منتديات الدعوة السلفية في الجزائر
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، عزيزي الزائر يشرفنا أن تكون عضو بيننا في " منتدى الدعوة السلفية في الجزائر "

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

منتديات الدعوة السلفية في الجزائر
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، عزيزي الزائر يشرفنا أن تكون عضو بيننا في " منتدى الدعوة السلفية في الجزائر "
منتديات الدعوة السلفية في الجزائر
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الجامع المختصر في سيرة سيّد البشر

اذهب الى الأسفل

الجامع المختصر في سيرة سيّد البشر Empty الجامع المختصر في سيرة سيّد البشر

مُساهمة من طرف عبير الإسلام الإثنين أبريل 11, 2016 2:44 pm




الجامع المختصر في سيرة سيّد البشر 1%20(64)

الجامع المختصر في سيرة سيّد البشر 227897_352484071505176_1736995636_n

الجامع المختصر في سيرة سيّد البشر

منقول من: شبكة سحاب

صاحب الموضوع: أبو عبد الله غريب الأثري


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أمّا بعد:

فليس يخفى على طالب العلم أهمّية دراسة السيرة النّبوية الشريفة وضرورة العناية بها، لأجل ذلك حرص كثير من علماء الإسلام على جمع كلّ ما يخصّ سيرته صلى الله عليه وسلّم فكتبوا في ذلك الكتب وألّفوا المؤلفات، ثمّ إنّ منهم من اقتصر على جانب فقط من جوانب سيرته صلى الله عليه وسلّم العطرة كالمغازي وغيرها ومنهم من عمّم ليشمل تأليفه جميع جوانب حياته صلى الله عليه وسلّم وحياة أصحابه والبيئة التي نشأ فيها وحال العرب قبل البعثة وبعدها. ثمّ إنّ منهم من أطال ومنهم من اختصر وفي كلّ خير إن شاء الله تعالى.

ولقد منّ الله عليّ بقراءة بعض كتب السيرة النّبوية الشريفة المختصرة ومن تلكم الكتب كتابُ: ((مختصر سيرة الرسول صلى الله عليه وسلّم)) للإمام عبد الله بن الإمام المجدّد شيخ الإسلام محمّد بن عبد الوهّاب النّجدي التميمي رحمهم الله تعالى. ولإعجابي بالكتاب وأسلوب كاتبه وسلاسة ألفاظه وبعدها عن التعقيد واعتماد صاحبه –في الغالب- على الصحيح من سيرته صلى الله عليه وسلّم دون الضعيف والواهي والمنكر، عزمتُ على اختصار الكتاب في صفحات معدودات وحرصتُ على انتقاء الأهمّ من سيرته صلى الله عليه وسلّم ممّا لا يسعُ طالب علم جهلهُ وحتى تسهل مطالعته ومراجعته بين الحين والآخر. أسأل الله تعالى أن ينفعني الله بهذا العمل وينفع غيري به وصلى الله على نبيّنا محمّد وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً كثيراً.

تنبيه: غالب عبارات هذا المختصر هي للمؤلّف رحمه الله تعالى وإنّما قمتُ ببعض التعديلات الطفيفة من تقديم وتأخير وزيادة وحذف لبعض الجمل والكلمات.

روى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((بعثت من خير قرون بني آدم قرنا فقرنا، حتى كنت من القرن الذي كنت منه)) .
وروى مسلم في صحيحه عن وائلة بن الأسقع قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنّ الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى قريشا من كنانة، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم)). فنسب رسول الله صلى الله عليه وسلّم خير نسب.

وأما أبوه فهو عبد الله بن عبد المطلب ، وأكثر العلماء يقولون إنه توفي ورسول الله صلى الله عليه وسلّم حمل، وقيل إنه مات ولرسول الله صلى الله عليه وسلم شهران، وجميع ما خلفه عبد الله خمسة أجمال وجارية حبشية اسمها بركة وكنيتها أم أيمن، وهي حاضنته.

وأمّه عليه السّلام آمنة بنت وهب.

ولد عليه السلام يوم الاثنين لثمان خلون من ربيع الأول، وقيل لعشر، وقيل لاثنتي عشرة. ولم يولد لأبيه وأمّه غيره صلى الله عليه وسلم فيما ذكر. وأرضعته صلى الله عليه وسلم ثويبة عتيقة أبي لهب، أعتقها حين بشرته بولادته صلى الله عليه وسلم. وأرضعت أيضا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بلبن ابنها مسروح حمزة عم رسول الله، وأبا سلمة بن عبد الأسد المخزومي. ثم أرضعته صلى الله عليه وسلم حليمة السعدية.

وفي السنة الرابعة من مولده ذكر أنّ الملكين شقا بطنه واستخرجا قلبه وشقاه فاستخرجا منه علقة سوداء ثم غسلا قلبه وبطنه بالثلج، وقد روي أنه ختم بخاتم النبوة بين كتفيه، وأنه يشم منه مسكا، وأنه مثل زر الحجلة، ذكره البخاري.

ماتت أمّه عليه السلام ولم يستكمل إذ ذاك سبع سنين، فقدمت به أم أيمن إلى مكة بعد موتها، فكفله جده عبد المطلب واسمه شيبة، وتوفي جده عبد المطلب في السنة الثامنة من مولده، وأوصى به إلى عمّه أبي طالب فأقام من سنة ثمان من مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السنة العاشرة من النبوة ثلاثا وأربعين سنة يحوطه ويقوم بأمره ويذب عنه ويلطف به.

ولما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم اثنتي عشرة سنة خرج مع عمه أبي طالب حتى بلغ بصرى فرآه بحيرا الراهب واسمه جرجيس فعرفه بصفته، فقال وهو آخذ بيده: هذا سيّد العالمين، هذا يبعثه الله رحمة للعالمين.

فقال: وما علمك بذلك؟

فقال: إنكم حين أشرفتم من العقبة لم يبق حجر ولا شجر إلاّ وخرّ ساجدا، ولا تسجد إلاّ لنبي. وإنّي أعرفه بخاتم النبوة في أسفل غضروف كتفه مثل التفاحة، وإنا نجده في كتبنا. وسأل أبا طالب أن يرده خوفا عليه من اليهود. الحديث رواه ابن أبي شيبة، وفيه أنه أقبل عليه الصلاة والسلام وعليه غمامة تظله.

ثم خرج مرة أخرى، ومعه ميسرة غلام خديجة في تجارة لها، حتى بلغ سوق بصرى وله إذ ذاك خمس وعشرون سنة، ثمّ تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم خديجة بعد ذلك، وكان لها حين تزويجها برسول الله صلى الله عليه وسلم من العمر أربعون سنة، فولدت لرسول الله صلى الله عليه وسلم بنين وبنات، وكل أولاده من خديجة، حاشا إبراهيم فإنه من مارية القبطية.
وخديجة أول امرأة تزوجها، وأول امرأة ماتت من نسائه ولم ينكح عليها غيرها، وأمره جبريل أن يقرأ عليها السلام من ربها.

أمّا أبناؤه فهم كالتالي:


· الذكور:
1. القاسم وبه كان يكنى وهو أكبر ولده عاش أياما يسيرة، ولد قبل النبوة.
2. عبد الله.
3. الطيب.
4. الطاهر.
5. ابراهيم ولد بالمدينة وعاش عامين غير شهرين ومات قبل موته عليه السلام بثلاثة أشهر يوم كسوف. وكان له ابنان آخران اختلف في اسمهما.

· الإناث:
1. زينب تزوجها أبو العاص بن الربيع، وكانت خديجة خالته. ومات أبو العاص في خلافة عمر وولدت له عليا مات مراهقا، وأمامة تزوجها علي رضي الله عنه بعد فاطمة ولم تلد له.
2. رقية وتزجها عثمان بن عفان رضي الله عنه ولم يكن لها زوج غيره، فولدت له ابنا مات وله أربع سنين، ثم ماتت رقية بعد بدر بنحو ثلاثة أيام.
3. فاطمة تزوجها علي بن أبي طالب، فولدت له الحسن والحسين وزينب وأم كلثوم وابنا مات صغيرا اسمه المحسن رضي الله عنه، فتزوج زينب عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، فولدت له علي بن عبد الله له عقب. وتزوج أم كلثوم عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وماتت فاطمة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بستة أشهر.
4. أم كلثوم وهي أصغر بناته كانت مملكة بعتبة بن أبي لهب فلم يدخل بها وطلقها، فتزوجها عثمان بن عفان رضي الله عنه فماتت عنده في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم تلد له.

ثم أبغض رسول الله صلى الله عليه وسلم الأوثان ودين قومه فلم يكن شيء أبغض إليه من ذلك. وحبب إليه الخلوة والتعبد لربه فكان يخلو بغار حراء يتعبد فيه.

ولمّا بلغ رسول الله خمسا وثلاثين سنة قامت قريش في بناء الكعبة وكان حينها يلقّب بالأمين لصدقه وأمانته وحسن أخلاقه.

ولمّا بنت قريش الكعبة ورفعت سمكها وانتهوا إلى موضع الحجر تنازعوا أيّهم يضعه ثمّ اتفقوا على أن يرتضوا بأول من يطلع عليهم من باب بني شيبة.

فكان أوّل مَن ظهر لأبصارهم النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك الباب، فحكموه فيما تنازعوا فيه، وانقادوا لقضائه، فبسط ما كان عليه من رداء وقيل كساء وأخذ صلى الله عليه وسلم الحجر فوضعه في وسطه، ثم قال لأربعة رجال من قريش وأهل الرياسة فيهم والزعماء منهم: ليأخذ كل واحد منكم بجنبة من جنبات هذا الرداء، فشالوه حتى ارتفع من الأرض وأدنوه من موضعه.

ولمّا بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين سنة بعثه الله رحمة للعالمين، وكافة للناس أجمعين.

ففي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: "أوّل ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصادقة، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح. ثم حبب إليه الخلاء فكان يخلو بغار حراء فيتحنث فيه وهو التعبد الليالي ذوات العدد قبل أن يرجع إلى أهله ويتزود لذلك، ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها، حتى فجأه الحق وهو في غار حراء فجاءه الملك فقال له: اقرأ، قال: ما أنا بقارئ. قال: فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فقال: اقرأ، قلت: ما أنا بقارئ. فأخذني فغطني الثالثة حتى بلغ مني الجهدن ثم أرسلني فقال: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْأِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْأِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} فرجع بها رسول الله صلى الله عليه وسلم يرجف فؤاده حتى دخل على خديجة فقال: زملوني زملوني، فزملوه حتى ذهب عنه الروع.

ثم قال لخديجة: أي خديجة مالي؟ فأخبرها الخبر.

لقد خشيت على نفسي. فقالت له خديجة: كلا، أبشر، فوالله لا يخزيك الله أبدا، إنك لتصل الرحم وتصدق الحديث، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق. ثم انطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد وهو ابن عمها، وكان امرأ تنصر في الجاهلية، وكان يكتب الكتاب العربي، فكتب من الإنجيل بالعربية ما شاء الله أن يكتب، وكان شيخا كبيرا قد عمي، فقالت خديجة: أي عم اسمع من ابن أخيك.

فقال له ورقة: يا ابن أخي ماذا ترى؟ فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر ما رأى، فقال له ورقة: هذا الناموس الأكبر الذي أنزل على موسى. يا ليتني فيها جزع ليتني أكون حيا إذ يخرجك قومك. قال رسول الله: أَوَ مُخْرِجِي هم؟

قال ورقة: نعم، لم يأت رجل قط بما جئت به إلاّ عُودي. وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا.

ثم لم ينشب ورقة أن توفي، وفتر الوحي فترة، حتى حزن رسول الله صلى الله عليه وسلم حزنا شديدا.

ثمّ بينا كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يمشي ذات يوم إذ سمع صوتا من السماء، فرفع بصره فإذا الملك الذي جاءه بحراء جالس على كرسي بين السماء والأرض، فرعب منه، فرجع إلى أهله فقال: زملوني زملوني، فأنزل الله تعالى {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} إلى قوله: {وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} فحمي الوحي وتتابع.

ولمّا دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الله استجاب له عباد الله من كل قبيلة، فكان أول من آمن بالله ورسوله خديجة صديقة النساء، ووازرته على أمره، فخفف الله بذلك عن رسوله، فكان لا يسمع شيئا يكرهه من رد عليه وتكذيب له فيحزنه ذلك إلا فرج الله عنه بها إذا رجع إليها تثبته وتخفف عليه وتهون عليه أمر الناس، حتى ماتت رضي الله عنها.

ثم أسلم أبو بكر، واسمه عبد الله بن أبي قحافة واسم أبي قحافة عثمان. وهو أول من أسلم من الرجال، وقيل إن عليا أول من أسلم بعد خديجة صبي، وكان في كفالة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقيل أول رجل أسلم ورقة بن نوفل. فلما أسلم أبو بكر أظهر إسلامه ودعا معه إلى الله. فأسلم بدعائه عثمان بن عفان ، وسعد بن أبي وقاص، والزبير بن العوام، وعبد الرحمن بن عوف، وطلحة بن عبيد الله.

وبادر إلى الإسلام زيد بن حارثة حب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان غلاما لخديجة فوهبته لرسول الله صلى الله عليه وسلم لما تزوجها، وأول امرأة أسلمت بعد خديجة أم الفضل زوجة العباس، ثم دخل الناس في الإسلام أرسالا من الرجال والنساء حتى فشا ذكر الإسلام بمكة وتحدثت به قريش ثم إن الله سبحانه أمر رسوله أن يصدع بما جاءه منه، وأن ينادي الناس بأمره ويدعو إليه بعد ثلاث سنين من الدّعوة في السرّ إلى توحيد الله تعالى وإفراده بالعبادة ونفي الشريك عنه سبحانه.

فلمّا نادى رسول الله صلى الله عليه وسلم وصدع به كما أمره الله وذكر آلهة قومه وعابها، أجمعوا على خلافه وعداوته إلا من عصم الله منهم بالإسلام، وهم قليل مستخفون.

وحدب على رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو طالب ومنعه وقام دونه، لأنّه كان من أشراف قريش ومطاعيهم. ولقي من الصحابة -مَن لم يكن له عشيرة تحميه- من العذاب أمرا عظيما.

ثمّ افترضت الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين ركعتين كل صلاة، ثم إن الله أتمها فيما بعد في الحضر أربعا وأقرت في السفر على فرضها ركعتين. وقيل: إن الفرض كانت صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذا أصحابه إذا صلوا ذهبوا في الشعاب واستخفوا بصلاتهم من قوهم.

ثمّ لما أنزل الله {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} أتى النبي صلى الله عليه وسلم الصفا فصعده، ثم نادى: يا صباحاه. فاجتمع الناس إليه، بين رجل يأتي إليه وبين رجل يبعث رسوله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا بني عبد المطلب، يا بني فهر، أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلا بسفح هذا الجبل تريد أن تغير عليكم صدقتموني؟" قالوا: نعم. قال: "فإنّي نذير لكم بين عذاب شديد" فقال أبو لهب: تبًا لك سائر اليوم، أما دعوتنا إلاّ لهذا؟ وأنزل الله {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ}.

فلمّا رأت قريش أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يعتبهم من شيء أنكروه عليه واشتد أذى قريش على مَن آمن، وفتن منهم مَن فتن.

فلمّا اشتد البلاء عليهم أذن رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم في الهجرة الأولى إلى أرض الحبشة وقال: "إنّ بها ملكا لا يظلم الناس". وكان أول َهاجر عثمان ابن عفان ومعه زوجته رقية بنت رسول الله، فخرجوا في جمع من الصحابة متسللين سرا في رجب من السنة الخامسة من المبعث فوفق الله لهم ساعة وصولهم إلى الساحل سفينتين للتجار فحملوهم فيها إلى أرض الحبشة. فأقاموا بالحبشة شعبان ورمضان. ثم رجعوا إلى مكة في شوال لمّا بلغهم ّقريشا صافوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وكفّوا عنه.

ولمّا استمر رسول الله صلى الله عليه وسلم على سبّ آلهتهم عادوا إلى شرّ ما كانوا عليه، وازدادوا شدّة على مَن أسلم. فلمّا قرب مهاجرة الحبشة من مكة وبلغهم أمرهم توقفوا عن الدخول، ثم دخل كل رجل في جوار رجل من قريش، ثم اشتد عليهم البلاء والعذاب من قريش وسطت بهم عشائرهم، وصعب عليهم ما بلغهم عن النجاشي من حسن جواره، فأذن لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخروج إلى الحبشة مرة ثانية فخرجوا، فكان خروجهم الثاني أشق عليهم وأصعب، فكان عدة من خرج في هذه المرة ثلاثة وثمانين رجلا إن كان فيهم عمار بن ياسر ومن النساء تسع عشرة امرأة.

فأقاموا عند النجاشي على أحسن حال وبلغ ذلك قريشا.

فلما كان في ربيع الأول من سنة سبع من الهجرة كتب رسول الله كتابا إلى النجاشي -واسمه أصحمة بن الحر- يدعوه إلى الإسلام. فلمّا قرئ عليه الكتاب أسلم وقال: لو قدرت أن آتيه لأتيته. وكتب إليه أن يزوّجه أم حبيبة بنت أبي سفيان، وكانت ممّن هاجر إلى الحبشة مع زوجها عبيد الله بن جحش فتنصّر هناك ومات، فزوّجه إيّاها، وأصدقها عنه أربعمائة دينار. وكتب إليه أن يبعث إليه مَن بقي من أصحابه ويحملهم ففعل، وحملهم في سفينتين مع عمرو بن أمية، وقدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم حين افتتح خيبر.

وفي سنة تسع من الهجرة مات النجاشي رحمه الله ونعاه رسول الله صلى الله عليه وسلّم ورفع إليه سريره بأرض الحبشة حتى رآه بالمدينة وصلى عليه.

نعود إلى مكّة وما جرى فيها من شأن رسول الله صلى الله عليه وسلّم مع قومه:

فلما رأت قريش أن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم يتزايد ويقوى، مشوا إلى أبي طالب وهددوه بفراقه وعدائه إن لم ينه ابن أخيه عن سبّ آلهتهم وتسفيه أحلامهم وعيب آبائهم، فأبى عليهم أبو طالب ذلك المرّة تلو المرّة لمّا رأى ثبات ويقين رسول الله صلى الله عليه وسلّم. حتى بلغ بهم الأمر أن عرضوا عليه فتى من خيرة فتيانهم يقال له: عمارة بن الوليد وقالوا له: يا أبا طالب هذا أنهد فتى في قريش وأجمله، فخذه فلك عقله ونصره واتخذه ولدا فهو لك، وأسلم إلينا ابن أخيك هذا الذي قد خالف دينك ودين آبائك وفرق جماعة قومك وسفه أحلامهم فنقتله، فإنما هو رجل كرجل.

فقال أبو طالب: والله لبئس ما تسومونني، تعطونني ابنكم أغذيه لكم، وأعطيكم ابني تقتلونه! هذا ما لا يكون أبدا.

ثمّ قام أبو طالب حين رأى قريشا يصنعون ما يصنعون في بني هاشم وبني عبد المطلب فدعاهم إلى ما هو عليه من منع رسول الله والقيام دونه، فاجتمعوا إليه وقاموا معه، إلا ما كان من أبي لهب وولده فإنهم ظاهروا قريشا على قومهم.

فلما رأت قريش ذلك اجتمعوا وائتمروا أن يكتبوا كتابا على بني هاشم وبني عبد المطلب ألا ينكحوا إليهم ولا ينكحوهم ولا يبيعوا منهم شيئا ولا يبتاعوا منهم ولا يقبلوا منهم صلحا أبدا ولا تأخذهم بهم رأفة حتى يسلموا رسول الله صلى الله عليه سلم للقتل.

فانحاز بنو هاشم وبنو عبد المطلب مسلمهم وكافرهم إلى أبي طالب فدخلوا معه شعبه، فأقاموا على ذلك سنتين أو ثلاثا، حتى جهدوا وكان لا يصل إليهم شيء إلا سرا، وقطعت قريش عنهم الأسواق حتى كان يسمع أصوات نسائهم وأبنائهم يتضاغون من وراء الشعب من الجوع، واشتدوا على من أسلم ممن لم يدخل الشعب، وعظمت الفتنة وزلزلوا زلزالا شديدا.

ثمّ إنّ نفراً من أشراف قريش تعاهدوا على نقض الصحيفة لما رأو ما حلّ ببني هاشم من الهلاك، فقام المطعم بن عدي إلى الصحيفة ليشقها فوجد الحشرات قد أكلتها، إلا باسمك اللهم وما كان فيها من اسم الله فإنها لم تأكله. وخرج بنو هاشم من شعبهم وخالطوا الناس. وذلك بعد عشرة أعوام من المبعث، ومات أبو طالب بعد ذلك بستة أشهر، وماتت خديجة بعده بثلاثة أيام.

وقيل: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمي ذلك العام "عام الحزن"، ثم بعد أيام من موت خديجة تزوج عليه السلام سودة بنت زمعة.

فلمّا مات أبو طالب اشتد البلاء على رسول الله صلى الله عليه وسلم من قومه وتجرءوا عليه وكاشفوه وأصحابه بالأذى، وأرادوا قتله، فمنعهم الله من ذلك.

ثمّ إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلّم واصل دعوة قومه إلى عبادة الله وحده ونبذ الشرك ودعاء غير الله تعالى، دعاهم صلى الله عليه وسلّم إلى إخلاص العبادة لله وحده وطرح ما كان يعبد آباؤهم الأولين. ولكنّ قومه أصروّا على عنادهم وأجمعوا على مخالفته ومنابذته فقالوا إنّما هو مجنون وقال بعضهم بل هو كاهن، وقال آخرون بل هو ساحر، أو شاعر وغيرها من النقائص التي وصموه بها بأبي هو وأمّي.

ثمّ خرج صلى الله عليه وسلّم إلى الطائف، ورجا أن يؤووه وينصروه على قومه، ويمنعوه منهم. ودعاهم إلى الله، فلم ير من يؤوي ولم ير ناصرا، ونالوه مع ذلك بأشد الأذى ونالوا منه ما لم ينل قومه. وكان معه زيد بن حارثة مولاه، فأقام بينهم عشرة أيام لا يدع أحدا من أشرافهم إلا جاءه وكلمه، فقالوا: اخرج من بلادنا، وأغروا به سفهاءهم. ورجموا عراقيبه بالحجارة حتى اختضب نعلاه بالدماء. وكان إذا أذلقته الحجارة قعد إلى الأرض فيأخذونه بعضديه ويقيمونه، فإذا مشى رجموه وهم يضحكون، وزيد بن حارثة يقيه بنفسه، حتى لقد شج في رأسه شجاجا، فانصرف راجعا من الطائف إلى مكة محزونا.

وفي الطريق أرسل إليه ربه ملك الجبال يستأمره أن يطبق الأخشبين على أهل مكة، وهما الجبلان اللذان هي بينهما، فقال ((بل أستأني بهم، لعل الله أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله لا يشرك به شيئا)).

وفي مرجعه نزل بنخلة وقام يصلي في جوف الليل، فصرف الله إليه نفرا من الجن فاستمعوا قراءته، ولم يشعر بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم. فلما فرغ من الصلاة ولوا إلى قومهم منذرين، قد آمنوا به وأجابوا إلى ما سمعوا، فقص الله خبرهم عليه فقال تعالى ((وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ)) الآيات.

ثم انتهى إلى مكة، فأرسل رجلا من خزاعة إلى المطعم بن عدي: أدخل في جوارك؟ فقال: نعم. فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه زيد بن حارثة، حتى انتهى إلى المسجد الحرام، فانتهى رسول الله إلى الركن فاستلمه، وصلى ركعتين، وانصرف إلى بيته والمطعم ابن عدي وولده محدقون بالسلاح حتى دخل بيته.




عبير الإسلام

عدد المساهمات : 1216
تاريخ التسجيل : 16/04/2015

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الجامع المختصر في سيرة سيّد البشر Empty رد: الجامع المختصر في سيرة سيّد البشر

مُساهمة من طرف عبير الإسلام الإثنين أبريل 11, 2016 2:57 pm



ثم أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم بروحه وبجسده على الصحيح من المسجد الحرام إلى بيت المقدس راكبا على البراق صحبة جبريل عليهما السلام، فنزل هناك وصلى بالأنبياء إماما، وربط البراق بحلقة باب المسجد.

ثم عرج به تلك الليلة من بيت المقدس إلى السماء الدنيا، فاستفتح له جبريل ففتح لهما، فرأى هناك آدم أبا البشر فسلم عليه، فرحب به ورد عليه السلام وأقر بنبوته. وأراه الله أرواح السعداء عن يمينه، وأرواح الأشقياء عن شماله.

ثم عرج به إلى السماء الثانية فاستفتح له فرأى فيها يحي ابن زكريا وعيسى بن مريم، فلقيهما وسلم عليهما، فردا عليه السلام ورحبا به وأقرا بنبوته.

ثم عرج به إلى السماء الثالثة، فرأى فيها يوسف الصديق، فسلم ورحب به.

ثم عرج به إلى السماء الرابعة، فرأى فيها إدريس، فسلم عليه ورحب به.

ثم عرج به إلى السماء الخامسة، فلقي فيها هارون بن عمران، فسلم عليه ورحب به وأقر بنبوته.

ثم عرج به إلى السماء السادسة، فلقي فيها موسى، فسلم عليه ورحب به وأقر بنبوته.

فلمّا جاوزه بكى، فقيل ما يبكيك؟ قال: إنّ غلاما بعدي يدخل الجنّة من أمّته أكثر ممّا دخلها من أمّتي. ثم عرج به إلى السماء السابعة، فلقي إبراهيم، فسلم عليه ورحب به وأقر بنبوته.

ثم رفع إلى سدرة المنتهى. ثم رفع له البيت المعمور. ثم عرج به إلى الجبّار جل جلاله، فدنا منه حتى كان قاب قوسين أو أدنى، فأوحى إلى عبده ما أوحى، وفرض عليه خمسين صلاة. فرجع حتى مر على موسى فقال: بم أمرت ؟ قال: بخمسين صلاة فقال: إنّ أمّتك لا يطيقون ذلك، ارجع إلى ربّك فاسأله التخفيف لأمتك، فالتفت إلى جبريل كأن يستشيره في ذلك، فأشار أن نعم إن شئت. فعلا جبريل حتى أتى به الجبّار تبارك وتعالى. فلم يزل يتردد بين موسى وبين ربّه تعالى حتى جعلها خمسا. فأمره موسى بالرجوع وسؤال التخفيف، فقال: قد استحييت من ربّي، ولكن أرضى وأسلم. فلمّا نفذ نادى مناد: قد أمضيت فريضتي، وخفّفت عن عبادي.

فلمّا أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم في قومه أخبرهم بما أراه الله من آياته الكبرى، فاشتد تكذيبهم له وأذاهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني أسري بي الليلة. قالوا: إلى أين؟ قال: إلى بيت المقدس؟ قالوا: ثم أصبحت بين ظهرانينا؟ قال: نعم. فقال المطعم بن عدي: نحن نضرب أكباد الإبل إلى بيت المقدس مصعدا ومنحدرا شهرا، تزعم أنك أتيته في ليلة! واللات والعزى لا أصدقك. فقال أبو بكر: يا مطعم بئس ما قلت لابن أخيك، جبهته وكذبته. أنا أشهد أنه صادق.
فقالوا: يا محمد، صف لنا بيت المقدس ؟ وفي القوم من سافر إليه. فذهب ينعت لهم: بناؤه كذا. هيئته كذا. وقربه من الجبل كذا. فما زال ينعت لهم حتى التبس عليه النعت، فكرب كربا ما كرب مثله، فجيء بالمسجد حتى وضع دون دار عقيل أو عقال. فقالوا: فكم للمسجد من باب؟ ولم يكن عدها. فجعل ينظر إليه ويعدها بابا بابا ويعلمهم، وأبو بكر يقول: صدقت، أشهد أنك رسول الله.

فقال القوم: أما النعت فوالله لقد أصاب.

فقالوا لأبي بكر: فتصدقه أنّه ذهب الليلة إلى بيت المقدس وجاء قبل أن يصبح ؟

قال: نعم إني لأصدقه بما هو أبعد من ذلك، أصدقه بخبر السماء في غدوة وروحة. فبذلك سمي أبو بكر "الصديق".

ثم قالوا: يا محمد، أخبرنا عن عيرنا. فأخبرهم عنها في مسراه ورجوعه،وأخبرهم عن وقت قدومها، وعن البعير الذي يقدمها. وكان الأمر كما قال. فرموه بالسحر وقالوا: صدق الوليد.ولم يزدهم ذلك إلا ثبورا، وأبى الظالمون إلا كفورا.

فلمّا أراد الله سبحانه إظهار دينه وإعزاز نبيّه وإنجاز موعده له، خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الموسم، فعرض نفسه على قبائل العرب كما كان يصنع في كل موسم، فبينما هو عند العقبة لقي رهطا من الخزرج أراد الله بهم خيرا، فدعاهم إلى الله وعرض عليهم الإسلام، وتلا عليهم القرآن فقال بعضهم لبعض: يا قوم تعلمون والله أنّه للنبي الذي توعدكم به اليهود، فلا يسبقنكم إليه. -وقد كان يهود المدينة إذا كان بينهم وبين غيرهم من سكّان المدينة شيء قالوا لهم: إنّ نبيا مبعوثا الآن قد أظل زمانه نتبعه فنقتلكم معه قتل عاد وإرم- فأجابوه فيما دعاهم إليه بأن صدقوه، وقبلوا منه ما عرض عليهم من الإسلام، وقالوا: إنا قد تركنا قومنا، ولا قوم بينهم من العداوة والشر ما بينهم، فعسى الله أن يجمعهم بك، فسنقدم عليهم وندعوهم ونعرض عليهم الذي أجبناك إليه من هذا الدين، فإن يجمعهم الله عليك فلا رجل أعز منك. ثم انصرفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم راجعين إلى بلادهم قد آمنوا وصدقوا.

فلمّا قدموا المدينة إلى قومهم ذكروا رسول الله، ودعوهم إلى الإسلام حتى فشا فيهم، فلم تبق من دور الأنصار إلا وفيها ذكر من رسول الله صلى الله عليه وسلم. حتى إذا كان العام المقبل وافى الموسم من الأنصار اثنا عشر، فلقوه بالعقبة الأولى، فبايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على بيعة النساء، وذلك قبل أن تفرض عليهم الحرب.

قال عبادة بن الصامت: بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن لا نشرك بالله شيئا ولا نسرق ولا نزني ولا نقتل أولادنا ولا نأتي بهتان نفتريه بين أيدينا وأرجلنا ولا نعصيه في معروف، والسمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره وأثرة علينا. وأن لا ننازع الأمر أهله، وأن نقول الحق حيث كنّا لا نخاف في الله لومة لائم. قال عليه الصلاة والسلام: ((فإن وفّيتم فلكم الجنّة، ومَن غشي من ذلك شيئا كان أمره إلى الله إن شاء عذبه وإن شاء عفا عنه)).

ثم انصرف الأنصار إلى المدينة فأظهر الله الإسلام. وكتب الأوس والخزرج إلى النبي صلى الله عليه وسلم ابعث إلينا من يقرئنا القرآن، فبعث إليهم مصعب بن عمير وعمرو بن أبي مكتوم الأعمى، فصار مصعب يصلي بهم الجمعة فأسلم على يديه خلق كثير من الأنصار.

ثم رجع مصعب إلى مكة في العام المقبل، وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم معه في ذي الحجة أوسط أيام التشريق منهم سبعون رجلا يزيدون رجلا أو رجلين وامرأتان، ، وهي العقبة الثالثة.

فلمّا كانت ليلة العقبة الثلث الأول من الليل تسلل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم ثلاثة وسبعون رجلا وامرأتان.

فاجتمعوا في الشعب ينتظرون رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى جاءهم ومعه العباس بن عبد المطلب، وهو يومئذ على دين قومه فقال العبّاس: إن محمدا منا حيث علمتم، وقد منعناه من قومنا، وهو في عز من قومه ومنعة في بلده، وإنه قد أبى إلا الانحياز إليكم واللحوق بكم.

ثم قال صلى الله عليه وسلّم: أبايعكم على أن تمنعوني ممّا تمنعون منه نساءكم وأبناءكم.

فأخذ البراء بن معرور بيده ثم قال: نعم والذي بعثك بالحق، لنمنعك مما نمنع منه أزرنا، فبايعنا يا رسول الله، فنحن والله أهل الحروب وأهل الحلقة، ورثناها كابرا عن كابر. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اخرجوا لي منكم اثني عشر نقيبا حتى يكونوا على قومهم بما فيهم، فأخرجوا منهم اثني عشر نقيبا: تسعة من الخزرج، وثلاثة من الأوس.

فلمّا قدموا المدينة أظهروا الإسلام بها،فلما أذن الله ورسوله في الحرب، وبايعه هذا الحي من الأنصار على الإسلام والنصرة له ولمن اتبعه وأوى إليهم من المسلمين. أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه من المهاجرين من قومه ومن معه بمكة من المسلمين بالخروج إلى المدينة والهجرة إليها واللحوق بإخوانهم من الأنصار،فخرجوا أرسالا، فهاجر من هاجر قبل المدينة، ورجع عامة من كان بأرض الحبشة إلى المدينة.

وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظر أن يأذن له ربه في الخروج من مكة والهجرة إلى المدينة.

فلمّا رأت قريش أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كانت له شيعة وأصحاب من غيرهم بغير بلدهم، ورأوا خروج أصحابه من المهاجرين إليهم وساقوا الذراري والأطفال والأموال إلى الأوس والخزرج فعرفوا أن الدار دار منعة، وأن القوم أهل حلقة وبأس وشوكة، فخافوا خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم ولحوقه بهم، وعرفوا أنه قد أجمع لحربهم، فاجتمعوا في دار الندوة، ولم يتخلف أحد من ذوي الرأي والحجا منهم ليتشاوروا في أمره.

فأشار عليهم أبو جهل أن يأخذوا من كل قبيلة فتى شابا جليدا نسيبا وسيطا فيهم، ثم يُعطى كل فتى منهم سيفا صارما، ثم يعمدوا إليه فيضربوه بها ضربة رجل واحد فيقتلوه، فيستريحوا منه. فإنهم إذا فعلوا ذلك تفرق دمه في القبائل جميعا فلم يقدر بنو عبد مناف على حرب قومهم جميعا، فرضوا منهم بالعقل منه فعقلوه لهم. فقال إبليس اللعين وقد تمثّل لهم في صورة شيخ جليل: القول ما قال الرجل، هذا الرأي لا رأي غيره. فتفرق القوم على ذلك وهم مجمعون له، فنجّاه الله تعالى من كيدهم وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلّم بين أيديهم وقد أعمى الله أبصارهم ووضع على رؤوسهم التراب تحقيراً لهم.

وأذن الله لرسوله عند ذلك في الهجرة إلى المدينة وكان خروجه عليه الصلاة والسلام بعد العقبة بثلاثة أشهر أو قريبا منها. وأخبر عليا بخروجه، وأمره أن يتخلف بعده حتى يؤدي عنه الودائع التي كانت عنده للناس. وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت أبي بكر إلى الليل، ثم لحقا بغار ثور في جبل ثور.

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي تلك الليلة على أطراف قدميه كي يخفي أثره حتى حفيت قدماه، فحمله أبو بكر وهو يشتد به حتى أتى به الغار، فأنزله وقال: يا رسول الله دعني أدخل قبلك، فإن كان فيه حيّة أو شيء كان بي دونك.فقال: ادخل، فدخل أبو بكر وجعل يلتمس بيده، وكلمّا رأى جحرا قال بثوبه فشقه ثم ألقمه الجحر حتى فعل ذلك بثوبه أجمع، قال فبقي جحر فوضع عقبه خشية أن يخرج على النبي صلى الله عليه وسلم منه شيء يؤذيه، وكان فيه حيات وأفاع، ثم دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما أصبح قال له النبي صلى الله عليه وسلم: أين ثوبك يا أبا بكر، فأخبره بالذي صنع، فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه وقال: اللهم اجعل أبا بكر معي في درجتي في الجنّة. فأوحى الله إليه: إن الله قد استجاب لك.

فمكثا فيه ثلاث ليال يبيت عندهما عبد الله بن أبي بكر وهو غلام ثقف لقف، فيدلج من عندهما بسحر، فيصبح مع قريش كبائت، فلا يسمع أمرا يكادان به إلا وعاه، حتى يأتيهما بخبر ذلك حين يختلط الظلام،

وجدت قريش في طلبهما وخرجوا يقتصون أثر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر، وأخذوا معهم القافة حتى وصلوا إلى الغار, فقال أبو بكر: نظرت إلى أقدام المشركين فوق رأسنا ونحن في الغار، فقلت: يا رسول الله، لو أن أحدهم نظر تحت قدميه أبصرنا. فقال: يا أبا بكر، ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟ لا تحزن إن الله معنا، يعني بالمعونة والنصر.

قال أبو بكر: فارتحلنا والقوم يطلبوننا، فلم يدركنا أحد منهم غير سراقة بن مالك المدلجي على فرس له، فدعا عليه رسول الله فارتطمت به فرسه إلى بطنها. فقال: إني أراكما قد دعوتما علي، فادعوا الله لي، فالله لكما أن أرد عنكما الطلب، فدعا له النبي صلى الله عليه وسلم فنجا، فجعل لا يلقى أحدا إلا قال: قد كفيتم، ما ههنا. ولا يلقي أحدا إلا رده. فكان أول النهار جاهدا عليهما، وآخره حارسا لهما.

ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيمن معه فمروا بخيمتي أم معبد الخزاعية، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بشاة هزيلة ليس فيها لبن فمسح ضرعها وذكر اسم الله وقال: اللهم بارك لها في شاتها، فتفاجت فدرت واجترت. فشربوا جميعاً. ثم إن أم معبد هاجرت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأسلمت.

ولقي النبي صلى الله عليه وسلم في أثناء الطريق الزبير بن العوام في ركب من المسلمين قافلين من الشام، فكسا الزبير رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر ثيابا بيضا.

فلمّا وصل رسول الله صلى الله عليه وسلّم إلى المدينة استقبله المسلمون استقبالا حسنا وكبر المسلمون فرحا بقدومه وسمعت الوجبة والتكبير. وخرج المسلمون للقائه، فتلقوه وحيوه بتحية النبوة، وأحدقوا به مطيفين حوله، والسكينة تغشاه، والوحي ينزل عليه، والله مولاه وجبريل وصالح المؤمنين، والملائكة بعد ذلك ظهير، فسار حتى نزل بقباء في بني عمرو بن عوف، فأقام في بني عمرو بن عوف أربع عشرة ليلة، وأسس مسجد قباء، وهو أول مسجد أسس على التقوى بعد النبوة.

فلمّا كان يوم الجمعة ركب بأمر الله له، فأدركته الجمعة في بني سالم بن عوف، فجمع بهم في المسجد الذي في بطن الوادي، ثم ركب ناقته وأرخى زمامها لا يحركها وهي تنظر يمينا وشمالا، فلم تزل ناقته سائرة، ولا يمر بدار من دور الأنصار إلا رغبوه في النزول عليهم ويأخذون بخطام راحلته. فقال: خلوا سبيلها فإنها مأمورة فلم تزل سائرة به حتى وصلت إلى موضع مسجده اليوم فبركت، ولم ينزل عنها حتى نهضت وسارت قليلا ثم التفتت ورجعت فبركت في موضعها الأول فنزل عنها، وذلك في بني النجار أخواله، وكان من توفيق الله لها، فإنه أحب أن ينزل على أخواله إكراما لهم.

وبادر أبو أيوب الأنصاري إلى رحله فأدخله، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "المرء مع رحله".

ومن مقدمه صلى الله عليه وسلم المدينة أرخ التاريخ في زمن عمر إلى يومنا هذا.

وتلاحق المهاجرون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يبق بمكة منهم أحد إلا مفتون أو محبوس.

ثمّ ابتاع صلى الله عليه وسلّم مربذاً من غلامين يتيمين بالمدينة ليبني عليه مسجده -وهو مكان بروك ناقته- كانت فيه قبور المشركين وكانت فيه خرب وكان فيه نخل، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقبور المشركين فنبشت، وبالخرب فسويت، وبالنخل فقطع، ثمّ شرع في بناء المسجد وباشر البناء بنفسه صلى الله عليه وسلّم فجعلت قبلة المسجد إلى بيت المقدس، وجعل له ثلاثة أبواب: باب في مؤخره، وباب يقال له باب الرحمة، والباب الذي يدخل منه عليه السلام. وبنى بيوتا إلى جنبه باللبن وسقفها بالجريد والجذوع.

فلمّا فرغ من البناء بنى بعائشة رضي الله عنها في البيت الذي بناه لها شرقي المسجد شارعا إلى المسجد، وهو مكان حجرته اليوم، وجعل لسودة بيتا آخر.

نكح رسول الله صلى الله عليه وسلّم عائشة وهي بنت ست سنين، وبنى بها وهي بنت تسع سنين. وكانت أحبّ النّاس إليه ولم ينكح بكراً غيرها وكانت مدة مقامها معه عليه السلام تسع سنين، ومات عنها ولها ثماني عشرة سنة. وكانت فقيهة عالمة فصيحة تقيّة نقيّة صدّيقة، كثيرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي زوجه في الدنيا والآخرة وأمّ المؤمنين وشرفهم وإن رغمت أنوف المنافقين من الروافض المشركين.

ثم آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار في دار أنس بن مالك، وكانوا تسعين رجلا: نصفهم من المهاجرين، ونصفهم من الأنصار، آخى بينهم على المواساة، ويتوارثون بعد الموت دون ذوي الأرحام، إلى وقعة بدر. فلما أنزل الله ((وَأُولُوا الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ)) رد التوارث إلى الرحم دون عقدة الأخوة.

فلمّا اطمأن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة واجتمع إليه إخوانه من المهاجرين، واجتمع أمر الأنصار وألف بين قلوبهم بعد العداوة والإحن التي كانت بينهم، استحكم أمر الإسلام، فقامت الصلاة وشرع الأذان وفرضت الزكاة والصيام وقامت الحدود وفرض الحلال والحرام.





عبير الإسلام

عدد المساهمات : 1216
تاريخ التسجيل : 16/04/2015

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الجامع المختصر في سيرة سيّد البشر Empty رد: الجامع المختصر في سيرة سيّد البشر

مُساهمة من طرف عبير الإسلام الثلاثاء أبريل 12, 2016 2:27 pm



فلمّا رأت العرب واليهود ما صار عليه حال رسول الله مع إخوانه رموهم عن قوس واحدة، وشمروا لهم عن ساق العداوة والمحاربة. وصاحوا بهم من كل جانب. والله يأمرهم بالصبر والعفو والصفح، حتى قويت الشوكة، واشتد الجناح، فأذن لهم حينئذ في القتال ولم يفرض عليهم، فقال تعالى ((أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا)) وهذه أول آية نزلت في الجهاد.

ثم فرض عليهم القتال بعد ذلك لمن قاتلهم دون من لم يقاتلهم فقال ((وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ)) ، ثم فرض عليهم قتال المشركين كافة فقال ((وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ)) أي لا يفتن مؤمن عن دينه، ويكون الدين لله أي حتى يعبدوا الله لا يعبدوا معه غيره.

فكان القتال محرّما. ثم مأذونا فيه، ثم مأمورا به لمن بدأهم بالقتال. ثم مأمورا به لجميع المشركين.

وكان صلى الله عليه وسلم يستحب القتال أول النهار كما يستحب الخروج للسفر أوله، فإذا لم يقاتل أول النهار أخر القتال حتى نزول الشمس وتهب الرياح وبنزل النصر.

وكان يبايع أصحابه في الحرب على أن لا يفروا، وربما بايعهم على الموت. وبايعهم على الجهاد كما بايعهم على الإسلام،وبايعهم على الهجرة قبل الفتح.

وبايعهم على لتوحيد والتزام طاعة الله ورسوله، وبايع نفرا من أصحابه على أن لا يسألوا الناس شيئا، وكان السوط يسقط من يد أحدهم فينزل فيأخذه ولا يقول لأحد ناولني إياه, وكان يشاور أصحابه في الجهاد ولقاء العدو أو تخير المنازل.

ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم اليهود من أهل الكتاب إلى الإسلام ورغبهم فيه وحذرهم عذاب الله ونقمته، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وادعهم وكتب بينه وبينهم كتابا، ولكنّ أحبار اليهود ناصبوه العداوة بغيا وحسدا وضغنا لما خص الله به العرب من أخذه رسوله منهم. وكانوا ثلاث قبائل: بنو قينقاع، وبنو النضير، وبنو قريظة.

فحاربته الثلاث، فمنّ على بني قينقاع، وأجلى بني النضير، وقتل بني قريظة وسبى ذريتهم ونساءهم. ونزلت سورة الحشر في بني النضير، وسورة الأحزاب في بني قريظة. وقد كان حبرهم وعالمهم وسيدهم وابن سيدهم عبد الله بن سلام ثد بادر فدخل في الإسلام حين وصول رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، وكان من بني قينقاع، وأبى عامة اليهود إلا الكفر والعناد.

ولمّا قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة صار الكفار ثلاثة أقسام: قسم صالحهم على أن لا يحاربوه ولا يظاهروا عليه. وقسم حاربوه ونصبوا له العداوة، وقسم تاركوه فلم يصالحوه ولم يحاربوه، بل انتظروا ما يؤول إليه أمره. ومن هؤلاء من كان يحب ظهوره وانتصاره في الباطن.

وكان في المدينة رجل يُدعى عبد الله بن أبي بن سلول من أشرافها وساداتها وكان أهل المدينة قد أجمعوا على تنصيبه ملكاً عليهم، فجاءهم الله برسوله وهو على ذلك، فلمّا انصرف قومه عنه إلى الإسلام ضغن ورأى أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قد استلبه ملكا. فلمّا رأى قومه قد أبوا إلاّ الإسلام دخل كارها مصرا على نفاقه وضغنه.

بداية غزواته:


· ثم إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم تهيّأ للحرب، وقام فيما أمره الله به من جهاد عدوّه وقتال من أمره الله به ممّن يليه من المشركين، مشركي العرب. فخرج غازيا على رأس اثني عشر شهرا من مقدمه المدينة في صفر، وهي غزوة الأبواء يريد قريشا وبني ضمرة بن بكر بن عبد مناة بن كنانة، فوادع فيها ضمرة ، ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ولم يلق كيدا، فأقام بها بقية صفر وصدرا من ربيع الأول. وهي أول غزوة غزاها بنفسه.

· فلمّا انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث عبيدة بن الحارث بن المطلب في ستين أو ثمانين راكبا من المهاجرين ليس فيهم من الأنصار أحد، فسار حتى بلغ ماء بالحجاز بأسفل ثنية المرة، فلقي بها جمعا عظيما من قريش فلم يكن بينهم قتال، إلا أن سعد بن أبي وقاص قدرمى يومئذ بسهم فكان أول سهم رمي في سبيل الله، وكانت راية عبيدة أول راية عقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم في الإسلام.

· ثمّ صار يبعث عليه الصلاة والسلام بعض أصحابه من المهاجرين في سرايا الواحدة تلو الأخرى ولم يقع منهم قتال.

· ثم غزا غزوة بواط فغزوة العشيرة، وفي كلتا الغزوتين لم يقع قتال.

· فلم يقم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة حين قدم من غزوة العشيرة إلا ليالي قلائل لا تبلغ العشر، حتى أغار كرز بن جابر الفهري على سرح المدينة ، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في طلبه، حتى بلغ واديا في ناحية بدر ففاته كرز، فرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ولم يلق حربا.

· وبعث عليه الصلاة والسلام في رجب المذكور عبد الله بن جحش الأسدي إلى نخلة، على رأس ستة عشر شهرا من الهجرة. في اثني عشر رجلا من المهاجرين كل اثنين يعتقبان على بعير، وأمره أن يترصد بها عيرا لقريش ويعلم له من أخبارهم، فمرت عير لقريش تحمل زبيبا وأدما وتجارة، فتشاور المسلمون فيهم وقالوا نحن في آخر يوم من رجب الشهر الحرام، فإن قاتلناهم انتهكنا الشهر الحرام، وإن تركناهم الليلة، دخلوا الحرم. ثم أجمعوا على ملاقاتهم، فقتلوا واحدا من المشركين، وأسروا اثنين. ثم قدموا بالعير والأسيرين.

فلما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما أمرتكم بقتال في الشهر الحرام. فوقف العير والأسيرين وأبى أن يأخذ من ذلك شيئا. فأسقط في أيدي القوم وظنوا أنهم قد هلكوا، وعنفهم إخوانهم من المسلمين. وأنكرت قريش ذلك، وقالوا: قد استحل محمد وأصحابه الشهر الحرام. فأنزل الله على رسوله ((يَسْأَلونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ)) فلما نزل القرآن بذلك فرج الله عن المسلمين، وقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم العير والأسيرين، ففادت قريش الأسيرين.

فلمّا كان في شعبان من هذه السنة حولت القبلة عن بيت المقدس إلى الكعبة على سبعة عشر شهرا من مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، وقيل على ثمانية عشر، وقيل على ستة عشر شهرا، ولم يقل أحد أكثر ولا أقل. فبينما كان الناس يصلون الصبح في مسجد قباء إذ جاءهم رجل فقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قد أنزل عليه اللّيلة قرآن وقد أمر أن يستقبل الكعبة، ألا فاستقبلوها. وكان وجه الناس إلى الشام فاستداروا بوجوههم إلى الكعبة.

وبعدما حولت القبلة بشهر في شعبان على رأس ثمانية عشر شهرا من قدومه عليه الصلاة والسلام، نزل فرض شهر رمضان وزكاة الفطر قبل العيد بيومين. وقيل إن صدقة الفطر فرضت قبل الهجرة والله أعلم.

غزوة بدرالكبرى

وهي أكرم المشاهد، وهو يوم الفرقان الذي أعز الله فيه الإسلام وأهله ودفع فيه الشرك وأهله وهذا مع قلة عدد المسلمين، وكثرة العدو، فأعز الله رسوله، وأظهر وحيه وتنزيله، وبيض وجه النبي صلى الله عليه وسلم وقبيله، وأخزى الشيطان وجيله. وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الله اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم.

وكان خروجهم يوم السبت اثني عشر خلت من رمضان، على رأس تسعة عشر شهرا، وقيل لثمان خلون منه، واستخلف على المدينة أبا لبابة، وخرج معه الأنصار، ولم تكن قبل ذلك خرجت معه، وكانت من غير قصد من المسلمين إليها ولا ميعاد، كما قال تعالى ((وَلَوْ تَوَاعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ)) وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بلغه خبر العير المقبلة من الشام مع أبي سفيان فيها أموال عظيمة لقريش، فندب أصحابه إليهم، وأخبرهم بكثرة المال وقلة العدو.

فلمّا بلغ أبا سفيان مسيره عليه الصلاة والسلام استأجر ضمضم بن عمرو الغفاري أن يأتي قريشا بمكة فيستنفرهم ويخبرهم أن محمدا قد اعترض لعيرهم في أصحابه، فنهضوا مسرعين في قريب من ألف مقاتل، ومعهم مائة فرس وسبعمائة بعير، ولم يتخلف أحد من أشرافهم، إلا أبا لهب وبعث مكانه العاص بن هشام ابن المغيرة كان له دين بذلك. وحشدوا فيمن حولهم من العرب، ولم يتخلف من بطون قريش سوى عدي بن كعب. فخرجوا سراعا وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فيمن خف معه من أصحابه، واستعمل على الصلاة بالناس عمرو بن أم مكتوم، ثم رد أبا لبابة من الروحاء واستعمله على المدينة، ودفع اللواء إلى مصعب بن عمير وكان أبيضا، وكان أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم رايتان إحداهما مع علي بن أبي طالب والأخرى مع رجل من الأنصار، قيل وكانتا سوداوين.

ثمّ أتاه الخبر عن قريش بمسيرهم ليمنعوا عيرهم، فاستشار الناس وأخبرهم عن قريش فقام أبو بكر الصديق فقال وأحسن، ثم قام عمر فقال وأحسن، ثم قام المقداد بن الأسود فقال: يا رسول الله، امض لما أمرك الله، فنحن معك، والله لا نقول كما قالت بنو إسرائيل لموسى اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون. فوالذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى برك الغماد لجالدنا معك من دونه حتى تبلغه. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرا ودعا له بخير. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أشيروا علي أيها الناس، وإنما يريد الأنصار.

فقال له سعد بن معاذ: والله لكأنك تريدنا يا رسول الله؟ قال: أجل. فقال له: فقد آمنا بك وصدقناك وشهدنا أن ما جئت به هو الحق وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة، فامض يا رسول الله لما أردت، فنحن معك، فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك، ما تخلف منا رجل واحد، وما نكره أن تلقى بنا عدونا غدا، إنا لصبر في الحرب، صدق في اللقاء، لعل الله يريك منا ما تقر به عينك، فسر على بركة الله. فسُرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بقول سعد، ونشطه ذلك.ثم قال: سيروا وأبشروا، فإن الله قد وعدني إحدى الطائفتين، والله لكأني أنظر إلى مصارع القوم.

وخفض أبو سفيان فلحق بساحل البحر، ولما رأى أنه قد نجا وأحرز العير كتب إلى قريش أن ارجعوا فإنكم إنما خرجتم لتحرزوا عيركم. فأتاهم الخبر وهم بالجحفة فهموا بالرجوع، فقال أبو جهل: والله لا نرجع حتى نقدم بدرا فنقيم به، ونطعم من حضرنا من العرب، وتخافنا العرب بعد ذلك. فرجع بعضهم وبقي أكثرهم.
ثم مشى رسول الله صلى الله عليه وسلم على موضع الوقعة فعرض على أصحابه مصارع رؤوس الكفر من قريش مصرعا مصرعا يقول: "هذا مصرع فلان إن شاء الله، هذا مصرع فلان إن شاء الله" .

فلما أقبلت قريش ورآها رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "اللّهم هذه قريش قد أقبلت بخيلائها وفخرها تجادلك وتكذّب رسولك، اللّهم فنصرك الذي وعدتني. اللّهم أحنهم الغداة".

وبات رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جذم شجرة هناك، وكانت ليلة الجمعة السابع عشر من رمضان في السنة الثانية من الهجرة، فلما أصبحوا أقبلت قريش في كتائبها واصطف الفريقان.

وخرج عتبة بن ربيعة وأخوه شيبة وابنه الوليد بن عتبة حتى نصلوا من الصف، فخرج إليهم فتية من الأنصار فقال المشركون: مالنا بكم حاجة. ثم نادى مناديهم: يا محمد أخرج إلينا أكفاءنا من قومنا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قم يا عببيدة بن الحارث وقم يا حمزة وقم يا علي، فلما قاموا ودنوا منهم قالوا: أنتم أكفاء كرام.

فبارز عبيدة وكان أسن القوم عتبة بن ربيعة، وبارز حمزة شيبة، وبارز علي الوليد. فأما حمزة فلم يمهل شيبة أن قتله، وأما علي فلم بمهل الوليد أن قتله، واختلف عبيدة وعتبة بينهما ضربتين كلاهما أثبت صاحبه، فكر حمزة وعلي بأسيافهما على عتبة فذففا عليه، واحتملا صاحبهما فجراه إلى أصحابه فمات بالصفراء.

وتزاحف الناس ودنا بعضهم من بعض، وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه أن لا يحملوا حتى يأمرهم، ويقول فيما يقول: "اللهم إن تهلك هذه العصابة اليوم لا تعبد" فأخذ أبو بكر بيده فقال: حسبك يا رسول الله قد ألححت على ربّك وهو يثب في الدرع فخرج وهو يقول ((سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ)).

وأنزل الله تعالى ((إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ)) فأمده الله بالملائكة.

ثم إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ حفنة من الحصى فاستقبل بها قريشا ثم قال: شاهت الوجوه. ثم نفحهم بها، وأمر أصحابه فقال: شدوا. فما من المشركين أحد إلا أصاب عينيه ومنخريه وفمه تراب من تلك القبضة، فولوا مدبرين. فكانت الهزيمة، فقتل الله فيها من قتل من صناديد قريش وأسر من أسر من أشرافهم وكان منهم العبّاس بن عبد المطلّب عمّ رسول الله صلى الله عليه وسلّم.

وقد كان الشيطان مع المشركين لا يفارقهم وكانوا يرونه في كل منزل في صورة سراقة بن مالك لا ينكرونه، حتى إذا التقى الجمعان فرّ عدو الله ونكص على عقبيه فذهب فأوردهم ثم أسلمهم حين رأى الله أيّد رسوله والمؤمنين بالملائكة وقال: {إِنِّي أَرَى مَا لا تَرَوْنَ} الآية

ولمّا انقضت الحرب أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى وقف على القتلى ثم أمر بهم فسحبوا إلى قليب من قلاب بدر فطرحوا فيه، فجعل يناديهم بأسمائهم وأسماء آبائهم: "يا فلان ابن فلان، أيسرّكم أنّكم أطعتم الله ورسوله، فإنّا وجدنا ما وعدنا ربنا حقا، فهل وجدتم ما وعدكم ربكم حقا؟ فقال عمر: يا رسول الله ما تكلم من أجساد لا أرواح لها. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أنتم بأسمع لما أقول منهم".

ثمّ اختلف الصحابة في الأسرى -وكانوا سبعين - لم يكن من المؤمنين أحد إلاّ أحبّ الغنائم إلاّ عمر بن الخطاب فإنّه أشار على رسول الله بقتل الأسرى، وسعد بن معاذ قال: الإثخان في القتل أحبّ إلي من استبقاء الرّجال. فأنزل الله تعالى {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ} الآيات. فقال رسول الله: لو نزل عذاب من السماء ما نجا منه غير عمر بن الخطاب وسعد بن معاذ.

فكان صلى الله عليه وسلم يفاديهم على قدر أموالهم، وكان أهل مكة يكتبون وأهل المدينة لا يكتبون، فمن لم يكن عنده فداء دفع إليه عشرة غلمان من غلمان المدينة يعلمهم، فإذا حذقوا فهو فداؤه.

وكان فراغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من بدر في عقب رمضان وأوائل شوال. وفي أول شوال صلى صلاة الفطر.

وفي أوائل شوال، وقيل بعد بدر بسبعة أيام، وقيل في نصف المحرم سنة ثلاث، خرج عليه الصلاة والسلام يريد بني سليم، فبلغ ماء يقال له قرقرة الكدر، فأقام ثلاث ليال وقيل عشرا فلم يلق حربا.

ثمّ كانت غزوة السويق في نفس السنة ولم يلق فيها حربا.

وفي ذي الحجة من هذه السنة صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العيد وأمر بالأضحية.

ثمّ توالت الغزوات على رسول الله صلى الله عليه وسلّم فكانت غزوة غطفان فـغزوة بحران فـغزوة بني قينقاع وكان من أمر بني قينقاع أنّ امرأة من العرب جلست إلى صائغ يهودي، فراودها على كشف وجهها فأبت، فعمد إلى طرف ثوبها فعقده إلى ظهرها، فلمّا قامت انكشقت سوأتها فصاحت، فضحكوا منها. فوثب رجل من المسلمين على الصائغ فقتله. فشدّت اليهود على المسلم فقتلوه. ووقع الشر بين المسلمين وبين بني قينقاع، فسار إليهم النبي صلى الله عليه وسلم فحاصرهم أشد الحصار خمس عشرة ليلة. فقذف الله في قلوبهم الرّعب فنزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم على أنّ له أموالهم وأنّ لهم النساء والذرية. فأمر عليه السلام المنذر بن قدامة بتكتيفهم، وكلم عبد الله بن أبي بن سلول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم وألح عليه من أجلهم فقال: خلّوهم لعنهم الله ولعنه معهم. وأمر أن يجلوا من المدينة وتركهم من القتل. وخمست أموالهم، فكان أول ما خمس بعد بدر.

ثمّ وقعت سريّة كعب بن الأشرف وكان من خبرها أنّ كعباً هذا لمّا بلغه خبر قتل سادات قريش في بدر صار يهجو رسول الله صلى الله عليه وسلّم والمسلمين ويمدح عدوّهم ويحرضهم عليه، فلم يرض بذلك حتى ركب إلى قريش فاستعواهم على رسول الله، فقال له أبو سفيان والمشركون: أديننا أحب إليك أم دين محمد وأصحابه؟ وأي دينينا أهدى في رأيك وأقرب إلى الحق؟ فقال: أنتم أهدى منهم سبيلا وأفضل.

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَن لنا بابن الأشرف، فقد استعلن بعداوتنا وهجائنا، وقد خرج إلى قريش فأجمعهم على قتالنا، وقد أخبرني الله بذلك، ثم قدم أخبث ما كان. ينتظر قريشا تقدم عليه فيقاتلنا". ثم قرأ على المسلمين ما أنزل الله فيه {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ} الآية.

فقام محمد بن مسلمة فقال: يا رسول الله أتحب أن أقتله؟ قال: "نعم".

فجاءه ليلا ومعه أبو نائلة وهو أخو كعب من الرضاعة، فدعاهم إلى الحصن فنزل إليهم، فقالت له امرأته: أين تخرج هذه الساعة؟ قال: إنما هو محمد ابن مسلمة، وأخي ورضيعي أبو نائلة. قالت: أسمع صوتا كأنّه يقطر منه الدم. فقال: إنما هو أخي محمد بن مسلمة، ورضيعي أبو نائلة. إنّ الكريم لو دعي إلى طعنة أجاب.

فقتلوه وجاءوا برأسه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ورموه بين يديه. فحمد الله على قتله.




عبير الإسلام

عدد المساهمات : 1216
تاريخ التسجيل : 16/04/2015

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الجامع المختصر في سيرة سيّد البشر Empty رد: الجامع المختصر في سيرة سيّد البشر

مُساهمة من طرف عبير الإسلام الإثنين أبريل 18, 2016 2:43 pm




غزوة أُحُد:

ثمّ كانت غزوة أُحُد، وهو جبل مشهور بالمدينة على أقل من فرسخ منها، وهو الذي قال فيه عليه الصلاة والسلام: "أُحُد جبل يحبّنا ونحبّه" ، وملخّص هذه الغزوة أنّ قريشا لمّا رجعوا من بدر إلى مكة وقد أصيب أصحاب القليب. ورجع أبو سفيان بعيره. عزموا على جمع الأموال لقتال رسول الله صلى الله عليه وسلّم.

ولمّا اجتمعت قريش لحرب رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب العباس بن عبد المطلب كتابا يخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بخبرهم، وسار بهم أبو سفيان حتى نزل بهم بطن الوادي من قبل أُحُد مقابل المدينة، وكانوا قريبا من ثلاثة آلاف من قريش والحلفاء الأحابيش، وجاءوا معهم بنسائهم لئلاّ يفرّوا، وكان ذلك في شوال من السنة الثالثة.

فلمّا سمع بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون قد نزلوا حيث نزلوا أخبر أصحابه فأشاروا عليه بالخروج لملاقات أعداء الله تعالى، فصلى عليه الصلاة والسلام بالناس الجمعة ثم وعظهم وأمرهم بالجد والاجتهاد، وأخبر أنّ لهم النّصر بما صبروا، وأمرهم بالتّهيّؤ لعدوّهم. ففرح الناس بذلك.

وكان المسلمون ألف رجل ويقال تسعمائة والمشركون ثلاثة آلاف، ونزل عليه السلام بأُحُد ورجع عنه عبد الله بن أبي بنحو ثلث العسكر فيمن تبعه من قومه وقال: يخالفني ويسمع من غيري –وقد كان أشار على رسول الله صلى الله عليه وسلّم بعدم الخروج إلى المشركين والبقاء في المدينة-، فتبعهم عبد الله بن عمرو بن حرام والد جابر يوبّخهم ويحرّضهم على الرّجوع ويقول: تعالوا قاتلوا في سبيل أو ادفعوا، قالوا: لو نعلم أنّكم تقاتلون لم نرجع. فرجع عنهم وسبّهم.

ونفذ رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزل الشعب من أُحُد في عدوة الوادي وجعل ظهره إلى أُحُد، ونهى الناس عن القتال حتى يأمرهم، فلمّا أصبح يوم السبت تعبأ للقتال وهو في سبعمائة فيهم خمسون فارسا، وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الرماة وكانوا خمسين رجلا عبد الله بن جبير وقال: "إن رأيتمونا تخطفنا الطير فلا تبرحوا مكانكم هذا حتى أرسل إليكم، وإن رأيتمونا هزمنا القوم ووطأناهم فلا تبرحوا حتى أرسل إليكم".

فاقتتل الناس حتى حميت الحرب، وكان شعار المسلمين: أمت أمت. وأبلى أبو دجانة وطلحة بن عبيد الله وأسد الله وأسد رسوله حمزة بن عبد المطلب وعلي بن أبي طالب والنضر بن أنس وسعد بن الربيع. وكانت الدولة أول النهار للمسلمين فمسوهم بالسيوف، فانهزم عدو الله وولوا مدبرين حتى انتهوا إلى نسائهم.

فقال أصحاب عبد الله بن جبير: الغنيمة الغنيمة، ظهر أصحابكم فما تنتظرون؟ فقال عبد الله بن جبير: أنسيتم ما قال لكم رسول الله؟ قالوا: والله لنأتين الناس فلنصيبن من الغنيمة، فلمّا أتوهم نظرخالد بن الوليد ومن معه إلى خلاء الجبل وقلّة أهله فَكَرَّ بالخيل، وتبعه عكرمة بن أبي جهل فحملوا على مَن بقي من النفر الرماة فقتلوهم وأميرهم عبد الله بن جبير. فصرفت وجوه المسلمين فأقبلوا منهزمين.

وقد كان ذلك اليوم يوم بلاء وتمحيص للمسلمين أكرم الله فيه مَن أكرم بالشهادة، حتى خلص العدو إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يبق معه إلا اثنا عشر رجلا، وقاتل كثيرٌ من الصحابة بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلّم وقُتلوا دونه رضي الله عنهم أجمعين. ودق رسول الله صلى الله عليه وسلّم بالحجارة حتى وقع لشقه وأصيبت رباعيته وشج في وجهه وكلمت شفته السفلى، فكان يقول: "اللّهم اغفر لقومي فإنّهم لا يعلمون" ويمسح الدم ويقول: "كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيّهم وهو يدعوهم إلى ربّهم؟ فأنزل الله تعالى {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ} الآية.

وانهزم قوم من المسلمين يومئذ فبلغ بعضهم إلى الحلوب دون الأعوص، فغفر ذلك لهم، ونزل القرآن بالعفو عنهم بقوله {إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ} الآية. واشتغل المشركون ونساؤهم بقتلى المسلمين يمثلون بهم ويقطعون الآذان والأنوف والفروج ويبقرون البطون. وبقرت هند بنت عتبة عن كبد حمزة فلاكتها فلم تستطع أن تسيغها فلفظتها.

ولمّا أراد أبو سفيان الانصراف أشرف على الجبل، ثم صرخ بأعلى صوته: أنعمت فعال، إن الحرب سجال، يوم بيوم بدر، اعل هبل.ثمّ قال: إنكم ستجدون في القوم مثلة لم آمر بها ولم تسؤني. فنظروا فإذا حمزة قد بقر بطنه وأخذت هند كبده فلاكتها فلم تستطع أن تأكلها.

ثمّ أنزل الله عليهم النعاس كما أنزله عليهم في غزوة بدر، والنعاس في الحرب والخوف دليل على الأمن وهو من الله. و بعد انصراف قريش فرغ الناس لقتلاهم وأخذوا ينقلون موتاهم، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن يدفنوا في مضاجعهم، وأن لا يغسلوا، وأن يدفنوا كما هم بثيابهم.

وكان ممن استشهد من المسلمين يوم أحد سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه، قتله وحشي مولى نوفل، وأعتق لذلك، رماه بحربة فوقعت في ثنيته. ثم إن وحشيا أسلم، وقتل بالحربة بعينها مسيلمة الكذاب يوم اليمامة زمن أبي بكر الصديق.

وبالجملة فقد أكرم الله سبعين صحابياً بالشهادة يوم أحد وقتل من الكفار اثنان وعشرون رجلا.

فلما كان من الغد يوم الأحد أذن مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الطلب للعدو، وعهد رسول الله أن لا يخرج معه أحد إلا من حضر المعركة يوم أحد، فخرج عليه السلام حتى بلغ حمراء الأسد، وهي على ثمانية أميال من المدينة، فمر برسول الله صلى الله عليه وسلم معبد بن أبي معبد الخزاعي، وكان يومئذ مشركاً، فقال: يامحمد، أما والله لقد عز علينا ما أصابك في أصحابك، ولوددنا أن الله عافاك. ثم خرج حتى لقي أبا سفيان ومن معه بالروحاء وقد أجمعوا على الرجعة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ليستأصلوهم بزعمهم.

فقال معبد لأبي سفيان: إن ّمحمداً قد خرج في أصحابه يطلبكم في جمع لم أر مثله قط، قد اجتمع معه من كان تخلف عنه في يومكم وندموا على ماصنعوا. فساء ذلك أبا سفيان ومن معه. ومر ركب من عبد القيس، فقال: أين تريدون. قالوا: نريد المدينة للميرة. فقال لهم أبو سفيان إذا وافيتم محمّداً فأخبروه أنا قد أجمعنا السير إليه وإلى أصحابه لنستأصل بقيتهم. فمر الركب برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بحمراء الأسد فأخبروه بالذي قال أبو سفيان. فقال: حسبنا الله ونعم الوكيل. وذلك قول الله تعالى { الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ} الأية.

فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بها الإثنين والثلاثاء والأربعاء، ثم رجع إلى المدينة يوم الجمعة وقد غاب خمسا وظفر عليه السلام بمخرجه ذلك بمعاوية بن المغيرة ابن أبي العاص جد عبد الملك بن مروان لأمه فأمر بضرب عنقه صبرا.




عبير الإسلام

عدد المساهمات : 1216
تاريخ التسجيل : 16/04/2015

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الجامع المختصر في سيرة سيّد البشر Empty رد: الجامع المختصر في سيرة سيّد البشر

مُساهمة من طرف عبير الإسلام الإثنين أبريل 18, 2016 2:56 pm



وفي قضية لفظ هند لكبد حمزة ، قد ناقش هذه الرواية كثير من العلماء ، وإليكم المسألة بتفصيلها إن شاء الله :

كشف الغمة في بيان ضعف ما نسب لهند بنت عتبة من أكلها لكبد حمزة

المؤلف: بلال بريغت

الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على مَنْ أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصَحْبِهِ وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمّا بعد:

فإن كثيرا من الناس يظن ظن السوء بالصحابية الجليلة هند بنت عتبة رضي الله عنها، وذلك من خلال ما شاهدوه عن طريق الأفلام كفلم الرسالة الذي صورها في أبشع صورة، وقد وجدت في مجتمعنا هذا من لا يعرف أن هندا رضي الله عنها قد أسلمت وحسن إسلامها، إذ المتبادر إلى أذهان الناس أنها كانت محاربة للرسول صلى الله عليه وسلم، آكلة لكبد عمه، آمرة وحشيا بقتله، لهذا أحببت أن أنبه إلى ضعف قصة أكل كبد حمزة لأنها أخذت القسط الوافر من حديث الناس، مع ذكر ترجمة مختصرة لهذه الصحابية وبعض مناقبها فنسأل الله تبارك وتعالى أن يوفقنا لهذا العمل.

ترجمتها:

هي هند بنت عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي(1) أسلمت يوم الفتح حين «بات المسلمون الليلة الموالية ليوم الفتح يصلون بالمسجد الحرام فرأت هند منهم ما لم تعهد، فقالت والله ما رأيت الله عبد حق عبادته في هذا المسجد قبل الليلة، وأرادت المجيء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وخافت من ماضيها في الجاهلية، ولما بايع النبي صلى الله عليه وسلم النساء وهي معهن ومن الشرط فيها، أن لا يسرقن ولا يزنين، قالت هند: وهل تزني الحرة وتسرق يا رسول الله؟ ثم رجعت إلى بيتها فجعلت تضرب صنما لها بالقدوم حتى فلذته فلذة فلذة وتقول: كنا معك في غرور(2)، وقد أسلمت متأثرة بما رأت من حال المسلمين وبادرت إلى كسر صنمها وأصبحت تريد أن تعرف ما يحل لها ويحرم في الإسلام، وكانت امرأة لها نفس وأنفة وفيها صراحة وجرأة واعتداد بنفسها وقصتها في الجاهلية مع أول أزواجها الفاكه بن المغيرة، وقصة اختيارها للأزواج وغيرها، مظهر من مظاهر هذه الأخلاق، وما في قصة إسلامها من مراجعتها للنبي صلى الله عليه وسلم من تلك الأخلاق، وأهل هذه الأخلاق إذا كفروا كفروا وإذا أسلموا أسلموا بصدق، وكذلك كانت هند في جاهليتها وإسلامها.

وانظر إلى الإسلام الصادق كيف تظهر آثاره في الحين على أهله وكيف يقلب الشخص سريعا من حال إلى حال وبه تعرف إسلاما من إسلام»(3).

مناقبها:

وهند رضي الله عنها لها مناقب عظيمة فقد بوب الإمام البخاري رحمه الله تعالى: «بَاب ذِكْرُ هِنْدٍ بِنْتِ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا»، وفيه عن عُرْوَةَ بْنُ الْزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: «جَاءَتْ هِنْدٌ بِنْتُ عُتْبَةَ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا كَانَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ مِنْ أَهْلِ خِبَاءٍ أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ يَذِلُّوا مِنْ أَهْلِ خِبَائِكَ، ثُمَّ مَا أَصْبَحَ الْيَوْمَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ أَهْلُ خِبَاءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ يَعِزُّوا مِنْ أَهْلِ خِبَائِكَ، قَالَتْ وَأَيْضًا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ مِسِّيكٌ فَهَلْ عَلَيَّ حَرَجٌ أَنْ أُطْعِمَ مِنْ الَّذِي لَهُ عِيَالَنَا قَالَ لَا أُرَاهُ إِلَّا بِالْمَعْرُوفِ»(4).

قال الحافظ في الفتح: «وفي الحديث دلالة على وفور عقل هند وحسن تأتيها في المخاطبة»(5).

وقال: «قوله: قال: وأيضا والذي نفسي بيده، قال ابن التين: فيه تصديق لها فيما قالت»(6).

وقال: «وقد كانت هند في منزلة أمهات نساء النبي صلى الله عليه وسلم لأن أم حبيبة إحدى زوجاته بنت زوجها أبي سفيان»(7).

وقال: «وكانت من عقلاء النساء»(8).

فهذه مناقب عظيمة لهذه الصحابية الفاضلة والتي أكرمها الله بلقاء الرسول صلى الله عليه وسلم، قال النووي رحمه الله: « وفضيلة الصحبة ولو لحظة لا يوازيها عمل ولا تنال درجتها بشيء»(9).

وهي من نساء قريش، و«نِسَاءُ قُرَيْشٍ خَيْرُ نِسَاءٍ رَكِبْنَ الإِبِلَ أَحْنَاهُ عَلَى طِفْلٍ وَأَرْعَاهُ عَلَى زَوْجٍ فِي ذَاتِ يَدِهِ»(10) كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.

دراسة القصة:

قال الإمام أحمد في مسنده: «حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، حَدَّثَنَا عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: أَنَّ النِّسَاءَ كُنَّ يَوْمَ أُحُدٍ خَلْفَ الْمُسْلِمِينَ، يُجْهِزْنَ عَلَى جَرْحَى الْمُشْرِكِينَ،... إلى أن قال: فَنَظَرُوا فَإِذَا حَمْزَةُ قَدْ بُقِرَ بَطْنُهُ، وَأَخَذَتْ هِنْدُ كَبِدَهُ فَلَاكَتْهَا(11)، فَلَمْ تَسْتَطِعْ أَنْ تَأْكُلَهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَأَكَلَتْ مِنْهُ شَيْئًا؟ قَالُوا: لَا. قَالَ: مَا كَانَ اللهُ لِيُدْخِلَ شَيْئًا مِنْ حَمْزَةَ النَّارَ»(12).

هكذا عند أحمد من طريق حماد بن سلمة، وأخرجه كذلك ابن سعد(13)، وابن أبي شيبة(14) عن عفان، به.

وفيه عطاء بن السائب، قال الحافظ في التقريب: «صدوق اختلط»(15)، وقال ابن حجر الهيثمي: «رواه أحمد، وفيه عطاء بن السائب، وقد اختلط»(16).

وقد ذكر العجلي كما في الثقات(17) وابن عدي في الكامل(18) أن عطاء بن السائب قد اختلط.

وقال البخاري في التاريخ: «عطاء بن السائب بن يزيد أَبُو زيد الثقفي الكوفي أحاديثه القديمة صحيحة»(19).

وسماع حماد بن سلمة من عطاء كما في التهذيب للحافظ(20) كان قبل الاختلاط وبعده، ولم يتميز حديثه قبل الاختلاط عن حديثه بعده، قال العقيلي: «وسماع حماد بن سلمة بعد الاختلاط كذا نقله عنه بن القطان»(21).

وقال العقيلي في الضعفاء: «حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ: سَأَلْتُ يَحْيَى بْنَ مَعِينٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، فَقَالَ: اخْتَلَطَ، فَمَنْ سَمِعَ مِنْهُ، قَبْلَ الِاخْتِلَاطِ فَجَيِّدٌ، وَمَنْ سَمِعَ مِنْهُ، بَعْدَ الِاخْتِلَاطِ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ»(22).

وقال الشيخ الألباني: « وجزم الحافظ ابن حجر رحمه الله بأن حماد بن سلمة قد سمع منه قبل الاختلاط، لا يصح أن يكون مرجحا، ذلك لأن حمادا هذا قد سمع منه بعد الاختلاط أيضا، كما ذكر ذلك الحافظ نفسه في «التهذيب»، فقد قال في آخر ترجمة عطاء بعد أن نقل أقوال العلماء في اختلاطه وفيمن روى عنه في هذه الحالة وقبلها: «فيحصل لنا من مجموع كلامهم أن سفيان الثوري وشعبة وزهير وزائدة وحماد بن زيد وأيوب عنه صحيح، ومن عداهم يتوقف فيهم، إلا حماد بن سلمة فاختلف قولهم، والظاهر أنه سمع منه مرتين، يعني قبل الاختلاط وبعده». وقال قبيل ذلك: «فاستفدنا من هذه القصة أن رواية وهيب وحماد (يعني ابن سلمة) وأبي عوانة عنه في جملة ما يدخل في الاختلاط»(23).

وهذا تحقيق دقيق يجب أن لا ينساه - كما وقع للحافظ نفسه - من يريد أن يكون من أهل التحقيق، ولازم ذلك أن لا يصحح حديث حماد بن سلمة عن عطاء لاحتمال أن يكون سمعه منه في حالة الاختلاط، فلقد أصاب الصنعاني كبد الحقيقة حين قال بعدما تقدم نقله عنه: والحق الوقف عن تصحيحه وتضعيفه حتى يتبين الحال فيه»(24).

وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله: «تفرّد به أحمد، وهذا إسنادٌ فيه ضعف من جهة عطاء بن السائب»(25).

وقد تعقب الشيخ أحمد شاكر رحمه الله كلام الحافظ فقال: «وتعليل الإسناد بعطاء غير جيد، فإن حماد بن سلمة سمع منه قبل الاختلاط»(26).

وقال الشّيخ الألباني رحمه الله في تعليقه على فقه السّيرة(27) تعقيبا على كلام الشيخ أحمد شاكر رحمه الله: «وفيه حماد بن سلمة عن عطاء بن السائب وقد سمع منه في حالة الاختلاط كما سمع منه قبلها ولهذا قال الحافظ ابن كثير(4/41): «هذا إسناد فيه ضعف»، وهذا هو الصّواب، خلافا لقول الشيخ أحمد محمد شاكر: «إنه صحيح»،فإنه ذهل عما ذكر من سماعه منه في الاختلاط».

ثم قال الألباني رحمه الله: «وقد صحح فضيلة الشيخ- أي أحمد شاكر- في تعليقه على المسند وغيره. كلها من هذا الطريق. فليتنبه لهذا». انتهى كلامه رحمه الله.

ثمّ إنّ الشّعبي لم يسمع من ابن مسعود رضي الله عنه، كما جاء في التهذيب لابن حجر عن الحاكم في علومه أنه قال: «ولم يسمع من عائشة، ولا من ابن مسعود»(28)، وقال الحافظ: «وقال الدارقطني في سؤالات حمزة: لم يسمع من ابن مسعود وإنما رآه رؤية»(29).

وحكى ابن أبي حاتم في المراسيل عن ابن معين: «الشعبي عن عائشة مرسل. قال: وقال أبي: لا يمكن أن يكون سمع من أسامة ولا أدرك الفضل بن عباس، ولم يسمع من ابن مسعود ...»(30).

فهذا إسناد ضعيف منقطع، لأن الذي سمع منه الشعبي هو أبو مسعود الأنصاري كما صرح بذلك ابن حجر في التهذيب (31)، وفرق بين أَبو مسعود الأنصاريّ، عقبة بن عمرو بن ثعلبة البدري وبين عبد الله بن مسعود رضي الله عنهما، فكلاهما صحابيان جليلان، ولكن الذي سمع منه الشعبي كما مر هو أبو مسعود الأنصاري وليس عبد الله ابن مسعود رضي الله عنهما، فالشعبي رأى ابن مسعود ولكن لم يرو عنه والله أعلم.

وفي المتن نكارة وهي قوله: «ما كان الله ليُدخلَ شيّئًا من حمزة في النّار»، لأنّ هندًا رضي الله عنها أسلمت وحسن إسلامها ، وبايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد جاء في الصحيح عن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: «جَاءَتْ هِنْدٌ بِنْتُ عُتْبَةَ، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا كَانَ عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ مِنْ أَهْلِ خِبَاءٍ أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ يَذِلُّوا مِنْ أَهْلِ خِبَائِكَ، ثُمَّ مَا أَصْبَحَ اليَوْمَ عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ أَهْلُ خِبَاءٍ، أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ يَعِزُّوا مِنْ أَهْلِ خِبَائِكَ»(32).

فكيف يُحكم على هند بأنها من أصحاب النار، والإسلامُ يَجُبُّ مَا قَبْلَه؟ ولو سلمنا جدلا فليس في القصة ما يثبت أن هندا من أهل النار كما تصور الرافضة فمعنى قول: «ما كان الله ليُدخلَ شيّئًا من حمزة في النّار»، أي: لو ماتت على كُفرها قبل أن تُسلِم.

وقال ابن كثير: « قال ابن إسحاق(33): ووقعت هند بنت عتبة كما حدثني صالح بن كيسان والنسوة اللاتي معها يمثلن بالقتلى من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ يجدعن الآذان والأنوف، حتى اتخذت هند من آذان الرجال وأنوفهم خدماً وقلائد، وأعطت خدمها وقلائدها وقرطتها وحشياً، وبقرت عن كبد حمزة فلاكتها، فلم تستطع أن تسيغها فلفظتها»(34).

وصالح بن كيسان من صغار التابعين، ومعظم روايته عن التابعين، كما في التهذيب للحافظ (35)، لهذا فإسناده مرسل والله تعالى أعلم.

وقال ابن كثير: «ذَكَرَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ أَنَّ الَّذِي بَقَرَ كَبِدَ حَمْزَةَ ، وَحْشِيٌّ فَحَمَلَهَا إِلَى هِنْدٍ فَلَاكَتْهَا فَلَمْ تَسْتَطِعْ أَنْ تُسِيغَهَا»(36).

وهذا أيضا مرسل، فموسى بن عقبة من صغار التابعين(37).

وقال البيهقي في الدلائل: «أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الْبَغْدَادِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ خَالِدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، فذكر الحديث، ثم قال: «... وَوَجَدُوا حَمْزَةَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عَمَّ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ بُقِرَ بَطْنُهُ، وَاحْتُمِلَتْ كَبِدُهُ، حَمَلَهَا وَحْشِيٌّ، وَهُوَ قَتَلَهُ وَشَقَّ بَطْنَهُ، فَذَهَبَ بِكَبِدِهِ إِلَى هِنْدِ بِنْتِ عُتْبَةَ فِي نَذْرٍ نَذَرَتْهُ حِينَ قَتَلَ أَبَاهَا يَوْمَ بَدْرٍ»(38).

وهذا إسناد مرسل، من مراسيل عروة بن الزبير، وقد قواها - أي مراسيله- طائفة من الأئمة، ومستندهم في هذا قوله: «إني لأسمع الحديث فأستحسنه، فما يمنعني من ذكره إلا كراهية أن يسمعه سامع فيقتدي به، أسمعه من الرجل لا أثق به قد حدثه عمن أثق به، وأسمعه من الرجل أثق به حدثه عمن لا أثق به»(39).

وقال ابن عبد البر: «كيف ترى في مرسل عروة بن الزبير، وقد صح عنه ما ذكرنا؟ أليس قد كفاك المؤنة؟»(40).

وعروة ابن الزبير ثقة من رجال الشيخين، وفي سماعه من أبيه خلاف، وروايته عن خالته عائشة رضي الله عنها محمول على الاتصال(41).

ومحمد بن عمرو بن خالد ذكره ابن يونس في تاريخه فقال: «محمد بن عمرو بن خالد بن فرّوخ الحرّانى، يكنى أبا علاثة. حدّث عن أبيه، وعن محمد بن عمرو بن سعيد بن أسد بن موسى، ومحمد بن الحارث، وعبد الله ابن صالح. روى عنه أبو القاسم الطّبرانى، وأبو جعفر محمد بن محمد بن عبد الله بن جميل البغدادى (نزيل سمرقند)، وجماعة كثيرة. توفى يوم الاثنين عاشر ربيع الأول سنة اثنتين وتسعين ومائتين بمصر»(42).

والملاحظ أن ابن يونس لم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، فهو مجهول الحال.

وأما ابن لهيعة فقد رموه بالاختلاط وسوء الحفظ لاحتراق كتبه.

وقد روى الواقدي أن وحشيا قال: «... فَشَقَقْت بَطْنَهُ-أي حمزة- فَأَخْرَجْت كَبِدَهُ، فَجِئْت بِهَا إلَى هِنْدٍ بِنْتِ عُتْبَةَ، فَقُلْت: مَاذَا لِي إنْ قَتَلْت قَاتِلَ أَبِيك؟ قَالَتْ: سَلَبِي! فَقُلْت: هَذِهِ كَبِدُ حَمْزَةَ، فَمَضَغَتْهَا ثُمّ لَفَظَتْهَا، فَلَا أَدْرِي لَمْ تُسِغْهَا أَوْ قَذَرَتْهَا، فَنَزَعَتْ ثِيَابَهَا وَحُلِيّهَا فَأَعْطَتْنِيهِ، ثُمّ قَالَتْ: إذَا جِئْت مَكّةَ فَلَك عَشَرَةُ دَنَانِيرَ، ثُمّ قَالَتْ: أَرِنِي مَصْرَعَهُ! فَأَرَيْتهَا مَصْرَعَهُ، فَقَطَعَتْ مَذَاكِيرَهُ، وَجَدَعَتْ أَنْفَهُ، وَقَطَعَتْ أُذُنَيْهِ، ثُمّ جَعَلَتْ مسكَتَيْنِ وَمِعْضَدَيْنِ حتى قدمت بذلك مكّة، وقدمت بكبده مَعَهَا»(43).

والواقدي كما هو معلوم لا يعتد به.

وقال الطبري في تاريخه: «حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عن مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ الْمَازِنِيِّ، أَخِي بَنِي النَّجَّارِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: مَنْ رَجُلٌ يَنْظُرُ لِي مَا فَعَلَ سَعْدُ بْنُ الرَّبِيعِ، وَسَعْدٌ أَخُو بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ، أَفِي الأَحْيَاءِ هُوَ أَمْ فِي الأَمْوَاتِ؟ فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ: أَنَا أَنْظُرُ لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا فَعَلَ. فَنَظَرَ، فَوَجَدَهُ جَرِيحًا فِي الْقَتْلَى بِهِ رَمَقٌ. قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَنِي أَنْ أَنْظُرَ لَهُ أَفِي الأَحْيَاءِ أَنْتَ أَمْ فِي الأَمْوَاتِ؟ قَالَ: فَأَنَا فِي الأَمْوَاتِ أَبْلِغْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقُلْ لَهُ: إِنَّ سَعْدَ بْنَ الرَّبِيعِ يَقُولُ لَكَ: جَزَاكَ اللَّهُ خَيْرَ مَا جَزَى نَبِيًّا عن أُمَّتِهِ، وَأَبْلِغْ قَوْمَكَ عَنِّي السَّلامَ، وَقُلْ لَهُمْ: إِنَّ سَعْدَ بْنَ الرَّبِيعِ يَقُولُ: لا عُذْرَ لَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ إِنْ خُلِصَ إِلَى نَبِيِّكُمْ، وَفِيكُمْ عَيْنٌ تَطْرُفُ، ثُمَّ لَمْ أَبْرَحْ حَتَّى مَاتَ رَحِمَهُ اللَّهُ، فَجِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَخْبَرْتُهُ الْخَبَرَ. وَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا بَلَغَنِي يَلْتَمِسُ حَمْزَةَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عَلَيْهِ السَّلامُ، فَوَجَدَهُ بِبَطْنِ الْوَادِي قَدْ بُقِرَ بَطْنُهُ عن كَبِدِهِ، وَمُثِّلَ بِهِ، فَجُدِعَ أَنْفُهُ، وَأُذُنَاهُ»(44).

وهذا كذلك مرسل، وفيه ابن حميد ضعفه أبو حاتم(45)، وقال البخاري: «في حديثه نظر»(46)، وقال النسائي: «ليس بثقة»(47)، وقال الدارقطني: «مختلف فيه»(48)، وقال الذهبي: « وثقه جماعة والأولى تركه»(49)، وقال ابن حجر: «حافظ ضعيف»، وقال: «كان ابن معين حسن الرأي فيه»(50)، ووثقه أحمد كما في تهذيب الكمال(51)، قال الذهبي: «قال أبو علي النيسابوري: قلت لابن خزيمة: لو حدث الأستاذ عن محمد بن حميد، فإن أحمد بن حنبل قد أحسن الثناء عليه. قال: إنه لم يعرفه، ولو عرفه كما عرفناه، لما أثنى عليه أصلا»(52).

وفيه سلمة بن الْفَضْلِ الأبرش الأَنْصَارِي، رمي بالتشيع، وثقه ابن معين(53)، وأحمد، وأبو داود، قال الحافظ: «قال الآجري، عن أبي داود: ثقة، وذكر بن خلفون أن أحمد سئل عنه فقال: لا أعلم إلا خيرا»(54)، وضعفه جماعة منهم البخاري، قال: «عنده مناكير»(55)، والنسائي، وقال: «ضعيف»(56)، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال: «يخطئ ويخالف»(57)، وقال الحافظ: «صدوق كثير الخطأ»(58).

وهذا الحديث أخرجه كذلك البيهقي في الدلائل(59) مرسلا، وهو عند ابن هشام في السيرة(60) من طريق ابن إسحاق.

وخلاصة الكلام: أنّ المثلة بقتلى المسلمين قد وقعت وحمزة رضي الله عنه ممّن مثل بهم وقد شقّوا بطنه كما هو ثابت، ويشهد لهذه المثلة حين قال أَبُو سُفْيَانَ: «يَوْمٌ بِيَوْمِ بَدْرٍ وَالْحَرْبُ سِجَالٌ وَتَجِدُونَ مُثْلَةً لَمْ آمُرْ بِهَا وَلَمْ تَسُؤْنِي»، وأما ما ذكر من استخراج كبده وحملها إلى هند رضي الله عنها وتناولها منها وعدم استساغتها إياها فلا يثبت منه شيء. والله تعالى أعلم.

هذا ما وصلت إليه فإن أصبت فمن الله، وإن أخطأت فمن نفسي ومن الشيطان، فأسأل الله تبارك وتعالى أن يتجاوز عني، وأن يغفر لي، وأن يجعل هذا العمل لوجهه الكريم، وآخر دعوانا أنِ الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله على نبيّنا محمّد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، وسلّم تسليمًا.

=====

(1): سير أعلام النبلاء (3/120).
(2): وانظر هذه القصة عند ابن عساكر تاريخ دمشق ( 37 / 137 ).
(3): بتصرف من كلام العلامة ابن باديس رحمه الله، انظر: الآثار (4/118-119).
(4): سيأتي تخريجه قريبا.
(5): انظر الفتح (8 /533)ط.طيبة.
(6): انظر الفتح (8 /532)ط.طيبة.
(7): انظر الفتح (8 /533)ط.طيبة.
(8): انظر الفتح (8 /532)ط.طيبة.
(9): شرح مسلم (7 / 93).
(10): رواه مسلم برقم (2527 ) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(11): لاكتها أي مضغتها، واللَّوك أهون المضغ كما في القاموس المحيط، مادة: (ل و ك).
(12): مسند الإمام أحمد (7/419). ط: الرسالة، و بتحقيق العلامة أحمد شاكر رحمه الله (6\191 -192) برقم ( 4414).
(13): الطبقات الكبرى لابن سعد (3/12).
(14): مصنف ابن أبي شيبة (13/302-303).ط: الرشد.
(15): تقريب التهذيب (ص:537).ط: الرسالة.
(16): المجمع للهيثمي ( 6/109-110).
(17): الثقات للعجلي (2/135-136) رقم (1237).ت: عبد العليم عبد العظيم البستوي
(18): الكامل في ضعفاء الرجال (7/72).
(19): التاريخ الكبير للبخاري (6/465).
(20): التهذيب (3/104-105).ط: الرسالة.
(21): الضعفاء الكبير (3/398).
(22): الضعفاء الكبير (3/398).
(23): انظر: التهذيب (3/104-105).ط: الرسالة.
(24): السلسلة الضعيفة (2/334).
(25): البداية والنهاية (5/429).ت.التركي.
(26): مسند الإمام أحمد بتحقيق العلامة أحمد شاكر رحمه الله (6\191 -192).
(27): فقه السيرة لمحمد الغزالي (ص:279-280 ) الحاشية رقم (02).
(28):انظر: التهذيب لابن حجر (2/265).
(29): المصدر السابق.
(30): المصدر السابق.
(31): التهذيب (2/264).
(32): رواه البخاري (3825)، ومسلم (1714)
(33): سيرة ابن إسحاق (ص:312).
(34): البداية والنهاية (5/418-419).ت: التركي.
(35): التهذيب (2/198-199).
(36): البداية والنهاية (5/419).ت: التركي، وانظر كذلك دلائل النبوة للبيهقي (3/214).ت: عبد المعطي قلعجي، من طريق موسى بن عقبة أيضا.
(37): انظر ترجمته في السير للذهبي (6/115).
(38): دلائل النبوة للبيهقي (3/282).ت: عبد المعطي قلعجي.
(39): أخرجه الشافعي في الأم (12/ 368)، ومن طريقه: الخطيب في الكفاية (ص: 73)، وابن عبد البر في التمهيد (1/ 38- 39).
(40): التمهيد (1/ 39).
(41): معجم أسامي الرواة الذين ترجم لهم العلامة محمد ناصر الدين الألباني جرحا وتعديلا (3/121).
(42): تاريخ ابن يونس المصرى (1/ 459)، رقم (1250). ط: دار الكتب العلمية.
(43): مغازي الواقدي (1/ 286).
(44): تاريخ الطبري (2/528).
(45): تهذيب الكمال للمزي (25/105).ط.الرسالة.
(46): التاريخ الكبير (1/69) رقم (167).
(47): تهذيب الكمال للمزي (25/102).ط.الرسالة.
(48): موسوعة أقوال أبي الحسن الدارقطني في رجال الحديث وعلله (2/569).
(49): الكاشف في معـرفة من له رواية في الكتب الست (2/166).
(50): تقريب التهذيب (ص:666).ط.الرسالة.
(51): تهذيب الكمال للمزي (25/100).ط.الرسالة.
(52): سير أعلام النبلاء (11/503).
(53): سير أعلام النبلاء (9/50).
(54): التهذيب (2/76).ط.الرسالة.
(55): التاريخ الكبير (4/84) رقم (2044).
(56): الضعفاء والمتروكين (ص:118).ت: الضناوي، والحوت.
(57): تهذيب الكمال للمزي (11/309).ط.الرسالة.
(58): تقريب التهذيب (ص:307).ط.الرسالة.
(59):دلائل النبوة للبيهقي (3/285).ت: عبد المعطي قلعجي.
(60): سيرة ابن هشام (3/58).

منقول من: منتديات التصفية والتربية





عبير الإسلام

عدد المساهمات : 1216
تاريخ التسجيل : 16/04/2015

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى