة ويزيدهم ثوابا ومضاعفة ورفعا في درجاتهم ، من فضله عليهم وإحسانه إليهم ، (وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا) أي : طريقا واضحا قصدا قواما لا اعوجاج فيه ولا انحراف.
وهذه صفة المؤمنين في الدنيا والآخرة ، فهم في الدنيا على منهاج الاستقامة وطريق السلامة في جميع الاعتقادات والعمليات ، وفي الآخرة على صراط الله المستقيم المفضي إلى روضات الجنات. وفي حديث الحارث الأعور عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنّه قال : "القرآن صراط الله المستقيم وحبل الله المتين" . وقد تقدم الحديث بتمامه في أول التفسير ولله الحمد والمنة.} اانتهـ.


لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ. Ea_a_e10


فالله سبحانه يهدي مَن اتّبع طريقه، وخضع لكتابه وسنن أنبيائه . أمّا المعرضون عن آياته، المكذّبون لرسله، فليس لهم جزاء سوى الطّمس على البصيرة، لأنّهم استحبّوا العمى على الهدى، فضلّوا وأضلّوا.
قال الله تعالى: "سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِن يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَّا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِن يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِن يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ (146)"

قال الإمام البغوي رحمه الله في تفسير الآية:

{ قوله تعالى : (سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ) قال ابن عباس : يريد الذين يتجبرون على عبادي ويحاربون أوليائي حتى لا يؤمنوا بي ، يعني : سأصرفهم عن قبول آياتي والتصديق بها، عوقبوا بحرمان الهداية لعنادهم للحق ، كقوله : ( فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم ) .

قال سفيان بن عيينة : سأمنعهم فهم القرآن . قال ابن جريج : يعني عن خلق السماوات والأرض وما فيها أي أصرفهم عن أن يتفكروا فيها ويعتبروا بها . وقيل : حكم الآية لأهل مصر خاصة ، وأراد بالآيات الآيات التسع التي أعطاها الله تعالى موسى عليه السلام . والأكثرون على أن الآية عامة (وَإِن يَرَوْا) يعني : هؤلاء المتكبرين (كُلَّ آيَةٍ لَّا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِن يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ) قرأ حمزة والكسائي " الرشد " بفتح الراء والشين ، والآخرون بضم الراء وسكون الشين وهما لغتان كالسقم والسقم والبخل والبخل والحزن والحزن .
وكان أبو عمرو يفرق بينهما ، فيقول : الرُّشد - بـالضم - : الصلاح في الأمر ، وبـالفتح: الاستقامة في الدين . معنى الآية : إن يروا طريق الهدى والسداد (لَا يَتَّخِذُوهُ) لأنفسهم ( سبيلا (وَإِن يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ) أي طريق الضلال (يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ) عن التفكير فيها والاتّعاظ بها غافلين ساهين .} انتهـ.

ويقول الشيخ السعدي في تفسير الآية:

{ (سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ) أي: عن الاعتبار في الآيات الأفقية والنفسية، والفهم لآيات الكتاب (الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ) أي: يتكبرون على عباد اللّه وعلى الحق، وعلى مَن جاء به، فمَن كان بهذه الصفة، حرمه اللّه خيرا كثيرا وخذله، ولم يفقه من آيات اللّه ما ينتفع به، بل ربّما انقلبت عليه الحقائق، واستحسن القبيح. (وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِهَا) لإعراضهم واعتراضهم، ومحادتهم للّه ورسوله، (وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ) أي: الهدى والاستقامة، وهو الصراط الموصل إلى اللّه، وإلى دار كرامته. (لا يَتَّخِذُوهُ) أي: لا يسلكوه ولا يرغبوا فيه (وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ) أي: الغواية الموصل لصاحبه إلى دار الشقاء يَتَّخِذُوهُ سَبِيلا.
والسبب في انحرافهم هذا الانحراف ذَلِكَ (بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ) فردّهم لآيات اللّه، وغفلتهم عمّا يراد بها واحتقارهم لها - هو الذي أوجب لهم من سلوك طريق الغي، وترك طريق الرشد ما أوجب.} انتهـ


تعليق ونقل التفسير: أم وحيد بهية صابرين



لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ. Io_ooa10




عبير الإسلام

عدد المساهمات : 1216
تاريخ التسجيل : 16/04/2015

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ. Empty رد: لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ.

مُساهمة من طرف عبير الإسلام الخميس يناير 16, 2020 3:31 pm




بسم الله الرّحمن الرّحيم


لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ. Eaaa_o10


قبل أن أختم إن شاء الله، بحثي البسيط، الذي حاولتُ فيه أن أجمع كلّ (معاني الهداية)، وإن كانت لاتُعَدّ ولاتُحصى في كتاب الله القرآن، الذي يحمل للإنسان، ما يدلّه به على خيريّ الدنيا والآخرة، في هداية إرشادٍ وتوجيه من ربّ العالمين، تمهيدًا لطريقٍ، قد يشقّ على بعض النّاس، ويسهل على البعض الآخر، اجتيازه، والله سبحانه، وحده، يعلم مَن يستحقّ الهداية، فيلهمه رشده، ويعلم مَن هو في ضلالٍ مبين.

قال الله تعالى: " أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ كَمَن بَاءَ بِسَخَطٍ مِّنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ ۚ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (162) هُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (163) لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ (164)) (1)


لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ. Eaaa_o10


وكتاب الله سبحانه القرآن، حجّة للإنسان أو عليه. فمن بعد ما يتبيّن للمرء الهدى وطريق الحقّ، ليس له أن يختار لنفسه ما يوبقها به،  "يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا وَتُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ(111)" (2)

يقول الإمام الطبري رحمه الله في تفسير الآية:  "يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا وَتُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ"
يقول تعالى ذكره: إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ  ( يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ ) تخاصم عن نفسها، وتحتجّ عنها بما أسلفت في الدنيا من خير أو شرّ أو إيمان أو كفر ، ( وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ ) في الدنيا من طاعة ومعصية ( وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ ) : يقول: وهم لا يفعل بهم إلا ما يستحقونه ويستوجبونه بما قدّموه من خير أو شرّ، فلا يجزى المحسن إلا بالإحسان ولا المسيء إلا بالذي أسلف من الإساءة، لا يعاقب محسن ولا يبخس جزاء إحسانه، ولا يثاب مسيء إلا ثواب عمله} انتهـ.

ثمّ قال الإمام البغوي رحمه الله:
{ (يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ) تخاصم وتحتج ، (عَن نَّفْسِهَا) بما أسلفت من خير وشر ، مشتغلا بها لا تتفرغ إلى غيرها ، (وَتُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ)

روي أن عمر بن الخطاب قال لكعب الأحبار : خوفنا ، قال : يا أمير المؤمنين ، والذي نفسي بيده ، لو وافيت يوم القيامة بمثل عمل سبعين نبيا لأتت عليك ساعات وأنت لا تهمك إلا نفسك ، وإن لجهنم زفرة لا يبقى ملك مقرب ولا نبي مرسل منتخب ، إلا وقع جاثيا على ركبتيه ، حتى إبراهيم خليل الرحمن ، يقول : يا رب لا أسألك إلا نفسي ، وإن تصديق ذلك : الذي أنزل الله عليكم " يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا " .

وروى عكرمة عن ابن عباس في هذه الآية قال : ما تزال الخصومة بين الناس يوم القيامة ، حتى تخاصم الروح الجسد ، فتقول الروح : يا رب ، لم يكن لي يد أبطش بها ، ولا رجل أمشي بها ، ولا عين أبصر بها . ويقول الجسد : خلقتني كالخشب ليست لي يد أبطش بها ، ولا رجل أمشي بها ، ولا عين أبصر بها ، فجاء هذا كشعاع النور ، فبه نطق لساني ، وأبصرت عيني ، ومشت رجلي . فيضرب الله لهما مثلا أعمى ومقعد ، دخلا حائطا فيه ثمار ، فـالأعمى لا يبصر الثمر ، والمقعد لا يناله ، فحمل الأعمى المقعد فأصابا من الثمر، فعليهما العذاب .} انتهـ


لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ. Aoa_ao10


---------------------------------------------
(1) سورة آل عمران.
(2) سورة النحل.




عبير الإسلام

عدد المساهمات : 1216
تاريخ التسجيل : 16/04/2015

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ. Empty رد: لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ.

مُساهمة من طرف عبير الإسلام الإثنين يناير 20, 2020 5:07 pm




لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ. Oa_ao_10


الهداية وما أدراك ما الهداية، كلمة، حروفها قليلة، ومنافعها كثيرة، وعليها مدار سعادة الإنسان أو شقائه في هذه الحياة. ولهذا كان النبيّ محمد وجميع الأنبياء والرُّسل (عليهم من الله أفضل الصّلاة وأزكى التّسليم)، يعتنون بـإصلاح النّاس ويصبرون على هذه الوظيفة الشّاقّة، وقد تكبّدوا الصِّعاب، ولاقوا من أقوامهم أشدّ الأذى والعذاب.
وإصلاح النّاس، لايتقنه إلاّ مَن هيّأه الله لهذه المهمّة الثّقيلة، يحمل عبئًا، يسعد به غيره، رجاء ثوابٍ من الله، يحقّق له به سعادة أبديّة، لاشقاء بعدها ولا عناء.

وأجمل ما أختم به موضوعي هذا، ختامًا، بحجم الموضوع الأصلي في الأهميّة وأكثر بكثير، وإن كان من المفروض أن يأتي أوّله، وقد عدتُ بالقرّاء إلى الوراء، لكن بشيء من التّفصيل المبدع في الوصف والتدقيق للمعاني، من الإمام العلاّمة ابن قيم الجوزية رحمه الله. يتطرّق إلى الهداية وأقسامها، أذكر مثلاً من كتاب: شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل/الباب الرّابع عشر:

في الهدى والضلال ومراتبهما والمقدور منهما للخلق وغير المقدور لهم

يقول الإمام ابن القيّم رحمه الله:

هذا المذهب هو قلب أبواب القدر ومسائله. فإنّ أفضل ما يقدر الله لعبده وأجلّ ما يقسّمه له: الهدى، وأعظم ما يبتليه به ويقدره عليه: الضلال . وكلّ نعمة دون نعمة الهدى وكلّ مصيبة دون مصيبة الضلال. وقد اتّفقت رسل الله من أوّلهم إلى آخرهم وكتبه المنزلة عليهم على أنّه سبحانه يضلّ من يشاء ويهدي من يشاء، وأنّه مَن يهده الله فلا مضل له ومَن يضلل فلا هادي له، وأنّ الهدى والإضلال بيده، لا بيد العبد، وأنّ العبد هو الضال أو المهتدي. فالهداية والإضلال فعله سبحانه وقدره والاهتداء والضلال فعل العبد وكسبه. ولا بد قبل الخوض في تقرير ذلك من ذكر مراتب الهدى والضلال في القرآن.
فأّمّا مراتب الهدى فأربعة:

- إحداها: الهدى العام وهو هداية كل نفس إلى مصالح معاشها وما يقيمها وهذا أعم مراتبه.

-المرتبة الثانية: الهدى بمعنى البيان والدلالة والتعليم والدعوة إلى مصالح العبد في معاده وهذا خاص بالمكلّفين وهذه المرتبة أخص من المرتبة الأولى وأعم من الثالثة.

-المرتبة الثالثة: الهداية المستلزمة للاهتداء وهي هداية التوفيق ومشيئة الله لعبده الهداية، وخلقه دواعي الهدى، وإرادته والقدرة عليه للعبد. وهذه الهداية التي لا يقدر عليها إلا الله عز وجل.

-المرتبة الرابعة: الهداية يوم المعاد إلى طريق الجنة والنار.

* (فصل)

-فأما المرتبة الأولى فقد قال سبحانه: ﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأعْلى الَّذِي خَلَقَ فَسَوّى والَّذِي قَدَّرَ فَهَدى
فذكر سبحانه أربعة أمور عامة: الخلق والتسوية والتقدير والهداية. وجعل التسوية من تمام الخلق والهداية من تمام التقدير. قال عطاء "خلق فسوى أحسن ما خلقه وشاهده قوله تعالى: ﴿الَّذِي أحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُفإحسان خلقه يتضمن تسويته وتناسب خلقه وأجزائه بحيث لم يحصل بينها تفاوت يخلّ بالتناسب والاعتدال. فالخلق الإيجاد والتسوية إتقانه وإحسان خلقه"

وقال الكلبي "خلق كل ذي روح فجمع خلقه وسواه باليدين والعينين والرجلين"

وقال مقاتل" خلق لكل دابة ما يصلح لها من الخلق"

وقال أبو إسحاق "خلق الإنسان مستويا" وهذا تمثيل وإلاّ فالخلق والتسوية شامل للإنسان وغيره قال تعالى: ﴿وَنَفْسٍ وما سَوّاها﴾ وقال: ﴿فَسَوّاهُنَّ سَبْعَ سَماوات﴾. فالتسوية شاملة لجميع مخلوقاته: ﴿ما تَرى في خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفاوُتٍ﴾ وما يوجد من التفاوت وعدم التسوية فهو راجع إلى عدم إعطاء التسوية للمخلوق. فإنّ التسوية أمر وجودي تتعلق بالتأثير والإبداع فما عدم منها فلعدم إرادة الخالق للتسوية، وذلك أمر عدمي يكفي فيه عدم الإبداع والتأثير، فتأمل ذلك، فإنّه يزيل عنك الإشكال في قوله: ﴿ما تَرى في خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفاوُتٍ﴾، فـالتفاوت حاصل بسبب عدم مشيئة التسوية كما أنّ الجهل والصمم والعمى والخرس والبكم يكفي فيها عدم مشيئة خلقها وإيجادها وتمام هذا يأتي إن شاء الله في باب دخول الشر في القضاء عند قول النبي ﷺ: "والشر ليس إليك"
والمقصود أنّ كل مخلوق فقد سوّاه خالقه سبحانه في مرتبة خلقه وإن فاتته التسوية من وجه آخر لم يخلق له.

* (فصل)

وأمّا التقدير والهداية فقال مقاتل "قدر خلق الذكر والأنثى فهدى الذكر للأنثى كيف يأتيها"
وقال ابن عباس والكلبي وكذلك قال عطاء "قدر من النسل ما أراد ثم هدى الذكر للأنثى" واختار هذا القول صاحب النظم فقال: "معنى هدى: هداية الذكر لإتيان الأنثى كيف يأتيها" لأنّ إتيان ذكران الحيوان لإناثه مختلف لاختلاف الصور والخلق والهيآت فلولا أنّه سبحانه جبل كلّ ذكر على معرفة كيف يأتي أنثى جنسه لما اهتدى لذلك، وقال مقاتل أيضا: "هداه لمعيشته ومرعاه"

وقال السدي: "قدر مدة الجنين في الرحم ثم هداه للخروج"

وقال مجاهد: "هدى الإنسان لسبيل الخير والشر والسعادة والشقاوة"

وقال الفراء: "التقدير فهدى وأضل فاكتفى من ذكر أحدهما بالآخر".

قلت: الآية أعمّ من هذا كلّه وأضعف الأقوال فيها قول الفراء.
إذا المراد هاهنا الهداية العامة لمصالح الحيوان في معاشه ليس المراد هداية الإيمان والضلال بمشيئته وهو نظير قوله: ﴿رَبُّنا الَّذِي أعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى﴾، فـإعطاء الخلق: إيجاده في الخارج والهداية: التعليم والدلالة على سبيل بقائه وما يحفظه ويقيمه. وما ذكر مجاهد فهو تمثيل منه لا تفسير مطابق للآية. فإنّ الآية شاملة لهداية الحيوان كلّه ناطقه وبهيمه طيره ودوابه فصيحه وأعجمه. وكذلك قول مَن قال أنّه هداية الذكر لإتيان الأنثى: تمثيل أيضا وهو فرد واحد من أفراد الهداية التي لا يحصيها إلا الله، وكذلك قول مَن قال هداه للمرعى: فإنّ ذلك من الهداية، فإنّ الهداية إلى التقام الثدي عند خروجه من بطن أمه والهداية إلى معرفته أمّه دون غيرها حتى يتبعها أين ذهبت والهداية إلى قصد ما ينفعه من المرعى دون ما يضرّه منه. وهداية الطير والوحش والدواب إلى الأفعال العجيبة التي يعجز عنها الإنسان كـهداية النحل إلى سلوك السبل التي فيها مراعيها على تباينها ثم عودها إلى بيوتها من الشجر والجبال وما يغرس بنو آدم.

وأمر النحل في هدايتها من أعجب العجب وذلك أنّ لها أميرا ومدبرا وهو اليعسوب وهو أكبر جسما من جميع النحل وأحسن لونا وشكلا، وإناث النحل تلد في إقبال الربيع، وأكثر أولادها يكن إناثا وإذا وقع فيها ذكر لم تدعه بينها، بل إما أن تطرده وإما أن تقتله إلا طائفة يسيرة منها تكون حول الملك. وذلك أنّ الذكر منها لا تعمل شيئا ولا تكسب ثم تجمع الأمهات وفراخها عند الملك فيخرج بها إلى المرعى من المروج والرياض والبساتين والمراتع في أقصد الطرق وأقربها فيجتني منها كفايتها، فيرجع بها الملك فإذا انتهوا إلى الخلايا وقف على بابها ولم يدع ذكرا ولا نحلة غريبة تدخلها. فإذا تكامل دخولها دخل بعدها وتواجدت النحل على مقاعدها وأماكنها، فيبتدئ الملك بالعمل كأنّه يعلمها إيّاه، فيأخذ النحل في العمل ويتسارع إليه ويترك الملك العمل ويجلس ناحية بحيث يشاهد النحل فيأخذ النحل في إيجاد الشمع من لزوجات الأوراق والأنوار ثم تقتسم النحل فرقا، فمنها فرقة تلزم الملك ولا تفارقه ولا تعمل ولا تكسب وهم حاشية الملك من الذكورة ومنها فرقة تهيئ الشمع وتصنعه والشمع هو ثفل العسل وفيه حلاوة كحلاوة التين وللنحل فيه عناية شديدة فوق عنايتها بالعسل، فينظفه النحل ويصفيه ويخلصه مما يخالطه من أبوالها وغيرها. وفرقة تبني البيوت وفرقة تسقي الماء وتحمله على متونها وفرقة تكنس الخلايا وتنظفها من الأوساخ والجيف والزبل. وإذا رأت بينها نحلة مهينة بطالة قطعها وقتلها حتى لا تفسد عليهن بقية العمال وتعديهن ببطالتها ومهانتها.
وأول ما يبنى في الخلية: مقعد الملك وبيته ، فيبنى له بيتا مربعا يشبه السرير والتخت فيجلس عليه ويستدير حوله طائفة من النحل يشبه الأمراء والخدم والخواص لا يفارقنه. ويجعل النحل بين يديه شيئا يشبه الحوض يصب فيه من العسل أصفى ما يقدر عليه ويملأ منه الحوض يكون ذلك طعاما للملك وخواصه ثم يأخذن في ابتناء البيوت على خطوط متساوية كأنها سكك ومحال وتبنى بيوتها مسدسة متساوية الأضلاع كأنها قرأت كتاب أقليدس حتى عرفت أوفق الأشكال لبيوتها لأن المطلوب من بناء الدور هو الوثاقة والسعة. والشكل المسدس دون سائر الأشكال إذا انضمت بعض أشكاله إلى بعض صار شكلا مستديرا كاستدارة الرحى ولا يبقى فيه فروج ولا خلل ويشد بعضه بعضا حتى يصير طبقا واحدا محكما لا يدخل بين بيوته رؤوس الإبر. فـتبارك الذي ألهمها أن تبني بيوتها هذا البناء المحكم الذي يعجز البشر عن صنع مثله، فعلمت أنها محتاجة إلى أن تبني بيوتها من أشكال موصوفة بصفتين
- إحداهما: أن لا يكون زواياها ضيقة حتى لا يبقى الموضع الضيق معطلا.
-الثانية: أن تكون تلك البيوت مشكلة بأشكال إذا انضم بعضها إلى بعض وامتلأت العرصة منها فلا يبقى منها ضائعا ثم إنها علمت أنّ الشكل الموصوف بهاتين الصفتين هو المسدس فقط. فإنّ المثلثات والمربعات وإن أمكن امتلاء العرصة منها إلاّ أنّ زواياها ضيقة وأمّا سائر الأشكال وإن كانت زواياها واسعة إلاّ أنها لا تمتلئ العرصة منها بل يبقى فيما بينها فروج خالية ضائعة.

وأما المسدس فهو موصوف بهاتين الصفتين. فـهداها سبحانه على بناء بيوتها على هذا الشكل من غير مسطر ولا آلة ولا مثال يحتذى عليه، وأصنع بني آدم لا يقدر على بناء البيت المسدس إلا بالآلات الكبيرة. فـتبارك الذي هداها أن تسلك سبل مراعيها على قوتها، وتأتها ذللا لا تستعصي عليها ولا تضل عنها، وأن تجتني أطيب ما في المرعى وألطفه وأن تعود إلى بيوتها الخالية فتصب فيها شرابا مختلفا ألوانه (فيه شفاء للناس إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون)

فإذا فرغت من بناء البيوت خرجت خماصا تسيح سهلا وجبلا فأكلت من الحلاوات المرتفعة على رؤوس الأزهار وورق الأشجار فترجع بطانا. وجعل سبحانه في أفواهها حرارة منضجة، تنضج ما جنته فتعيده حلاوة ونضجا ثم تمجه في البيوت حتى إذا امتلأت ختمتها وسدت رؤوسها بالشمع المصفى، فإذا امتلأت تلك البيوت عمدت إلى مكان آخر إن صادفته، فاتخذت فيه بيوتا وفعلت كما فعلت في البيوت الأولى. فإذا برد الهوى وأخلف المرعى وحيل بينها وبين الكسب لزمت بيوتها واغتذت بما ادخرته من العسل وهي في أيام الكسب والسعي تخرج بكرة وتسيح في المراتع وتستعمل كل فرقة منها بما يخصها من العمل فإذا أمست رجعت إلى بيوتها وإذا كان وقت رجوعها وقف على باب الخلية بواب منها ومعه أعوان، فكل نحلة تريد الدخول يشمها البواب ويتفقدها فإن وجد منها رائحة منكرة أو رأى بها لطخة من قذر، منعها من الدخول وعزلها ناحية إلى أن يدخل الجميع، فيرجع إلى المعزولات الممنوعات من الدخول فيتفقدهن ويكشف أحوالهن مرة ثانية. فمن وجده قد وقع على شيء منتن أو نجس، قدّه نصفين ومَن كانت جنايته خفيفة تركه خارج الخلية هذا دأب البواب كل عشية.

وأما الملك فلا يكثر الخروج من الخلية إلا نادرا إذا اشتهى التنزه فيخرج ومعه أمراء النحل والخدم فيطوف في المروج والرياض والبساتين ساعة من النهار ثم يعود إلى مكانه.

ومن عجيب أمره أنّه ربّما لحقه أذى من النحل أو من صاحب الخلية أو من خدمه، فيغضب ويخرج من الخلية ويتباعد عنها ويتبعه جميع النحل وتبقى الخلية خالية، فإذا رأى صاحبها ذلك وخاف أن يأخذ النحل ويذهب بها إلى مكان آخر، احتال لاسترجاعه وطلب رضاه، فيتعرف موضعه الذي صار إليه بالنحل، فيعرفه باجتماع النحل إليه، فإنها لا تفارقه وتجتمع عليه حتى تصير عليه عنقودا وهو إذا خرج غضبا، جلس على مكان مرتفع من الشجرة وطافت به النحل وانضمت إليه حتى يصير كالكرة فيأخذ صاحب النحل رمحا أو قصبة طويلة ويشد على رأسه حزمة من النبات الطيب الرائحة العطر النظيف ويدنيه إلى محل الملك ويكون معه إما مزهر أو يراع أو شيء من آلات الطرب فيحركه وقد أدنى إليه ذلك الحشيش، فلا يزال كذلك إلى أن يرضى الملك، فإذا رضي وزال غضبه، طفر ووقع على الضغث وتبعه خدمه وسائر النحل فيحمله صاحبه إلى الخلية، فينزل ويدخلها هو وجنوده. ولا يقع النحل على جيفة ولا حيوان ولا طعام. ومن عجيب أمرها أنها تقتل الملوك الظلمة المفسدة، ولا تدين لطاعتها، والنحل الصغار المجتمعة الخلق هي العسالة وهي تحاول مقاتلة الطوال القليلة النفع وإخراجها ونفيها عن الخلايا. وإذا فعلت ذلك جاد العسل وتجتهد أن تقتل ما تريد قتلها خارج الخلية صيانة للخلية عن جيفته. ومنها صنف قليل النفع كبير الجسم وبينها وبين العسالة حرب فهي تقصدها وتغتالها وتفتح عليها بيوتها وتقصد هلاكها والعسالة شديدة التيقظ والتحفظ منها، فإذا هجمت عليها في بيوتها، حاولتها وألجأتها إلى أبواب البيوت فتتلطخ بالعسل فلا تقدر على الطيران ولا يفلت منها الآكل طويل العمر. فإذا انقضت الحرب وبرد القتال عادت إلى القتلى فحملتها وألقتها خارج الخلية.
وقد ذكرنا أنّ الملك لا يخرج إلاّ في الأحايين، وإذا خرج خرج في جموع من الفراخ والشبان، وإذا عزم على الخروج ظل قبل ذلك اليوم أو يومين يعلم الفراخ وينزلها منازلها ويرتبها، فيخرج ويخرجن معه على ترتيب ونظام قد دبّره معهن لا يخرجن عنه، وإذا تولدت عنده ذكران عرف أنهن يتطلبن الملك، فيجعل كل واحد منهم على طائفة من الفراخ ولا يقتل ملك منها ملكا آخر لما في ذلك من فساد الرعية وهلاكها وتفرقها، وإذا رأى صاحب الخلية الملوك قد كثرت في الخلية وخاف من تفرّق النحل بسببهم، احتال عليهم وأخذ الملوك كلّها إلاّ واحدا ويحبس الباقي عنده في إناء ويدع عندهم من العسل ما يكفيهم حتى إذا حدث بـالملك المنصوب حدث مرض أو موت أو كان مفسدا، فقتلته النحل، أخذ من هؤلاء المحبوسين واحدا وجعله مكانه لئلاّ يبقى النحل بلا ملك، فيتشتت أمرها.

ومن عجيب أمرها أنّ الملك إذا خرج متنزّها ومعه الأمراء والجنود، ربّما لحقه إعياء فتحمله الفراخ، وفي النحل كرام عمال لها سعي وهمة واجتهاد وفيها لئام كسالى قليلة النفع مؤثرة للبطالة. فـالكرام دائما تطردها وتنفيها عن الخلية ولا تساكنها خشية أن تعدي كرامها وتفسدها.
والنحل من ألطف الحيوان وأنقاه ولذلك لا تلقي زبلها إلاّ حين تطير. وتكره النتن والروائح الخبيثة. وأبكارها وفراخها أحرس وأشد اجتهادا من الكبار وأقل لسعا وأجود عسلا، ولسعها إذا لسعت أقلّ ضررا من لسع الكبار.
ولمّا كانت النحل من أنفع الحيوان وأبركه قد خصّت من وحي الربّ تعالى وهدايته لما لم يشركها فيه غيرها. وكان الخارج من بطونها مادة الشفاء من الأسقام والنّور الذي يضيء في الظلام بمنزلة الهداة من الأنام كان أكثر الحيوان أعداء وكان أعداؤها من أقلّ الحيوان منفعة وبركة وهذه سُنّة الله في خلقه وهو العزيز الحكيم.

....يتبع...إن شاء الله...



عبير الإسلام

عدد المساهمات : 1216
تاريخ التسجيل : 16/04/2015

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ. Empty رد: لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ.

مُساهمة من طرف عبير الإسلام الخميس يناير 23, 2020 4:43 pm




لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ. Aao_aa13


قصّة النّملة والنّبيّ سليمان عليه السّلام

* (فصل)

وهذه النمل من أهدى الحيوانات، وهدايتها من أعجب شيء. فإنّ النّملة الصغيرة تخرج من بيتها وتطلب قوتها وإن بعدت عليها الطريق. فإذا ظفرت به حملته وساقته في طرق معوجة بعيدة ذات صعود وهبوط، في غاية من التّوعّر حتّى تصل إلى بيوتها فتخزن فيها أقواتها في وقت الإمكان. فإذا خزنتها عمدت إلى ما ينبت منها ففلقته فلقتين لئلاّ ينبت، فإن كان ينبت مع فلقه باثنتين، فلقته بأربعة، فإذا أصابه بلل وخافت عليه العفن والفساد، انتظرت به يوما ذا شمس، فخرجت به، فنشرته على أبواب بيوتها ثم أعادته إليها ولا تتغذّى منها نملة ممّا جمعه غيرها.
ويكفي في هداية النمل، ما حكاه الله سبحانه في القرآن عن النّملة التي سمع سليمان كلامها وخطابها لأصحابها بقولها: ﴿يا أيُّها النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكم لا يَحْطِمَنَّكم سُلَيْمانُ وجُنُودُهُ وهم لا يَشْعُرُونَ﴾.
فاستفتحت خطابها بـالنداء الذي يسمعه مَن خاطبته، ثم أتت بـالاسم المبهم ثم أتبعته بما يثبته من اسم الجنس، إرادة للعموم ثم أمرتهم بأن يدخلوا مساكنهم فيتحصّنون من العسكر، ثم أخبرت عن سبب هذا الدخول وهو خشية أن يصيبهم معرة الجيش، فـيحطمهم سليمان وجنوده ثم اعتذرت عن نبي الله وجنوده بأنّهم لا يشعرون بذلك وهذا من أعجب الهداية.

وتأمّل كيف عظم الله سبحانه شأن النمل بقوله: ﴿وَحُشِرَ لِسُلَيْمانَ جُنُودُهُ مِنَ الجِنِّ والإنْسِ والطَّيْرِ فَهم يُوزَعُونَ

ثم قال: ﴿حَتّى إذا أتَوْا عَلى وادِ النَّمْلِ﴾ فأخبر أنّهم بـأجمعهم مرّوا على ذلك الوادي، ودلّ على أنّ ذلك الوادي معروفا بالنّمل، كوادي السباع ونحوه، ثم أخبر بما دلّ على شدّة فطنة هذه النّملة ودقّة معرفتها، حيث أمرتهم أن يدخلوا مساكنهم المختصة بهم، فقد عرفت هي والنّمل أنّ لكل طائفة منها مسكنا لا يدخل عليهم فيه سواهم ثم قالت ﴿لا يَحْطِمَنَّكم سُلَيْمانُ وجُنُودُهُ﴾، فجمعت بين اسمه وعينه وعرفته بهما وعرفت جنوده وقائدها ثم قالت ﴿وهم لا يشعرون﴾ فكأنّها جمعت بين الاعتذار عن مضرّة الجيش بكونهم لا يشعرون وبين لوم أمّة النّمل حيث لم يأخذوا حذرهم ويدخلوا مساكنهم، ولذلك تبسّم نبي الله ضاحكا من قولها وإنّه لموضع تعجّب وتبسّم.

وقد روى الزهري عن عبد الله بن عبد الله بن عيينة عن ابن عباس أن رسول الله ﷺ: "نهى عن قتل النمل والنحلة والهدهد والصرد" وفي الصحيح عن أبي هريرة عن النبي ﷺ قال: "نزل بني من الأنبياء تحت شجرة فقرصته نملة فأمر بجهازه فأخرج وأمر بقرية النمل فأحرقت فأوحى الله إليه أمن أجل أن قرصتك نملة أحرقت أمّة من الأمم تسبّح، فهلا نملة واحدة" وذكر هشام بن حسان: "أنّ أهل الأحنف بن قيس لقوا من النّمل شدّة فأمر الأحنف بكرسي فوضع عند تنورين فجلس عليه ثم تشهد ثم قال: لتنتهن أو ليحرقن عليكن ونفعل ونفعل، قال: فذهبن"

وروى عوف بن أبي جميلة عن قسامة بن زهير قال قال أبو موسى الأشعري: "إنّ لكل شيء سادة حتى للنمل سادة، ومن عجيب هدايتها أنّها تعرف ربّها بأنّه فوق سماواته على عرشه كما رواه الإمام أحمد في كتاب الزهد من حديث أبي هريرة يرفعه قال: "خرج نبي من الأنبياء بالناس يستسقون فإذا هم بنملة رافعة قوائمها إلى السماء تدعو مستلقية على ظهرها فقال ارجعوا فقد كفيتم أو سقيتم بغيركم" ولهذا الأثر عدة طرق ورواه الطحاوي في التهذيب وغيره وقال الإمام أحمد حدثنا قال: "خرج سليمان بن داؤد يستسقي فرأى نملة مستلقية على ظهرها رافعة قوائمها إلى السماء وهي تقول: اللّهم إنّا خلق من خلقك ليس بنا غنى عن سقياك ورزقك. فإمّا أن تسقينا وترزقنا وإمّا أن تهلكنا. فقال: ارجعوا فقد سقيتم بدعوة غيركم".
ولقد حدثني أنّ نملة خرجت من بيتها فصادفت شق جرادة، فحاولت أن تحمله فلم تطق، فذهبت وجاءت معها بـأعوان يحملنه معها، قال: فرفعت ذلك من الأرض فطافت في مكانه فلم تجده، فانصرفوا وتركوها قال: فوضعته، فعادت تحاول حمله فلم تقدر، فذهبت وجاءت بهم فرفعته، فطافت فلم تجده، فانصرفوا، قال: فعلت ذلك مرارا، فلمّا كان في المرة الأخرى استدار النمل حلقة ووضعوها في وسطها وقطعوها عضوا عضوا.
قال شيخنا: وقد حكيت له هذه الحكاية فقال هذه النمل فطرها الله سبحانه على قبح الكذب وعقوبة الكذب. والنّمل من أحرص الحيوان، ويضرب بـحرصه المثل. ويذكر أنّ سليمان صلوات الله وسلامه عليه لمّا رأى حرص النّملة وشدّة ادّخارها للغذاء استحضر نملة وسألها: كم تأكل النملة من الطعام كل سنة، قالت: ثلاث حبّات من الحنطة، فأمر بـإلقائها في قارورة وسدّ فم القارورة وجعل معها ثلاث حبّات حنطة وتركها سنة بعد ما قالت. ثم أمر بـفتح القارورة عند فراغ السنة، فوجد حبّة ونصف حبّة. فقال: أين زعمك؟ أنتِ زعمت أنّ قوتك كل سنة ثلاث حبّات، فقالت: نعم ولكن لمّا رأيتك مشغولا بمصالح أبناء جنسك، حسبت الذي بقي من عمري فوجدته أكثر من المدة المضروبة، فاقتصرت على نصف القوت، واستبقيت نصفه استبقاء لنفسي. فعجب سليمان من شدّة حرصها وهذا من أعجب الهداية والعطية.  
ومن حرصها أنّها تكد طوال الصيف وتجمع للشتاء علما منها بإعواز الطلب في الشتاء وتعذر الكسب فيه وهي على ضعفها، شديدة القوى فإنها تحمل أضعاف أضعاف وزنها وتجرّه إلى بيتها. ومن عجيب أمرها، أنّك إذا أخذت عضو كزبرة يابس فأدنيته إلى أنفك لم تشم له رائحة، فإذا وضعته على الأرض أقبلت النملة من مكان بعيد إليه، فإن عجزت عن حمله ذهبت وأتت معها بصف من النمل يحتملونه، فكيف وجدت رائحة ذلك من جوف بيتها حتى أقبلت بسرعة إليه، فهي تدرك بالشم من البعد ما يدركه غيرها بالبصر أو بالسمع، فتأتي من مكان بعيد إلى موضع أكل فيه الإنسان وبقي فيه فتات من الخبز أو غيره، فتحمله وتذهب به وإن كان أكبر منها، فإن عجزت عن حمله ذهبت إلى جحرها وجاءت معها بطائفة من أصحابها فجاؤوا كـخيط أسود، يتبع بعضهم بعضا، حتى يتساعدوا على حمله ونقله وهي تأتي إلى السنبلة فتشمّها، فإن وجدتها حنطة قطعتها ومزّقتها وحملتها. وإن وجدتها شعيرا فلا. ولها صدق الشم وبُعد الهِمَّة وشدّة الحرص والجرأة على محاولة نقل ما هو أضعاف أضعاف وزنها.
وليس للنّمل قائد ورئيس يدبرها، كما يكون للنحل إلاّ أنّ لها رائدا يطلب الرزق، فإذا وقف عليه أخبر أصحابه، فيخرجن مجتمعات. وكلّ نملة تجتهد في صلاح العامة منها غير مختلسة من الحب شيئا لنفسها دون صواحباتها.
ومن عجيب أمرها أنّ الرجل إذا أراد أن يحترز من النمل لا يسقط في عسل أو نحوه، فإنّه يحفر حفيرة ويجعل حولها ماء أو يتخذ إناء كبيرا ويملأه ماء ثم يضع فيه ذلك الشيء، فيأتي الذي يطيف به فلا يقدر عليه فيتسلق في الحائط ويمشي على السقف إلى أن يحاذي ذلك الشيء فتلقي نفسها عليه. وجربنا نحن ذلك وأحمى صانع مرة طوقا بالنار ورماه على الأرض ليبرد، واتفق أن اشتمل الطوق على نمل، فتوجّه في الجهات ليخرج فلحقه وهج النار فلزم المركز ووسط الطوق وكان ذلك مركزا له، وهو أبعد مكان من المحيط.

لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ. _aaa_i13


(من تفسير ابن باديس رحمه الله لسورة النمل.) (1)


قصّة الهدهد والنّبيّ سليمان عليه السّلام

* (فصل)

وهذا الهدهد من أهدى الحيوان وأبصره بمواضع الماء تحت الأرض، لا يراه غيره. ومن هدايته ما حكاه الله عنه في كتابه أن قال لنبي الله سليمان، وقد فقده وتوعّده. فلمّا جاءه بدره بـالعذر قبل أن ينذره سليمان بالعقوبة. وخاطبه خطابا هيّجه به على الإصغاء إليه والقبول منه، فقال أحطت بما لم تحط به، وفي ضمن هذا أنّي أتيتك بأمر قد عرفته حقّ المعرفة بحيث أحطت به وهو خبر عظيم له شأن فلذلك قال ﴿وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ
والنّبأ هو الخبر الذي له شأن والنّفوس متطلّعة إلى معرفته، ثم وصفه بأنّه نبأ يقين، لا شك فيه ولا ريب. فهذه مقدمة بين يدي إخباره لنبي الله بذلك النبأ، استفرغت قلب المخبر لتلقّي الخبر، وأوجبت له التّشوّف التّام إلى سماعه ومعرفته وهذا نوع من براعة الاستهلال وخطاب التهييج ثم كشف عن حقيقة الخبر كشفا مؤكدا بأدلّة التأكيد فقال: إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ، ثم أخبر عن شأن تلك الملكة وأنّها  من أجلّ الملوك، بحيث وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ يصلح أن تؤتاه الملوك، ثم زاد في تعظيم شأنها، بذكر عرشها التي تجلس عليه وأنّه عرش عظيم ثم أخبره بما يدعوهم إلى قصدهم وغزوهم في عقر دارهم بعد دعوتهم إلى الله فقال: ﴿وَجَدْتُها وقَوْمَها يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ﴾.

وحذف أداة العطف من هذه الجملة وأتى بها مستقلّة غير معطوفة على ما قبلها، إيذانا بأنّها هي المقصودة، وما قبلها توطئة لها، ثم أخبر عن المغوي لهم الحامل لهم على ذلك وهو تزيين الشيطان لهم أعمالهم حتى صدّهم عن السبيل المستقيم وهو السّجود لله وحده، ثم أخبر أنّ ذلك الصدّ حال بينهم وبين الهداية والسجود لله، الذي لا ينبغي السجود إلاّ له، ثم ذكر من أفعاله سبحانه: إخراج الخبء في السماوات والأرض، وهو المخبوء فيهما من المطر والنبات والمعادن وأنواع ما ينزل من السماء وما يخرج من الأرض.
وفي ذكر الهدهد هذا الشأن من أفعال الربّ تعالى بخصوصه إشعار بما خصّه الله به، من إخراج الماء المخبوء تحت الأرض. قال صاحب الكشاف: "وفي إخراج الخبء أمارة على أنّه من كلام الهدهد لـهندسته ومعرفته الماء تحت الأرض وذلك بـإلهام مَن يخرج الخبء في السّماوات والأرض (جلّت قدرته ولطف علمه). ولا يكاد يخفى على ذي الفراسة الناظر بنور الله مخايل كل شخص بصناعة أو فن من العلم في روائه ومنطقه وشمائله. فما عمل آدمي عملاً إلاّ ألقى الله عليه رداء عمله".


لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ. Aa_acc11

(من تفسير ابن باديس رحمه الله لسورة النمل.) (2)

-------------------------------------------------

(1) (2) -تفسير ابن باديس (في مجالس التذكير من كلام الحكيم الخبير.



للتّنبيه فقط على ما جاء في اهتداء النّملة والهدهد:

-النّملة حين قالت لقومها عن سليمان عليه السّلام وجنوده "وهم لايشعرون"، وقد قال المفسّرون أنّه اعتذار عمّا يتسبّب فيه سليمان عليه السلام وجنوده من تحطيم مساكن النّمل، حيث نبّهت النّملة قومها أن يأخذوا حيطتهم حتّى لايقعوا في هذا الضّرر، وهنا، بهذا التّنبيه والاعتذار، تشير النّملة إلى أنّ النبي سليمان عليه السلام لايقصد أذيّتهم، وقد أوضحت هذه الإشارة بقولها:"وهم لايشعرون".
وهذا يدلّ على أنّ أنبياء الله ورسله، عليهم الصّلاة والسّلام، قد أرسلوا رحمةً للعالمين، وأنّهم لايغترّون بقوّتهم وملكهم ومكانتهم في الأرض، و سواء كانوا ملوكا أو قادة، فهم أفضل النّاس، تواضعًا ولينًا وشفقةً بِمَن هم دونهم،. صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.

الهدهد الصغير الذي أحاط بما لم يحط به النبي سليمان عليه السلام، هو نوع من الاهتداء كما يقول الإمام الشيخ ابن باديس رحمه الله، يمنحه الله لمَن يشاء من خلقه.


تعليق: أم وحيد بهية صابرين




عبير الإسلام

عدد المساهمات : 1216
تاريخ التسجيل : 16/04/2015

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ. Empty رد: لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ.

مُساهمة من طرف عبير الإسلام الخميس فبراير 06, 2020 3:26 pm




لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ. A_aa_c10


وهذا الحمام من أعجب الحيوان هداية حتى قال الشافعي: "أعقل الطير الحمام"

وبرد الحمام هي التي تحمل الرسائل والكتب ربّما زادت قيمة الطير منها على قيمة المملوك والعبد فإنّ الغرض الذي يحصل به لا يحصل بمملوك ولا بحيوان غيره لأنّه يذهب ويرجع إلى مكانه من مسيرة ألف فرسخ فما دونها وتنهي الأخبار والأغراض والمقاصد التي تتعلق بها مهمات الممالك والدول والقيّمون بأمرها يعتنون بأنسابها اعتناء عظيما، فيفرقون بين ذكورها وإناثها وقت السفاد وتنقل الذكور عن إناثها إلى غيرها والإناث عن ذكورها ويخافون عليها من فساد أنسابها وحملها من غيرها ويتعرفون صحة طرقها ومحلها لا يأمنون أن تفسد الأنثى ذكرا من عرض الحمام فتعتريها الهجنة

والقيّمون بأمرها لا يحفظون أرحام نسائهم ويحتاطون لها كما يحفظون أرحام حمامهم ويحتاطون لها. والقيّمون لهم في ذلك قواعد وطرق يعتنون بها غاية الاعتناء بحيث إذا رأوا حماما ساقطا لم يخف عليهم حسبها ونسبها وبلدها ويعظمون صاحب التجربة والمعرفة وتسمح أنفسهم بـالجعل الوافر له. ويختارون لحمل الكتب والرسائل الذكور منها ويقولون هو أحنّ إلى بيته لمكان أنثاه وهو أشد متنا وأقوى بدنا وأحسن اهتداء. وطائفة منهم يختار لذلك الإناث ويقولون الذكر إذا سافر وبعد عهده حنّ إلى الإناث وتاقت نفسه إليهن، فربّما رأى أنثى في طريقه ومجيئه فلا يصبر عنها فيترك المسير ومال إلى قضاء وطره منها.
وهدايته على قدر التعليم والتوطين والحمام موصوف باليمن والألف للناس ويحب الناس ويحبّونه ويألف المكان ويثبت على العهد والوفاء لصاحبه وإن أساء إليه، ويعود إليه من مسافات بعيدة وربّما صد فترك وطنه عشر حجج وهو ثابت على الوفاء حتى إذا وجد فرصة واستطاعة، عاد إليه.
والحمام إذا أراد السفاد يلطف للأنثى غاية اللطف فيبدأ بنشر ذنبه وإرخاء جناحه ثم يدنو من الأنثى فيهدر لها ويقبلها ويزفها وينتفش ويرفع صدره ثم يعتريه ضرب من الوله والأنثى في ذلك مرسلة جناحها وكتفها على الأرض فإذا قضى حاجته منها ركبته الأنثى وليس ذلك في شيء من الحيوان سواه وإذا علم الذكر أنّه أودع رحم الأنثى ما يكون منه الولد يقدم هو والأنثى بطلب القصب والحشيش وصغار العيدان فيعملان منه أفحوصة وينسجانها نسجا متداخلا في الوضع الذي يكون بقدر حيمان الحمامة ويجعلان حروفها شاخصة مرتفعة لئلا يتدحرج عنها البيض ويكون حصنا للحاضن ثم يتعاودان ذلك المكان ويتعاقبان الأفحوص يسخنانه ويطيبانه وينفيان طباعه الأول ويحدثان فيه طبعا آخر مشتقا ومستخرجا من طباع أبدانهما ورائحتهما لكي تقع البيضة إذا وقعت في مكان هو أشبه المواضع بأرحام الحمام ويكون على مقدار من الحر والبرد والرخاوة والصلابة ثم إذا ضربها المخاض بادرت إلى ذلك المكان ووضعت فيه البيض فإن أفزعها رعد قاصف رمت بالبيضة دون ذلك المكان الذي هيّأته كالمرأة التي تسقط من الفزع فإذا وضعت البيض في ذلك المكان لم يزالا يتعاقبان الحضن حتى إذا بلغ الحضن مداه وانتهت أيامه انصدع عن الفرخ فأعاناه على خروجه فيبدآن أولا بنفخ الريح في حلقه حتى تتسع حوصلته علما منهما بأن الحوصلة تضيق عن الغذاء فتتسع الحوصلة بعد التحامها وتنفتق بعد ارتقاقها ثم يعلمان أن الحوصلة وإن كانت قد اتسعت شيئا فإنها في أول الأمر لا تحتمل الغذاء فيزقانه بلعابهما المختلط بالغذاء وفيه قوى الطعم ثم يعلمان أن طبع الحوصلة تضعف عن استمرار الغذاء وأنها تحتاج إلى دفع وتقوية لتكون لها بعض المتانة، فيلقطان من الغيطان الحب اللين الرخو ويزقانه الفرخ ثم يزقانه بعد ذلك الحب الذي هو أقوى وأشد ولا يزالان يزقانه بالحب والماء على تدريج بحسب قوة الفرخ وهو يطلب ذلك منهما حتى إذا علما أنه قد أطاق اللقط منعاه بعض المنع ليحتاج إلى اللقط ويعتاده وإذا علما أنّ رئته قد قويت ونمت وأنّهما إن فطماه فطما تاما قوي على اللقط وتبلغ لنفسه ضرباه إذا سألهما الزق ومنعاه ثم تنزع تلك الرحمة العجيبة منهما وينسيان ذلك التعطف المتمكن حين يعلمان أنه قد أطاق القيام بنفسه والتكسب ثم يبتدآن العمل ابتداء على ذلك النظام.

والحمام يشاكل الناس في أكثر طباعه ومذاهبه، فإنّ من إناثه أنثى لا تريد إلا زوجها، وفيه أخرى لا ترد يد لامس وأخرى لا تنال إلا بعد الطلب الحثيث وأخرى تركب من أول وهلة وأول طلب وأخرى لها ذكر معروف بها وهي تمكن ذكرا آخر منها إذا غاب زوجها لم تمتنع ممن ركبها. وأخرى تمكن مَن يغنيها عن زوجها وهو يراهما ويشاهدهما ولا تبالي بحضوره. وأخرى تعمط الذكر وتدعوه إلى نفسها وأنثى تركب أنثى وتساحقها وذكر يركب ذكرا ويعسفه. وكل حالة توجد في الناس ذكورهم وإناثهم توجد في الحمام. وفيها مَن لا تبيض وإن باضت أفسدت البيضة، كالمرأة التي لا تريد الولد كيلا يشغلها عن شأنها.

وفي إناث الحمام مَن إذا عرض لها ذكر أي ذكر كان، أسرعت هاربة ولا تواتي غير زوجها ألبتة، بمنزلة المرأة الحرّة. ومنها ما يأخذ أنثى يتمتع بها تم ينتقل عنها إلى غيرها وكذلك الأنثى توافق ذكرا آخر عن زوجها وتنتقل عنه وإن كانوا جميعا في برج واحد. ومنها ما يتصالح على الأنثى منها ذكران أو أكثر فتعايرهم كلهم حتى إذا غلب واحد منهم لرفيقه وقهره مالت إليه وأعرضت عن المغلوب وفي الحديث أن النبي ﷺ: "رأى حمامة تتبع حمامة فقال شيطان يتبع شيطانه".

ومنها ما يزق فراخه خاصة ومنها ما فيه شفقة ورحمة بالغة يزق فراخه وغيرها.

ومن عجيب هداها أنها إذا حملت الرسائل سلكت الطرق البعيدة عن القرى ومواضع الناس لئلا يعرض لها مَن يصدها، ولا يرد مياههم بل يرد المياه التي لا يردها الناس، ومن هدايتها أيضا أنه إذا رأى الناس في الهواء عرف أي صنف يريده وأي نوع من الأنواع ضده، فيخالف فعله ليسلم منه.

ومن هدايته أنّه في أوّل نهوضه يغفل ويمر بين النسر والعقاب وبين الرخم والبازي، وبين الغراب والصقر فيعرف مَن يقصده ومَن لا يقصده. وإن رأى الشاهين فكأنه يرى السم الناقع وتأخذه حيرة كما يأخذ الشاة عند رؤية الذئب والحمار عند مشاهدة الأسد.

ومن هداية الحمام أنّ الذكر والأنثى يتقاسمان أمر الفراخ، فتكون الحضانة والتربية والكفالة على الأنثى وجلب القوت والزق على الذكر. فإنّ الأب هو صاحب العيال والكاسب لهم والأم هي التي تحبل وتلد وترضع.

ومن عجيب أمرها ما ذكره الجاحظ أنّ رجلا كان له زوج حمام مقصوص وزوج طيار وللطيار فرخان قال: ففتحت لهما في أعلى الغرفة كوة للدخول والخروج وزق فراخهما. قال: فحبسني السلطان فجأة، فاهتممت بشأن المقصوص غاية الاهتمام ولم أشك في موتهما لأنّهما لا يقدران على الخروج من الكوة وليس عندهما ما يأكلان ويشربان قال: فلمّا خلى سبيلي لم يكن لي همّ غيرهما، ففتحت البيت فوجدت الفراخ قد كبرت ووجدت المقصوص على أحسن حال، فعجبت فما لبث أن جاء الزوج الطيار، فدنا الزوج المقصوص إلى أفواههما يستطعمانهما كما يستطعم الفرخ، فزقاهم.

فانظر إلى هذه الهداية، فإنّ المقصوصبن لمّا شاهدا تلطف الفراخ للأبوين وكيف يستطعمانهما إذا اشتد بهما الجوع والعطش، فعلا كفعل الفرخين فأدركتهما رحمة الطيارين فزقاهما كما يزقان فرخيهما.

ونظير ذلك ما ذكره الجاحظ وغيره قال الجاحظ: "وهو أمر مشهور عندنا بالبصرة أنّه لمّا وقع الطاعون الجارف أتى على أهل دار فلم يشك أهل تلك المحلة أنّه لم يبق منهم أحد، فعمدوا إلى باب الدار فسدّوه وكان قد بقي صبي صغير يرضع ولم يفطنوا له. فلمّا كان بعد ذلك بمدّة تحوّل إليها بعض ورثة القوم، ففتح الباب، فلمّا أفضى إلى عرصة الدار، إذا هو بصبي يلعب مع جراء كلبة قد كانت لأهل الدار فراعه ذلك، فلم يلبث أن أقبلت كلبة قد كانت لأهل الدار، فلمّا رآها الصبي، حَبَا إليها، فأمكنته من أطبائها فمصها، وذلك أنّ الصبي لمّا اشتد جوعه ورأى جراء الكلبة يرتضعون من أطباء الكلبة حبا إليها فعطفت عليه، فلمّا سقته مرة أدامت له ذلك وأدام هو الطلب ولا يستبعد هذا"

وما هو أعجب منه فإنّ الّذي هدى المولود إلى مص إبهامه ساعة يولد ثم هداه إلى التقام حلمة ثدي لم يتقدم له به عادة كأنّه قد قيل له: هذه خزانة طعامك وشرابك التي كأنك لم تزل بها عارفا.

وفي هدايته للحيوان إلى مصالحة ما هو أعجب من ذلك ومن ذلك أنّ الدّيك الشاب إذا لقي حَبًا لم يأكله حتّى يفرقه فإذا هرم وشاخ أكله من غير تفريق كما قال المدائني "إنّ إياس بن معاوية مرّ بديك ينقر حبا ولا يفرقه فقال ينبغي أن يكون هرما فإن الديك الشاب يفرق الحب ليجتمع الدجاج حوله فتصيب منه. والهرم قد فنيت رغبته فليس له همّة إلا نفسه قال إياس: والدّيك يأخذ الحبّة فهو يريها الدجاجة حتى يلقيها من فيه والهرم يبتلعها ولا يلقيها للدجاجة" وذكر ابن الأعرابي قال: "أكلت حبّة بيض مكاء فجعل المكاء يصوت ويطير على رأسها ويدنو منها حتى إذا فتحت فاها وهمت به ألقى حسكة فأخذت بحلقها حتى ماتت" وأنشد أبو عمرو الشيباني في ذلك قول الأسدي:

إن كنت أبصرتني عيلا ومصطلما ∗∗∗ فربّما قتل المكاء ثعبانا

وهداية الحيوانات إلى مصالح معاشها كالبحر حدث عنه ولا حرج ومن عجيب هدايتها أنّ الثعلب إذا امتلأ من البراغيث أخذ صوفة بفمه ثم عمد إلى ماء رقيق فنزل فيه قليلا قليلا حتى ترتفع البراغيث إلى الصوفة فيلقيها في الماء ويخرج. ومن عجيب أمره أن ذئبا أكل أولاده وكان للذئب أولاد وهناك زبية فعمد الثعلب وألقى نفسه فيها وحفر فيها سردابا يخرج منه ثم عمد إلى أولاد الذئب فقتلهم وجلس ناحية ينتظر الذئب فلمّا أقبل وعرف أنّها فعلته، هرب قدامه وهو يتبعه، فألقى نفسه في الزبية ثم خرج من السرداب فألقى الذئب نفسه وراءه، فلم يجده ولم يطق الخروج فقتله أهل الناحية.

ومن عجيب أمره أنّ رجلا كان معه دجاجتان فاختفى له وخطف إحداهما وفرّ، ثم أعمل فكرة في أخذ الأخرى فتراأى لصاحبها من بعيد وفي فمه شيء شبيه بالطائر، وأطمعه في استعادتها بأن تركه وفرّ، فظن الرجل أنها الدجاجة فأسرع نحوها وخالفه الثعلب إلى أختها فأخذها وذهب.

ومن عجيب أمره أنّه أتى إلى جزيرة فيها طير، فأعمل الحيلة كيف يأخذ منها شيئا فلم يطق، فذهب وجاء بـضغث من حشيش وألقاه في مجرى الماء الذي نحو الطير ففزع منه، فلمّا عرفت أنّه حشيش، رجعت إلى أماكنها، فعاد لذلك مرة ثانية وثالثة ورابعة حتى تواظب الطير على ذلك، وألفته، فعمد إلى جرزة أكبر من ذلك فدخل فيها وعبر إلى الطير فلم يشك الطير أنّه من جنس ما قبله، فلم تنفر منه فوثب على طائر منها وعدا به.

ومن عجيب أمر الذئب أنّه عرض لإنسان يريد قتله، فرأى معه قوسا وسهما، فذهب وجاء بعظم رأس جمل في فيه وأقبل نحو الرجل فجعل الرجل كلمّا رماه بسهم اتّقاه بذلك العظم، حتى أعجزه وعاين نفاذ سهمه فصادف مَن استعان به على طرد الذئب.

ومن عجيب أمر القرد ما ذكره البخاري في صحيحه عن عمرو بن ميمون الأودي قال: "رأيت في الجاهلية قردا وقردة زنيا فاجتمع عليهما القرود فرجموهما حتى ماتا"

فهؤلاء القرود أقاموا حدّ الله حين عطّله بنو آدم. وهذه البقر يضرب ببلادتها المثل وقد أخبر النبي ﷺ: "أنّ رجلا بينا هو يسوق بقرة إذ ركبها فقالت: لم أخلق لهذا فقال الناس: سبحان الله بقرة تتكلم فقال: فإنّي أومن بهذا أنا وأبو بكر وعمر، وما هما، ثم قال: وبينا رجل يرعى غنما له إذ عدا الذئب على شاة منها فاستنقذها منه فقال الذئب: هذه استنقذتها منّي، فمَن لها يوم السبع يوم لا راعي لها غيري فقال الناس: سبحان الله ذئب يتكلم فقال رسول الله ﷺ: إنّي أومن بهذا أنا وأبو بكر وعمر وما هما" تم.

ومن هداية الحمار الذي هو من أبلد الحيوان أنّ الرجل يسير به ويأتي به منزله من البعد في ليلة مظلمة، فيعرف المنزل، فإذا خلى جاء إليه، ويفرق بين الصوت الذي يستوقف به والصوت الذي يحث به على السير.

ومن عجيب أمر الفأر، أنّها إذا شربت من الزيت الذي في أعلى الجرّة، فنقص وعزّ عليها الوصول إليه، ذهبت وحملت في أفواهها ماء، وصبته في الجرة حتى يرتفع الزيت فتشربه.

والأطباء تزعم أنّ الحقنة أخذت من طائر طويل المنقار إذا تعسّر عليه الذرق جاء إلى البحر المالح وأخذ بمنقاره منه واحتقن به، فيخرج الذرق بسرعة. وهذا الثعلب، إذا اشتد به الجوع انتفخ ورمى بنفسه في الصحراء كأنّه جيفة، فتتداوله الطير، فلا يظهر حركة ولا نفسا، فلا تشك أنّه ميّت، حتى إذا نقر بمنقاره وثب عليها فضمها ضمة الموت.

وهذا ابن عرس والقنفذ إذا أكلا الأفاعي والحيات عمدا إلى الصعتر النهري فأكلاه كـالترياق لذلك.

ومن عجيب أمر الثعلب أنّه إذا أصاب القنفذ، قلبه لظهره لأجل شوكه، فيجتمع القنفذ حتى يصير كبة شوك، فيبول الثعلب على بطنه ما بين مغرز عجبه إلى فكيه فإذا أصابه البول اعتراه الأسر فانبسط، فيسلخه الثعلب من بطنه ويأكل مسلوخه.

وكثير من العقلاء يتعلم من الحيوانات البهم أمورا تنفعه في معاشه وأخلاقه وصناعته وحربه وحزمه وصبره وهداية الحيوان فوق هداية أكثر الناس قال تعالى: ﴿أمْ تَحْسَبُ أنَّ أكْثَرَهم يَسْمَعُونَ أوْ يَعْقِلُونَ إنْ هم إلاَّ كالأنْعامِ بَلْ هم أضَلُّ سَبِيلًا﴾.

قال أبو جعفر الباقر: والله ما اقتصر على تشبيههم بالأنعام حتى جعلهم أضل سبيلا منها.


لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ. Oya_aa10



عبير الإسلام

عدد المساهمات : 1216
تاريخ التسجيل : 16/04/2015

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ. Empty رد: لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ.

مُساهمة من طرف عبير الإسلام الإثنين فبراير 17, 2020 3:22 pm




لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ. Aoa_eo12


يقول الإمام ابن القيّم رحمه الله وهو يتابع الحديث عن هداية الله لخلقه في معاشهم، من كتاب: شفاء العليل/الباب الرابع عشر:

..."فَـمَن هدى الأنثى من السّـِبَاع إذا وضعت ولدها أن ترفعه في الهواء أيّامًا، تهرب به من الذر والنمل لأنّها تضعه كقطعة من لحم فهي تخاف عليه الذر والنمل فلا تزال ترفعه وتضعه وتحوّله من مكان إلى مكان حتّى يشتدّ.

وقال ابن الأعرابي: "قيل لشيخ من قريش: مَن علّمك هذا كله وإنّما يعرف مثله أصحاب التّجارب والتّكسّب؟
قال: علّمني الله ما علّم الحمامة، تقلب بيضها حتى تعطي الوجهين جميعا نصيبهما من حضانتها، ولخوف طباع الأرض على البيض إذا استمرّ على جانب واحد"

وقيل لآخر: "مَن علّمك اللّجاج في الحاجة والصبر عليها وإن استعصت حتى تظفر بها؟ قال: مَن علّم الخنفساء، إذا صعدت في الحائط تسقط ثم تصعد ثم تسقط مرارا عديدة حتى تستمرّ صاعدة"

وقيل لآخر: "مَن علّمك البكور في حوائجك أوّل النهار لا تخلّ به؟ قال: مَن علّم الطّير تغدو خماصا كلّ بكرة في طلب أقواتها على قربها وبعدها، لا تسأم ذلك، ولا تخاف ما يعرض لها في الجوّ والأرض"،

وقيل لآخر: "مَن علّمك السُّكون والتّحفّظ والتّماوت حتى تظفر بإربك، فإذا ظفرت به وثبت، وثوب الأسد على فريسته؟ فقال: الّذي علّم الهرّة أن ترصد جحر الفأرة فلا تتحرّك ولا تتلوّى ولا تختلج، كأنّها ميتة، حتّى إذا برزت لها الفأرة وثبت عليها كالأسد"

وقيل لآخر: "مَن علّمك الصبر والجلد والاحتمال وعدم السكون؟ قال:مَن علّم أبا أيّوب صبره على الأثقال والأحمال الثقيلة و المشي والتعب وغلظة الجمال وضربه. فالثقل والكلّ على ظهره ومرارة الجوع والعطش في كبده وجهد التعب والمشقة ملأ جوارحه ولا يعدل به ذلك عن الصّبر"

وقيل لآخر: "مَن علّمك حسن الإيثار والسماحة بالبذل؟ قال: مَن علّم الدّيك، يصادف الحبّة في الأرض وهو يحتاج إليها، فلا يأكلها، بل يستدعي الدجاج ويطلبهن طلبا حثيثا حتى تجيء الواحدة منهن فتلقطها، وهو مسرور بذلك طيّب النفس به.
وإذا وضع له الحَبّ الكثير، فرّقه هاهنا وهاهنا، وإن لم يكن هناك دجاج، لأنّ طبعه قد ألف البذل والجود، فهو يرى من اللُّؤم أن يستبدّ وحده بالطعام"

وقيل لآخر: "مَن علّمك هذا التّحيّل في طلب الرزق ووجوه تحصيله؟ قال: مَن علّم الثعلب تلك الحِيَل، التي يعجز العقلاء عن علمها وعملها، وهي أكثر من أن تُذكر"

ومَن علّم الأسد إذا مشى وخاف أن يقتفى أثره ويطلب، عفى أثر مشيته بذنبه. ومَن علّمه أن يأتي إلى شبله في اليوم الثالث من وضعه، فينفخ في منخريه، لأنّ اللبؤة تضعه جروا كالميت، فلا تزال تحرسه حتى يأتي أبوه فيفعل به ذلك. ومَن ألهم كِرَام الأسود وأشرافها أن لا تأكل إلاّ من فريستها، وإذا مرّ بـفريسة غيره لم يدنُ منها، ولو جهده الجوع.
ومَن علّم الأسد أن يخضع للببر ويذلّ له إذا اجتمعا حتى ينال منه له.

ومن عجيب أمره أنّه إذا استعصى عليه شيء من السّـِبَاع، دعا الأسد، فأجابه إجابة المملوك لمالكه، ثم أمره فربض بين يديه فيبول في أذنيه، فإذا رأت السّباع ذلك، أذعنت له بالطاعة والخضوع.

ومَن علّم الثعلب، إذا اشتد به الجوع أن يستلقي على ظهره، ويختلس نفسه إلى داخل بدنه حتى ينتفخ، فيظنّ الظّان أنّه ميتة فيقع عليه، فيثب على مَن انقضى عمره منها.

ومَن علّمه إذا أصابه صدع أو جرح أن يأتي إلى صبغ معروف فيأخذ منه ويضعه على جرحه كالمرهم.

ومَن علّم الدبّ، إذا أصابه كلم، أن يأتي إلى نبت قد عرفه، وجهله صاحب الحشائش، فيتداوى به، فيبرأ.

ومَن علّم الأنثى من الفيلة إذا دنا وقت ولادتها أن تأتي إلى الماء فتلد فيه، لأنّها دون الحيوانات لا تلد إلاّ قائمة، لأنّ أوصالها على خلاف أوصال الحيوان وهي عالية، فتخاف أن تسقطه على الأرض فينصدع أو ينشق، فتأتي ماءً وسطًا، تضعه فيه، فيكون كالفراش اللّيّن والوطاء النّاعم.

ومَن علّم الذّباب، إذا سقط في مائع أن يتقي بالجناح الذي فيه الداء دون الآخر.

ومَن علّم الكلب، إذا عاين الظباء أن يعرف المعتل من غيره، والذكر من الأنثى، فيقصد الذكر، مع علمه بأنّ عدوه أشدّ وأبعد وثبة، ويدع الأنثى على نقصان عدوها، لأنّه قد علم أنّ الذكر إذا عدا شوطا أو شوطين، حقن ببوله. وكل حيوان إذا اشتد فزعه فإنّه يدركه الحقن، وإذا حقن الذكر لم يستطع البول مع شدّة العدو، فيقلّ عدوه، فيدركه الكلب. وأمّا الأنثى، فتحذف بولها، لسعة القبل وسهولة المخرج، فيدوم عدوها.

ومَن علّمه أنّه إذا كسا الثلج الأرض أن يتأمل الموضع الرقيق الذي قد انخسف، فيعلم أنّ تحته جحر الأرنب، فينبشه ويصطادها، علما منه بأنّ حرارة أنفاسها تذيب بعض الثلج، فيرقّ.

ومَن علّم الذئب إذا نام أن يجعل النوم نوبا بين عينيه، فينام بإحداهما حتى إذا نعست الأخرى نام بها وفتح النائمة حتى قال بعض العرب:

ينام بإحدى مقلتيه ويتّقي ∗∗∗ بأخرى المنايا فهو يقظان نائم.

ومَن علّم العصفورة إذا سقط فرخها أن تستغيث، فلا يبقى عصفور بجوارها حتى يجيء، فيطيرون حول الفرخ ويحرّكونه بأفعالهم، ويحدثون له قوّة وهمّة وحركة حتى يطير معهم.
قال بعض الصيّادين: ربّما رأيت العصفور على الحائط، فأومئ بيدي كأنّي أرميه فلا يطير. وربّما أهويت إلى الأرض كأنّي أتناول شيئا، فلا يتحرّك. فإن مسست بيدي أدنى حصاة أو حجر أو نواة، طار قبل أن تتمكّن منها يدي.

ومَن علّم الحمامة إذا حملت أن تأخذ هي والأب في بناء العش وأن يقيما له حروفا تشبه الحائط ثم يسخناه ويحدثا فيه طبيعة أخرى ثم يقلبان البيض في الأيام. ومَن قسّم بينهما الحضانة والكدّ، فأكثر ساعات الحضانة على الأنثى وأكثر ساعات جلب القوت على الأب. وإذا خرج الفرخ علما ضيق حوصلته عن الطعام فنفخا فيه نفخا متداركا حتى تتسع حوصلته ثم يزقانه اللعاب أو شيئا قبل الطعام وهو كاللبأ للطفل، ثم يعلمان احتياج الحوصلة إلى دباغ، فيزقانه من أصل الحيطان من شيء بين الملح والتراب تندبغ به الحوصلة، فإذا اندبغت زقاه الحَبّ. فإذا علما أنّه أطاق اللقط، منعاه الزق على التدريج، فإذا تكاملت قوته، وسألهما الكفالة، ضرباه.

ومَن علّمهما إذا أراد السفاد أن يبتدئ الذكر بالدعاء فتتطارد له الأنثى قليلا لتذيقه حلاوة المواصلة ثم تطيعه في نفسها ثم تمتنع بعض التمنع ليشتد طلبه وحبه، ثم تتهادى وتتكسل وتريه معاطفها وتعرض محاسنها ثم يحدث بينهما من التغزل والعشق والتقبيل والرشف ما هو مشاهد بالعيان. ومَن علّم المرسلة منها إذا سافرت ليلا أن تستدل ببطون الأودية ومجاري المياه والجبال ومهاب الريح ومطلع الشمس ومغربها فتستدلّ بذلك وبغيره إذا ضلّت، فإذا عرفت الطريق مرّت كالريح.

ومَن علم اللبب وهو صنف من العناكب، أن يلطأ بالأرض ويجمع نفسه، فيري الذبابة أنّه لاه عنها، ثم يثب عليها وثوب الفهد.

ومَن علّم العنكبوت، أن تنسج تلك الشبكة الرفيعة المحكمة، وتجعل في أعلاها خيطا، ثم تتعلّق به، فإذا تعرقلت البعوضة في الشبكة، تدلّت إليها، فاصطادتها.

ومَن علّم الظبي، أنّه لا يدخل كناسة إلاّ مستدبرا، ليستقبل بعينيه ما يخافه على نفسه وخشفه.

ومَن علّم السِّنَّوْر، إذا رأى فأرة في السقف، أن يرفع رأسه كالمشير إليها بالعود ثم يشير إليها بالرجوع، وإنّما يريد أن يدهشها، فتزلق فتسقط.

ومَن علّم اليربوع، أن يحفر بيته في سفح الوادي، حيث يرتفع عن مجرى السيل، ليسلم من مدق الحافر ومجرى الماء ويعمقه ثم يتخذ في زواياه أبوابا عديدة ويجعل بينها وبين وجه الأرض حاجزا رقيقا، فإذا أحس بالشر فتح بعضها بأيسر شيء وخرج منه. ولمّا كان كثير النسيان، لم يحفر بيته إلاّ عند أكمة أو صخرة، علامة له على البيت، إذا ضلّ عنه.

ومَن علّم الفهد، إذا سمن أن يتوارى، لثقل الحركة عليه، حتى يذهب ذلك السمن، ثم يظهر.

ومَن علّم الأيل، إذا سقط قرنه، أن يتوارى، لأنّ سلاحه قد ذهب، فيسمن لذلك فإذا كمل نبات قرنه، تعرض للشمس والريح وأكثر من الحركة ليشتدّ لحمه ويزول السمن المانع له من العدو.

وهذا باب واسع جدا ويكفي فيه قوله سبحانه: ﴿وَما مِن دابَّةٍ في الأرْضِ ولا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إلاَّ أُمَمٌ أمْثالُكم ما فَرَّطْنا في الكِتابِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إلى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ والَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا صُمٌّ وبُكْمٌ في الظُّلُماتِ مَن يَشَأِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ ومَن يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ

وقد قال النّبي ﷺ: "لولا أنّ الكلاب أمّة من الأمم لأمرت بقتلها" وهذا يحتمل وجهين أحدهما:
-أن يكون إخبارا عن أمر غير ممكن فعله وهو أنّ الكلاب أمّة لا يمكن إفناؤها لكثرتها في الأرض، فلو أمكن إعدامها من الأرض لأمرت بقتلها.

-والثاني: أن يكون مثل قوله: "أمن أجل أن قرصتك نملة، أحرقت أمّة من الأمم تسبّح" فهي أمّة مخلوقة بحكمة ومصلحة، فإعدامها وإفناؤها يناقض ما خلقت لأجله، والله أعلم بما أراد رسوله. قال ابن عباس في رواية عطاء: ": ﴿إلاَّ أُمَمٌ أمْثالُكُمْ﴾ يريد، يعرفونني ويوحّدونني ويسبّحونني ويحمدونني"، مثل قوله تعالى: ﴿وَإنْ مِن شَيْءٍ إلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِه﴾ ومثل قوله: ﴿ألَمْ تَرَ أنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَن في السَّماواتِ والأرْضِ والطَّيْرُ صافّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وتَسْبِيحَهُ﴾، ويدلّ على هذا قوله تعالى: ﴿ألَمْ تَرَ أنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن في السَّماواتِ ومَن في الأرْضِ والشَّمْسُ والقَمَرُ والنُّجُومُ والجِبالُ والشَّجَرُ والدَّوُابّ﴾، وقوله: ﴿وَلِلَّهِ يَسْجُدُ ما في السَّماواتِ وما في الأرْضِ مِن دابَّةٍ﴾، ويدل عليه قوله تعالى: ﴿يا جِبالُ أوِّبِي مَعَهُ والطَّيْرَ﴾، ويدلّ عليه قوله: ﴿وَأوْحى رَبُّكَ إلى النَّحْل﴾، وقوله: ﴿قالَتْ نَمْلَةٌ يا أيُّها النَّمْلُ﴾ وقول سليمان: ﴿عُلِّمْنا مَنطِقَ الطَّيْرِ﴾ وقال مجاهد: "أمم أمثالكم أصناف مصنفة تعرف بأسمائها". وقال الزجاج: "أمم أمثالكم في أنّها تبعث".

وقال ابن قتيبة: "أمم أمثالكم في طلب الغذاء وابتغاء الرزق وتوقّي المهالك"

وقال سفيان بن عيينة: "ما في الأرض آدمي إلاّ وفيه شَبَه من البهائم" فمنهم مَن يهتصر اهتصار الأسد، ومنهم مَن يعدو عدو الذئب، ومنهم مَن ينبح نباح الكلب، ومنهم مَن يتطوّس كفعل الطاووس، ومنهم مَن يشبه الخنازير التي لو ألقي إليها الطعام، عافته، فإذا قام الرجل عن رجيعه، ولغت فيه، فلذلك تجد من الآدميين مَن لو سمع خمسين حكمة، لم يحفظ واحدة منها، وإن أخطأ رجل تروّاه وحفظه. قال الخطابي: "ما أحسن ما تأول سفيان هذه الآية واستنبط منها هذه الحكمة"، وذلك أنّ الكلام إذا لم يكن حكمه مطاوعا لظاهره وجب المصير إلى باطنه، وقد أخبر الله عن وجود المماثلة بين الإنسان وبين كل طائر ودابة، وذلك ممتنع من جهة الخلقة والصورة، وعدم، من جهة النطق والمعرفة، فوجب أن يكون منصرفا إلى المماثلة في الطباع والأخلاق، وإذا كان الأمر كذلك، فاعلم أنّك إنّما تعاشر البهائم والسباع. فليكن حذرك منهم، ومباعدتك إيّاهم، على حسب ذلك". انتهى كلامه.

والله سبحانه قد جعل بعض الدواب كسوبا محتالا، وبعضها متوكلا غير محتال، وبعض الحشرات يدخر لنفسه قوت سنته، وبعضها يتكل على الثقة بأنّ له في كل يوم قدر كفايته رزقا مضمونا وأمرا مقطوعا، وبعضها: يدخر وبعضها: لا تكسّب له، وبعض الذكورة يعول ولده، وبعضها: لا يعرف ولده ألبتة، وبعض الإناث تكفل ولدها لا تعدوه، وبعضها: تضع ولدها وتكفل ولد غيرها، وبعضها: لا تعرف ولدها إذا استغنى عنها، وبعضها: لا تزال تعرفه وتعطف عليه.

وجعل بعض الحيوانات يتمها من قبل أمهاتها وبعضها يتمها من قبل آبائها، وبعضها: لا يلتمس الولد، وبعضها: يستفرغ الهم في طلبه، وبعضها: يعرف الإحسان ويشكره، وبعضها: ليس ذلك عنده شيئا، وبعضها: يؤثر على نفسه، وبعضها: إذا ظفر بما يكفي أمّة من جنسه لم يدع أحدا يدنو منه. وبعضها: يحب السفاد ويكثر منه، وبعضها: لا يفعله في السنة إلاّ مرّة، وبعضها: يقتصر على أنثاه، وبعضها: لا يقف على أنثى ولو كانت أمّه أو أخته، وبعضها: لا تمكّن غير زوجها من نفسها، وبعضها: لا ترد يد لامس، وبعضها: يألف بني آدم ويأنس بهم، وبعضها: يستوحش منهم وينفر غاية النفار، وبعضها: لا يأكل إلاّ الطيّب. وبعضها: لا يأكل إلاّ الخبائث، وبعضها: يجمع بين الأمرين، وبعضها: لا يؤذي إلا مَن بالغ في أذاها، وبعضها: يؤذي مَن لا يؤذيها، وبعضها: حقود لا تنسى الإساءة. وبعضها: لا يذكرها ألبتة. وبعضها: لا يغضب، وبعضها: يشتد غضبه فلا يزال يسترضى حتى يرضى. وبعضها: عنده علم ومعرفة بأمور دقيقة لا يهتدي إليها أكثر الناس، وبعضها: لا معرفة له بشيء من ذلك ألبتة، وبعضها: يستقبح القبيح وينفر منه. وبعضها: الحسن والقبيح سواء عنده، وبعضها: يقبل التعليم بسرعة. وبعضها: مع الطول، وبعضها: لا يقبل ذلك بحال.

وهذا كلّه من أدلّ الدلائل على الخالق لها سبحانه وعلى إتقان صنعه وعجيب تدبيره ولطيف حكمته. فإنّ فيما أودعها من غرائب المعارف وغوامض الحيل وحسن التدبير والتأني لما تريده، ما يستنطق الأفواه بـالتّسبيح ويملأ القلوب من معرفته ومعرفة حكمته وقدرته، وما يعلم به كل عاقل أنّه لم يخلق عبثا ولم يترك سدى، وأنّ له سبحانه في كل مخلوق حكمة باهرة وآية ظاهرة وبرهانا قاطعا يدل على أنّه ربّ كلّ شيء ومليكه وأنّه المنفرد بكلّ كمال دون خلقه وأنّه على كل شيء قدير وبكل شيء عليم.


لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ. Ao_aaa11



عبير الإسلام

عدد المساهمات : 1216
تاريخ التسجيل : 16/04/2015

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ. Empty رد: لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ.

مُساهمة من طرف عبير الإسلام الإثنين أكتوبر 12, 2020 3:35 pm




لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ. Aa_i_a11


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ. Attachment

اليوم بإذن الله، سنشرع في إتمام البحث القيّم لابن القيّم رحمه الله، حول الهداية وأنواعها، وهو أروع بحث قرأته، على ما أظنّ من فهمي البسيط، لأنّ البحث هذا،فيما أعتقد، يجمع بين الطّرح المبسّط لمسألة الهداية، بأسلوب يفهمه أغلب مستويات العقول والأفهام، وبين الفوائد الغزيرة والأمثلة الكثيرة التي ساقها الإمام رحمه الله، لتبسيط الفكرة وتقريب المعنى إلى القارىء.
فجزى الله خيرا، ورحم الله إمامنا القيّم ابن القيّم، على ما قدّمه من خدمة جليلة للمسلمين ولغيرهم لفهم دين الله القويم.


لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ. Aa_aa_14


يقول الإمام ابن القيّم رحمه الله، في كتابه: شفاء العليل في مسائل القدر والحكمة والتعليل:

فلنرجع إلى ما ساقنا إلى هذا الموضع، وهو الكلام على الهداية العامّة التي هي قرينة الخلق في الدلالة على الربّ تبارك وتعالى، وأسمائه وصفاته، وتوحيده، قال تعالى إخبارا عن فرعون أنّه قال: (قالَ فَمَنْ رَبُّكُما يا مُوسى (٤٩) قالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى (٥٠)) [طه].

قال مجاهد : أعطى كلّ شيء خلقه، لم يعط الإنسان خلق البهائم، ولا البهائم خلق الإنسان، وأقوال أكثر المفسرّين تدور على هذا المعنى.

قال عطية ومقاتل : أعطى كلّ شيء صورته.

وقال الحسن وقتادة : أعطى كلّ شيء صلاحه، والمعنى : أعطاه من الخلق والتّصوير ما يصلح به لما خلق له، ثم هداه لما خلق له، وهداه لما يصلحه في معيشته ومطعمه ومشربه ومنكحه وتقلبه وتصرفه، هذا هو القول الصحيح الذي عليه جمهور المفسرين، فيكون نظير قوله: (قَدَّرَ فَهَدى (٣)) [الأعلى].

وقال الكلبي والسدّي : أعطى الرّجل المرأة، والبعير الناقة، والذكر الأنثى من جنسه، ولفظ السدي: أعطى الذكر الأنثى مثل خلقه، ثم هدى إلى الجماع ، وهذا القول اختيار ابن قتيبة والفراء.

قال الفراء : أعطى الذكر من الناس امرأة مثله، والشاة شاة ، والثور بقرة ، ثم ألهم الذّكر كيف يأتيها.

قال أبو إسحاق : وهذا التفسير جائز ، لأنا نرى الذكر من الحيوان يأتي الأنثى ، ولم ير ذكرا قد أتى أنثى قبله، فألهمه الله ذلك ، وهداه إليه. قال : والقول الأول ينتظم هذا المعنى، لأنّه إذا هداه لمصلحته، فهذا داخل في المصلحة.

قلت : أرباب هذا القول هضموا الآية معناها، فإنّ معناها أجلّ وأعظم ممّا ذكروه ، وقوله : أعطى كلّ شيء ، يأبى هذا التفسير ، فإنّ حمل كلّ شيء على ذكور الحيوان وإناثه خاصة ممتنع، لا وجه له، وكيف يخرج من هذا اللفظ الملائكة والجن. ومَن لم يتزوج من بني آدم ، ومن لم يسافد من الحيوان؟! وكيف يسمى الحيوان الذي يأتيه الذكر خلقا له؟ وأين نظير هذا في القرآن؟ وهو سبحانه لمّا أراد التعبير عن هذا المعنى الذي ذكروه، ذكره بأدلّ عبارة عليه وأوضحها فقال (وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى (٤٥)) [النجم].

فحمل قوله: أعطى كلّ شيء خلقه ، على هذا المعنى، غير صحيح، فتأمّله.

وفي الآية قول آخر، قاله الضحاك، قال: أعطى كلّ شيء خلقه: أعطى اليد البطش والرِجْل المشي واللسان النطق والعين البصر والأذن السمع ، ومعنى هذا القول : أعطى كل عضو من الأعضاء ما خلق له، والخلق على هذا بمعنى المفعول ، أي : أعطى كل عضو مخلوقه الذي خلقه له، فإنّ هذه المعاني كلّها مخلوقة لله، أودعها الأعضاء، وهذا المعنى وإن كان صحيحا في نفسه، لكن معنى الآية أعمّ.

والقول هو الأوّل، وأنّه سبحانه أعطى كل شيء خلقه المختص به، ثم هداه لما خلق له، ولا خالق سواه سبحانه، ولا هادي غيره.

فهذا الخلق وهذه الهداية من آيات الربوبية ووحدانيته، فهذا وجه الاستدلال على عدو الله فرعون، ولهذا لمّا علم فرعون أنّ هذه حجة قاطعة ، لا مطعن فيها بوجه من الوجوه، عدل إلى سؤال فاسد عن وارد فقال: (فَما بالُ الْقُرُونِ الْأُولى (٥١)) [طه] أي : فما للقرون الأولى ، لم تقرّ بهذا الربّ، ولم تعبده بل عبدت الأوثان؟ والمعنى : لو كان ما تقوله حقا، لم يّخْفَ على القرون الأولى، ولم يهملوه ، فاحتجّ عليه بما يشاهده هو وغيره من آثار ربوبية ربّ العالمين ، فعارضه عدوّ الله بكفر الكافرين به وشرك المشركين، وهذا شأن كلّ مبطل ، ولهذا صار هذا ميزانا في ورثته ، يعارضون نصوص الأنبياء بأقوال الزنادقة والملاحدة وأفراخ الفلاسفة والصابئة والسحرة ومبتدعة الأمّة وأهل الضلال منهم، فأجابه موسى عن معارضته بأحسن جواب فقال (عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي (٥٢)) [طه] أي : أعمال تلك القرون وكفرهم وشركهم معلوم لربّي ، قد أحصاه وحفظه وأودعه في كتاب، فيجازيهم عليه يوم القيامة، ولم يودعه في كتاب خشية النسيان والضلال، فإنّه سبحانه لا يضلّ ولا ينسى، وعلى هذا فالكتاب هاهنا كتاب الأعمال. وقال الكلبي : يعني به اللوح المحفوظ ، وعلى هذا فهو كتاب القدر السابق ، والمعنى على هذا أنه سبحانه قد علم أعمالهم، وكتبها عنده قبل أن يعملوها، فيكون هذا من تمام قوله (الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى (٥٠)) [طه] فتأمّله.

فصل

وهو سبحانه في القرآن كثيرا ما يجمع بين الخلق والهداية ، كقوله في أول سورة أنزلها على رسوله : (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (١) خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ (٢) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (٣) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (٤) عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ (٥)) [العلق] وقوله : (الرَّحْمنُ (١) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (٢) خَلَقَ الْإِنْسانَ (٣) عَلَّمَهُ الْبَيانَ (٤)) [الرحمن] وقوله : (أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ (٨) وَلِساناً وَشَفَتَيْنِ (٩) وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ (١٠) فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (١١)) [البلد]، وقوله: (إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْناهُ سَمِيعاً بَصِيراً (٢) إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً (٣)) [الإنسان]، وقوله (أَمَّنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَنْبَتْنا بِهِ حَدائِقَ ذاتَ بَهْجَةٍ (٦٠)) [النمل] الآيات ثم قال (أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ (٦٣)) [النمل].

فـالخلق: إعطاء الوجود العيني الخارجي، والهدى: إعطاء الوجود العلمي الذهني، فهذا خلقه، وهذا هداه وتعليمه.


المرتبة الثانية من مراتب الهداية:

هداية الإرشاد والبيان للمكلّفين ، وهذه الهداية لا تستلزم حصول التّوفيق واتّباع الحق، وإن كانت شرطا فيه ، أو جزء سبب ، وذلك لا يستلزم حصول المشروط والمسبب ، بل قد يتخلّف عنه المقتضى، إمّا لعدم كمال السبب، أو لوجود مانع، ولهذا قال تعالى: (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى (١٧)) [فصلت]، قال: (وَما كانَ اللهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ ما يَتَّقُونَ (١١٥)) [التوبة] فهداهم هدى البيان والدلالة ، فلم يهتدوا ، فأضلّهم عقوبة لهم على ترك الاهتداء أولا ، بعد أن عرفوا الهدى، فأعرضوا عنه ، فأعماهم عنه، بعد أن أراهموه، وهذا شأنه سبحانه في كل مّن أنعم عليه بنعمة، فكفرها ، فإنّه يسلبه إيّاها، بعد أن كانت نصيبه وحظّه، كما قال تعالى: (ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَها عَلى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ (٥٣)) [الأنفال].

وقال تعالى عن قوم فرعون: (وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا (١٤)) [النمل] أي : جحدوا بآياتنا بعد أن تيقّنوا صحتها.

وقال: (كَيْفَ يَهْدِي اللهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجاءَهُمُ الْبَيِّناتُ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (٨٦)) [آل عمران] وهذه الهداية هي التي أثبتها لرسوله حيث قال: (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٥٢)) [الشورى] ونفى عنه ملك الهداية الموجبة، وهي هداية التوفيق والإلهام بقوله: (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ (٥٦)) [القصص] ولهذا قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : <بعثت داعيا ومبلّغا ، وليس إليّ من الهداية شيء> (١).

وبعث إبليس مزينا ومغويا، وليس إليه من الضلالة شيء، قال تعالى: (وَاللهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٢٥)) [يونس]، فجمع سبحانه بين الهداء يتبين العامّة والخاصّة ، فعمّ بالدعوة حجة مشيئة وعدلا ، وخصّ بالهداية نعمة مشيئة وفضلا ، وهذه المرتبة أخصّ من التي قبلها، فإنّها هداية تخص المكلّفين، وهي حجة الله على خلقه التي لا يعذب أحدا إلاّ بعد إقامتها عليه. قال تعالى : (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً (١٥)) [الإسراء] وقال : (رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ (١٦٥)) [النساء]، وقال : (أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ (٥٦) أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللهَ هَدانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (٥٧)) [الزمر] وقال: (كُلَّما أُلْقِيَ فِيها فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُها أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (٨) قالُوا بَلى قَدْ جاءَنا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنا وَقُلْنا ما نَزَّلَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ (٩)) [الملك].

فإن قيل : كيف تقوم حجّته عليهم، وقد منعهم من الهدى، وحال بينهم وبينه؟.

قيل : حجّته قائمة عليهم بتخليته بينهم وبين الهدى، وبيان الرسل لهم، وإراءتهم الصراط المستقيم حتى كأنّهم يشاهدونه عيانا، وأقام لهم أسباب الهداية ظاهرا وباطنا، ولم يحل بينهم وبين تلك الأسباب، ومَن حال بينه وبينها منهم بزوال عقل أو صغر لا تمييز معه أو كونه بناحية من الأرض لم تبلغه دعوة رسله، فإنّه لا يعذّبه حتى يقيم عليه حجّته، فلم يمنعهم من هذا الهدى، ولم يحل بينهم وبينه. نعم قطع عنهم توفيقه، ولم يرد من نفسه إعانتهم والإقبال بقلوبهم إليه، فلم يحل بينهم وبين ما هو مقدور لهم، وإن حال بينهم وبين ما لا يقدرون عليه، وهو فعله ومشيئته وتوفيقه، فهذا غير مقدور لهم، وهو الذي منعوه وحيل بينهم وبينه، فتأمّل هذا الموضع، واعرف قدره، والله المستعان.

فصل

المرتبة الثالثة من مراتب الهداية:

هداية التّوفيق والإلهام، وخلق المشيئة المستلزمة للفعل، وهذه المرتبة أخصّ من التي قبلها، وهي التي ضل جهّال القدرية بإنكارها ، وصاح عليهم سلف الأمّة وأهل السُنَّة منهم، من نواحي الأرض عصرا بعد عصر، إلى وقتنا هذا ، ولكن الجبرية ظلمتهم ولم تنصفهم، كما ظلموا أنفسهم بـإنكار الأسباب والقوى، وإنكار فعل العبد وقدرته، وأن يكون له تأثير في الفعل البتة، فلم يهتدوا لقول هؤلاء، بل زادهم ضلالا على ضلالهم وتمسّكا بما هم عليه، وهذا شأن المبطل إذا دعا مبطلا آخر إلى ترك مذهبه، لقوله ومذهبه الباطل، كالنصرانيّ إذا دعا اليهوديّ إلى التثليث وعبادة الصليب، وأنّ المسيح إله تام غير مخلوق، إلى أمثال ذلك من الباطل الذي هو عليه.

وهذه المرتبة تستلزم أمرين:

أحدهما: فعل الربّ تعالى ، وهو الهدى.

والثاني: فعل العبد، وهو الاهتداء ، وهو أثر فعله سبحانه، فهو الهادي ، والعبد المهتدي ، قال تعالى: (مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ (١٧)) [الكهف].

ولا سبيل إلى وجود الأثر إلا بمؤثّره التّام ، فإن لم يحصل فعله، لم يحصل فعل العبد، ولهذا قال تعالى: (إِنْ تَحْرِصْ عَلى هُداهُمْ فَإِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ (٣٧)) [النحل].

وهذا صريح في أنّ هذا الهدى ليس له صلى‌الله‌عليه‌وسلم، ولو حرص عليه، ولا إلى أحد غير الله، وأنّ الله سبحانه إذا أضلّ عبدا، لم يكن لأحد سبيل إلى هدايته، كما قال تعالى: (مَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلا هادِيَ لَهُ (١٨٦)) [الأعراف]، وقال تعالى: (مَنْ يَشَأِ اللهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٣٩)) [الأنعام]، وقال تعالى: (أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ (٨)) [فاطر] وقال تعالى: (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (٢٣)) [الجاثية] وقال تعالى: (لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ (٢٧٢)) [البقرة] وقال: (وَلَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها (١٣)) [السجدة] وقال: (أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشاءُ اللهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً (٣١)) [الرعد] وقال: (فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ (١٢٥)) [الأنعام].

وقال أهل الجَنَّة: (وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا وَما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْ لا أَنْ هَدانَا اللهُ (٤٣)) [الأعراف] ولم يريدوا أنّ بعض الهدى منه وبعضه منهم، بل الهدى كلّه منه، ولو لا هدايته لهم لما اهتدوا.

وقال تعالى: (أَلَيْسَ اللهُ بِكافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ (٣٦) وَمَنْ يَهْدِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ مُضِلٍّ أَلَيْسَ اللهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقامٍ (٣٧)) [الزمر] وقال: (وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٤)) [إبراهيم] وقال: (وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ (٣٦)) [النحل] وقال تعالى: (يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللهُ ما يَشاءُ (٢٧)) [إبراهيم] وقال تعالى: (كَذلِكَ يُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ (٣١)) [المدثر] وقال: (يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ (٢٦)) [البقرة] وقال: (يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (١٦)) [المائدة].

وأمر سبحانه عباده كلّهم أن يسألوه هدايتهم الصراط المستقيم ، كلّ يوم وليلة، في الصلوات الخمس، وذلك يتضمن الهداية إلى الصراط والهداية فيه. كما أنّ الضلال نوعان: ضلال عن الصراط، فلا يهتدي إليه، وضلال فيه. فالأوّل: ضلال عن معرفته ، والثاني: ضلال عن تفاصيله أو بعضها.

قال شيخنا: (ولمّا كان العبد في كلّ حال مفتقرا إلى هذه الهداية، في جميع ما يأتيه ويذره من أمور قد أتاها على غير الهداية، فهو محتاج إلى التوبة منها، وأمور هُدِيَ إلى أصلها دون تفصيلها، أو هُدِيَ  إليها من وجه دون وجه، فهو محتاج إلى تمام الهداية فيها، ليزداد هدى، وأمور هو محتاج إلى أن يحصل له من الهداية فيها، في المستقبل، مثل ما حصل له في الماضي، وأمور هو خال عن اعتقاد فيها، فهو محتاج إلى الهداية، وأمور لم يفعلها، فهو محتاج إلى فعلها على وجه الهداية، إلى غير ذلك من أنواع الهدايات، فرض الله عليه أن يسأله هذه الهداية في أفضل أحواله، وهي الصلاة، مرّات متعدّدة في اليوم والليلة) انتهى كلامه.

ولا يتمّ المقصود إلاّ بـالهداية إلى الطريق والهداية فيها، فإنّ العبد قد يهتدي إلى طريق قصده وتنزيله عن غيرها، ولا يهتدي إلى تفاصيل سيره فيها وأوقات السير من غيره وزاد المسير وآفات الطريق.

ولهذا قال ابن عباس في قوله تعالى: (لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً (٤٨)) [المائدة] قال: سبيلاً وسُنّّة، وهذا التفسير يحتاج إلى تفسير، فـالسّبيل: الطريق ، وهي: المنهاج. والسُنَّة والشّـِرْعَة: وهي تفاصيل الطريق وحزوناته وكيفية المسير فيه وأوقات المسير.

وعلى هذا فقوله: سبيلاً وسُنّّة ، يكون السّبيل المنهاج ، والسُنّة الشّـِرْعَة. فالمقدم في الآية للمؤخر في التفسير. وفي لفظ آخر : سُنَّة وسبيلاً ، فيكون المقدم للمقدم والمؤخر للتالي.


لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ. Aaa_aa13


للاستماع



عبير الإسلام

عدد المساهمات : 1216
تاريخ التسجيل : 16/04/2015

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى